الإصلاح اليمني: الحرس القديم يُـعزِّز مَـواقعه
أنهى حزب التجمّـع اليمني للإصلاح أشغال مؤتمره الرابع في صنعاء بتكريس هيمنة القِـيادة التقليدية، على الرّغم من التوقّـعات التي سبِـقت المؤتمر بأن يُـسفِـر عن مُـفاجآت هامّـة تعكِـس نُـضج الحركة الإسلامية وتكيُّـفها مع المُـعطيات الجديدة.
وهي معطيات أفرزتها جُـملة من التحدِّيات، الخارجية والداخلية، المطروحة على هذا الحزب الذي يُـعدُّ أهمّ تنظيمٍ سياسيٍ للحركة الإسلامية في اليمن.
فعلى ضوء العديد من التحدّيات المطروحة على حزب التجمّـع اليمَـني للإصلاح، ومنها تَـداعِـيات تفجيرات 11 سبتمبر 2001 وما ترتَّـب عنها من تعبِـئة دولية لمُـكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، ظهر الحزب منذ ذلك الحين أكثر براغماتية في طرح المسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة، وذهب إلى أبعَـد من ذلك بتكتُّـله في إطار اللِّـقاء المشترك، خاصة بعد اتِّـساع شقة الخِـلاف مع حليفه التقليدي، المؤتمر الشعبي العام منذ عام 2001، الأمر الذي جعله يضخُّ خِـطابا حقوقيا ومدنيا وديمقراطيا غير مسبوق، في وقت ينطلِـق الكثير من أعضائه من فهم خاصٍّ بهم لتلك الحقوق توافق فهمهم للإسلام، كما يتبدى من خلال خطب وسِـجالات رجال هذا الحزب، وخاصة منهم أئِـمّـة المساجد والوِعاظ، وبعض رموز من رجال القبائل.
لكن مع كل ذلك، فقد برزت وجُـوه وعلّـت أصوات من داخل الحزب، تطالب بالدّمقرطة والتحديث خلال الفترة الماضية، وبدت في أبهى صُـورها خلال الانتخابات الرئاسية والمحلية، التي جرت في 20 سبتمبر من العام الماضي، مما حمَّـل الكثير من الأوساط والمُـراقبين على الاعتِـقاد أن هذا التجمّـع بصدَدِ تدشِـين مرحلة سياسية جديدة بلون إسلامي جديد، إلا أن الحرس القديم داخل الحزب عزَّز مَـواقِـعه بقوة داخل قيادة هذا الحزب، الذي يُـعد أكبر الأحزاب، ذات التوجّـه الدّيني والقوى السياسية الرئيسية للمعارضة في البلاد.
التلون المتعدد هو الهاجس المسيطر
ويتعايش داخل الإصلاح خلِـيط من الإسلام السياسي الحديث مُـتفاوتا في فهمه لتدبير الشأن السياسي من منظور إسلامي، ينتمي بعضه لحركة الإخوان المسلمين والبعض الآخر للحركة السلفية الوهابية، إلى جانب إسلام تقليدي وزعامات قبَـلية مُـؤثرة في الحياة السياسية اليَـمنية.
وفي إطار هذه التلوُّن المتعدد، ظلّ الهاجِـس المُـسيطر على اللاّعبين الرئيسيين داخل الحزب، هو كيفية التحكُّـم في تماسُـك الحزب وتحديد مسارِه، بما يضمَـن استمرار هيمّـنة النُّـخب التقليدية داخله من جهة، ويضمن تأمِـين موقع مؤثّـر في الخارطة السياسية، بغضِّ النظر عمّـا إذا كان ذلك يتَّـفِـق مع الديمقراطية أم لا، وهو ما تأكّـد جلِـيا في المؤتمر الرابع للحزب، الذي أعاده إلى مربّـع الحرس القديم، رغم المؤشِّـرات التي ظلّـت طِـيلة الفترة الماضية تُـنبِّـئ بتحوّلٍ جديدٍ لهذا الحزب، خاصّـة مع الزّخْـم الذي اكتَـسبه كفاعِـل أساسي في قِـوى المعارضة طيلة الخمس السنوات الماضية، لكن حصيلة المؤتمر جاءت مُـخيِّـبة لآمال الكثيرين.
