الإسلام السياسي والديموقراطية
هل هناك قواسم مشتركة بين الانتخابات التي جرب في غضون الشهرين الماضيين في كل من باكستان والمغرب والبحرين وتركيا؟
أظهرت الانتخابات في البلدان الأربعة واقعا لم يعد بالإمكان تجاهله، وهو أن التيارات الإسلامية أو القريبة من الفكر الإسلامي تمثل شرائح هامة من النسيج الاجتماعي في البلدان المسلمة.
إن المصادفة التاريخية التي جمعت بين نتائج الانتخابات التي جرت في أربعة بلدان إسلامية مؤخرا، ليس المقصود بها عنصر التقارب الزمني في إجراء الانتخابات، بقدر ما هو البيئة السياسية العامة التي جرت فيها تلك الانتخابات، سواء في كل بلد على حدة، أو فيها كلها.
والعنصر الجامع بين البيئات السياسية للبلدان الأربعة، رغم اختلاف المكونات الداخلية اختلافا كبيرا، ينصرف إلى تلك الموجة الدولية العاتية التي تقودها الولايات المتحدة المناهضة لما يسمى بالأصولية الإسلامية المتطرفة، والتي تعتبرها واشنطن مسؤولة عن الإرهاب الدولي.
ورغم الإدراك بأن هناك تيارا أصوليا مسؤولا نسبيا عن شيوع إيديولوجية المواجهة بين الإسلام والغرب، ويعتقد أنه المطلوب رأسه أمريكيا وغربيا وحتى إسلاميا، إلا أن مناخ المواجهة الذي أشاعته الولايات المتحدة في وسائل الإعلام وفي عموم العلاقات الدولية، لم يفرق كثيرا بين التيار الأصولي المطلوب مواجهته ومحاصرته، وبين التيار الإسلامي العام الذي يمثل نمط حياة وقيم مختلف عما يدعو إليه الغرب عامة، ويقوم على قيم التسامح والقبول بالآخر.
ومـثّـل هذا التداخل الذي بدا مقصودا في الأداء الإعلامي والسياسي الأمريكي، بدوره أكثر من عامل استفزاز للمجتمعات المسلمة، بما فيها غير المسيسين، وأكّـد لقطاعات عريضة ذات طابع شعبي قناعات سلبية، تدور في مجملها حول رغبة الولايات المتحدة في التدخل المباشر لتغيير أنماط حياة المسلمين اليومية، بما فيها المكون الديني الذي ينظر إليه بقداسة لا تقدرها دوائر صنع القرار الأمريكية.
ومما زاد الأمر سوءا، تلك التقارير التي تنشرها وسائل الإعلام الأمريكية بين الحين والأخر، وتؤكدها تصريحات المسؤولين الأمريكيين حول خطط أمريكية لتغيير أنماط الحياة السياسية في البلدان المسلمة تحت شعار “دمقرطة العالم الإسلامي”، بهدف منعه من أن يتحول إلى معين للتطرف والإرهاب وتهديد حياة الغرب.
وهنالك حديث عن خطط أخرى للتدخل في أساليب ومناهج التعليم في البلدان المسلمة، والتي تتضمن تغيير مكونات المنهج الديني، وتقليل ساعات تدريسه إلى خُمس ما هو معتاد، والتأكيد على قيم بعينها، وحذف قيم وعناصر ومفاهيم أساسية في الدين الإسلامي، كمفهوم الجهاد، والتركيز على شق المعاملات، والعبادات باعتبارها “حريات شخصية” للأفراد، وليست نمط حياة للمجتمع ككل.
الاحـتـقـان!
ورغم أن المجتمعات المسلمة لها طرقها الخاصة في التعبير عن قناعاتها الدينية، والتمسك بقيمها في الحياة اليومية، ومنها ما هو متعارض جزئيا أو كليا عن كثير من القيم الدينية الصحيحة نفسها، فيما يُعبَّـر عنه بالدين الشعبي العام، الذي يسمح بكثير من التجاوز أو تعطيل لمفاهيم دينية أساسية دون الشعور بأدنى ذنب، إلا أن مجرد وجود قوة خارجية غير مسلمة تسمح لنفسها بالحديث السلبي عن الإسلام وعن النبي محمد، وتؤكد سعيها إلى تغيير المفاهيم الدينية الإسلامية، ما يمثل دافعا لدى الغالبية العامة من المسلمين إلى التحدي، والى إبراز التمسك بالرموز الدينية الإسلامية من جمعيات وأحزاب وشخصيات على نحو ظاهر.