فقد أعِـيد انتخاب رئيس هيئته العليا الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر للمرة الرابعة، وبمخالفة صريحة لمُـقتضيات النِّـظام الداخلي للحزب، الذي يؤكِّـد على عدّم جَـواز شُـغل أيِّ موقع من المواقع القيادية العليا لأكثر من ثلاث مرات، وعلى الرغم من شكلِـية هذا التحديد، إلا أنه لم يُـحتَـرم من قِـبل واضعيه، علاوة على ذلك، فقد تعزّزت مواقِـع الحرس القديم لرجال الحزب وبثقل أقوى من ذي قبل.
هيمنة النخبة التقليدية
نبيل الصوفي، المحلل السياسي والعُـضو السابق في التجمُّـع اليمَـني للإصلاح في تعليقه على نتائج المؤتمر قال لسويس انفو: “حصيلة هذا المؤتمر الذي عُـوِّل عليه أن يُـحدِث تحوّلا في مسيرة هذا الحزب، أكّـد لنا أن الأحزاب السياسية اليمَـنية لم تُـحسِـم بعدُ علاقتها بالمسألة الديمقراطية. ففي حين أن هذه الأحزاب ترفَـع مطالب الدمقرطة، نجدها تُـجانبها في كثير من مُـمارساتها الداخلية”.
والملفت للانتباه، يستطرد الصوفي، أن “مؤتمر التجمّـع اليمَـني للإصلاح أعاد توزيع مراكِـز القوى داخل الحزب، بما يُـعزِّز الحضور التنظيمي القوي على حِـساب الحُـضور الجماهيري”.
فقد عادت القوى، التي كانت مُـهيمنة داخل أطُـر التجمع في عام 1997 فيما القاعدة الشبابية للإصلاح، والتي لها مطالبها الخاصة في التغيير والتحوُّل، لم تستطع أن تعكِـس وزنها الحقيقي وتطلُّـعاتها، وكذلك المرأة لم تنَـل في مجلس الشورى سوى 13 مقعدا من إجمالي 130 مقعدا، فيما استمرّت الهيمنة التقليدية لنُـخبة المؤسِّـسين، التي استعادت مواقِـعها، وهذا سيُـعطي الأولوية للمسألة التنظيمية على عكْـس الرِّهانات التي ذهبت إلى أن يكُـون المؤتمر محطّـة مهمّـة في تحوّل انفتاح الحزب على المسألة الديمقراطية والحقوقية والمطلبية للقواعد، وعلى المرأة التي تواجه نكران وجحود لحقوقها من قبل قيادة الصفوف الأولى في الحزب، التي استعادت موقعها بقوة داخل الهيئات الحزبية.
ويرى الصوفي أن المُـؤسِّـسيين عزّزوا قّـبضّـتهم على مفاصِـل الحزب من خلال التربية والتحكّـم التنظيمي، اللذان يفضيان إلى هيمنة فاعلين حزبيين، يأتوا امتدادا للمؤسسين بواسطة الرقابة التنظيمية الصارمة أو ما يُـسمّـى بتشكيل النُّـخبة الحزبية عن طريق الغربلة الانتقائية لتحديد لون مجلس الشورى، الذي يُـعزز حظوظ المُـهيمنين التقليديين، مشيرا في هذا الصدد إلى أنه من بين أعضاء مجلس شورى الحزب (اللجنة المركزية) الـ 130، تُـحدد قائمة تضُـم 100 عضو يتمّ توزيعها وفق اتِّـفاق مُـسبق بين القيادات الحزبية بمختلف توجُّـهاتها وبحسب رُؤيتها لمستقبل التنظيم واحتياجاته وتوسُّـعه الجغرافي، وتتولّـى رئاسة المؤتمر تمريرها على المَـوثوقين المُـؤثِّـرين من الـ 4000 مندوب للمؤتمر العام، للتوافق عليها مُـسبقا، وحسمها بعيدا عن التَّـنافس الانتخابي، ولا يُـطرح للتنافس سوى الـ 30 عضو المتبقيين، وهذه الطريقة متعارف عليها في كل دورة انتخابية من دورات المؤتمرات العامة للإصلاح.