ولعل الحالتين، الباكستانية والمغربية، تفصحان عن هذا المضمون خير تعبير، مع قدر أعلى من الخصوصية في الحالة الباكستانية، نظرا للوجود الأمريكي المباشر على الأرض الباكستانية، وكون باكستان منصة للحرب ضد طالبان، التي تمثل بالنسبة لكثير من الباكستانيين التقليديين في المناطق الحدودية مع أفغانستان نموذجا للحكم الإسلامي.
أما الحالة التركية، ورغم إمكانية القول أنها تأثرت بمناخ المواجهة الذي تعيشه المجتمعات المسلمة، إلا أن طابعها الخاص ينصرف أيضا إلى أمرين. أولهما، الخطاب التجديدي الذي حمله حزب العدالة والتنمية، والذي تضمن مفردات وتوجهات يجمع عليها الأتراك بصفة عامة، كالحرص على عضوية الاتحاد الأوروبي، والتمسك بالعلمانية كأساس للحكم، وبالدور الجوهري الذي يمارسه الجيش في الحياة السياسية، دون أدنى رغبة في المواجهة معه، وبضرورة الإصلاح الاقتصادي وفقا لوصفة صندوق النقد الدولي مع مراعاة الواقع التركي، وغير ذلك من المفردات.
أما الأمر الثاني، فينصرف إلى إفلاس الطبقة السياسية التقليدية التي استحوذت على الحكم طوال العقد الماضي، ولم تفلح في حلحلة الوضع الاقتصادي، أو مواجهة المشكلات التي يعانى منها غالبية الشعب التركي. وهكذا اجتمع الخاص التركي مع العام الإسلامي في بلورة قوة دفع لإقصاء التقليديين ووضع الإسلاميين التجديديين على قمة السلم السياسي.
الجذور الإسلامية
إن اختلاف التجارب، والأسباب التي حملت قوى سياسية إسلامية إلى داخل البرلمانات الوطنية في البلدان الأربعة، باكستان والمغرب والبحرين وتركيا، وهي شرعية قانونيا وفقا للمقاييس المعمول بها في بلدانها، يُجسِّد تجذّر هذه القوى في مجتمعاتها، ويؤكد أن هناك من يقتنع ببرامجها السياسية ذات النكهة الدينية، ويعمل على أن تكون ذات طابع ملزم للمجتمع بأسره عبر الوسائل السلمية المتمثلة في العملية الانتخابية وتوجيه العملية التشريعية نفسها.
والبارز هنا، أن سطوة الحملة الدولية-الأمريكية على الإسلام الملتزم لدى العامة، أو الأصولية المتطرفة منه لدى الخاصة، والتي ترافقها حملات شديدة على الجمعيات والأحزاب الإسلامية الوطنية تقودها قوى سياسية محلية ليبرالية أو علمانية أو مناهضة لكل ما هو ديني، لم تفلح في تغيير حقيقة أن الإسلاميين هم جزء من نسيج المجتمع في البلدان المسلمة.
ويعتقد البعض أن التعايش مع الإسلاميين واستقطابهم إلى صلب العملية السياسية الشرعية، وإفساح المجال أمام تطورهم الذاتي سلميا مسألة أساسية في تثبيت الديموقراطية والتعددية، وتطور المجتمعات المسلمة نفسها، ولربما جاز القول، ولصالح الأمن والسلم العالمي أيضا.
إنها رسالة عكسية جاءت من المجتمعات المسلمة، وِجهَـتُـها الأولى العالم الغربي، وخاصة الولايات المتحدة متزعمة الحرب العالمية على الإرهاب.
د. حسن أبوطالب – القاهرة (الجزء الثاني والأخير)
الإسلاميون والديموقراطية: معادلة ما فتئت منذ عشرات السنين تثير جدلا حادا على الصعيدين السياسي والثقافي في الدول العربية والإسلامية. وقد انتقل هذا الجدل إلى الغرب، وازداد حدة منذ أحداث 11 سبتمبر. لكن الانتخابات التي جرت مؤخرا في اربع دول مسلمة أظهرت أن هناك مجالا لتعايش سلمي بين الإسلام السياسي والديموقراطية…
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.