تغييب الخيار الديمقراطي
المتابعون لفعاليات المؤتمر لا يرون فقط في الطريقة التي خرج بها المؤتمر الرابع للحزب مجرّد تغييب للخِـيار الديمقراطي، بل يذهبون إلى قراءتها من منظور الظاهرة الحزبية، كما تكرّست في الواقع اليمني، حيث الصُّـورة المرسَّـخة للتَّـجربة الحزبية أكّـدت دائما أن الحزب السياسي لا يستمِـد تأثيره من النُّـضج السياسي الوطني في التَّـعاطي مع المُـمارسة الحزبية والانخراط فيها بتفاعل القوى الاجتماعية مع مصالحها، وبالتالي، يكتسِـب مشروعيته من دَعم تلك القِـوى الاجتماعية، وإنما يستمِـدُّ تأثيره وفاعليته بالبحث عن زعامات اجتماعية أو سياسية مؤثِّـرة تُـمكِّـنه من مدّ سيطرته ونفوذه على المجتمع بأسره، وهذا هو حال كل الأحزاب السياسية اليمنية، التي باتت تحتَـمي بالقبيلة أو المنطقة والجِـهة وبنفوذها أو بالسلطة ومؤسستها العسكرية، بُـغية ضمانِ استمرار هيْـمنة نُـخبها، وهذا يكادُ ينسحِـب على كل الأحزاب السياسية اليمنية، ولا يشذ عن ذلك التجمع اليمني للإصلاح.
فالحزب في التجربة اليمنية، سواء كان ذات توجه ديني أو قومي أو وطني أو اشتراكي، لابد أن يستنِـد إلى دعامة، إما اجتماعية كرمُـوز قبلية نافذة أو إلى دعامة سُـلطوية سياسية، والتجربة أثبتت أن الحِـزب كلما ابتعد عن السلطة وعن مغانِـمها، ضَـعُـف وتراجَـع دوره، طالما أنه يظل مجرّد ظاهرة نُـخبوية منبتة عن المحيط المجتمعي العريض، مما يدفعه إلى ابتداع وسائله الخاصة للمحافظة على تسلّـط النُّـخب المؤسِّـسة، كاستحقاق تاريخي أو نضالي أو ديني.
على ضوء هذه الصورة التي كرّستها التّـجربة السياسية اليَـمنية، ويشهد عليها غِـياب الديمقراطية الحقيقية داخل الأحزاب السياسية، لا يستبعِـد المراقبون أن يكون تعزيز مواقع الحَـرس القديم داخل التجمُّـع اليمني وحيلولته دون تمكِـين القاعدة العريضة من تحقيق مطامِـحها، يندرج ضِـمن تلك الجَـدلية الهادفة إلى تكيُّـف الحزب مع ما يُـعيد له حظوظه في مواقع السلطة ومغانِـمها، التي خسِـر بالابتعاد عنها الكثير، آخرها نكسَـته الكبيرة في الانتخابات المحلية الأخيرة.
على هذا الأساس، يبقى السؤال المطروح هو: هل عودة تمَـترس المؤسسيين للتجمُّـع اليمني للإصلاح في الصفوف القيادية الأولى هو مجرّد أعمال للمقاربة التنظيمية أم أنه استعداد لتحالفات سياسية جديدة؟
يبدو من السابق لأوانه التكهُّـن بما يَـرمي إليه قِـياديو الإصلاح، وعموما كل شيء وراد والمسألة مسألة وقت.
عبد الكريم سلام – صنعاء
انتخب مجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح أعضاء الهيئة العليا للحزب. وأسفرت النتائج عن القائمة التالية:
الشيخ عبدالمجيد الزنداني 84 صوت
ياسين عبدالعزيز 82 صوت
أحمد القميري 82 صوت
محمد حسن دماج 62 صوت
محمد قحطان 62 صوت
علي العواضي 58 صوت
حميد الأحمر 57 صوت
حمود هاشم 56 صوت
غالب الأجدع 52 صوت
محفوظ شماخ 52 صوت
إلى ذلك أدى عبدالوهاب الآنسي، أمين عام التجمع اليمني للإصلاح الجديد اليمين التنظيمية أمام الهيئة العليا لإستلام مهامه. ومن المقرر أن يقدم الآنسي أسماء مسئولي الدوائر في الأمانة العامة والمكاتب التنفيذية في المحافظات خلال الفترة القادمة.
(المصدر: موقع الصحوة.نت اليمني بتاريخ 28 فبراير 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.