الإعلام الحر حليف في الحرب على الفقر
أصدر البنك الدولي كتابا جديدا يؤكد أن الإعلام الحر والمستقل عامل مساعد على تراجع معدلات الفقر ومحفز للتنمية الإقتصادية.
ويتضمن الكتاب 19 دراسة ومقالة لخبراء دوليين تؤكد خلاصاتها أهمية الإعلام الحر في تحسين الأداء اٌلإقتصادي وممارسة السلطة.
“حق الإخبار: دور وسائل الإعلام في التنمية الإقتصادية” هذا هو عنوان كتاب جديد أصدره البنك الدولي يوم 7 نوفمبر 2002 أكد فيه – من خلال نتائج أبحاث علمية – متانة الإرتباط بين حرية الإعلام والقدرة على الوصول إلى مصادر المعلومات وبين مكافحة الفقر وتعزيز التنمية الإقتصادية.
وعلى الرغم من أن الكتاب يعتبر خلاصة لجهود علمية وبحثية لا تمثل وجهة النظر الرسمية للبنك الدولي، إلا أنه مؤشر إضافي هام عن تنامي الوعي العام بارتباط الحريات الإعلامية بنتائج العملية التنموية في البلدان السائرة في طريق النمو.
ولكن ما الذي يدفع مؤسسة بحجم وأهمية البنك الدولي إلى تكليف نخبة من الباحثين والخبراء ورجال الإعلام في العالم بإعداد دراسات ومقالات حول “الإعلام الحر المستقل” وتمويل نشرها في كتاب يتوصل معظم المشاركين في تحريره إلى خلاصات تؤكد “أن الصحافة الحرة تشكل وسيلة لمكافحة الفقر وتعزيز التنمية الإقتصادية في البلدان الفقيرة”؟
بل يبدو من المثير للإستغراب اهتمام إحدى مؤسسات بريتن وودز الرئيسية التي تدير عمليا – من خلال برامجها الإصلاحية وتوصياتها وقروضها – مجمل اقتصاديات العديد من الدول الفقيرة بقضية حرية وسائل الإعلام التي كانت إلى حد الآن حكرا على عدد من المنظمات غير الحكومية المختصة مثل منظمة “مراسلون بلا حدود” أو الشخصيات والهيئات السياسية والنقابية المعنية.
ويجيب أحد الذين ساهموا في الكتاب وهو مارك نيلسون – المراسل السابق لصحيفة وول ستريت جورنال وأحد الأساتذة العاملين في “معهد البنك الدولي” حاليا – في حديث خاص مع سويس إنفو: “إن اهتمام البنك الدولي بهذه الموضوع لا يعود إلى فترة طويلة لكن الجديد يتمثل في أننا تمكنا من القيام بأبحاث تتميز بقدر أكبر من الجدية حول هذه المواضيع” حسب قوله.
مزيد من الجدية
وعلى الرغم من أن الجواب عن هذه التساؤلات ليس مؤكدا في الوقت الحاضر على الأقل إلا أن الكتاب الذي جاء في تسعة عشر فصلا والذي قدم له رئيس البنك الدولي جيمس وولفنسون، اعتبره تيموتي بالدينغ المدير العام للمنظمة العالمية للصحف (مقرها باريس) “المساهمة الأكثر جدية وأهمية إلى حد الآن في مجال البحث والتحليل والتعليل للدور الإيجابي لصحافة حرة في النمو الإقتصادي وتراجع الفقر”.
ويذهب الخبير رومين إسلام الذي أشرف على إعداد الكتاب، إلى أن ما جاء فيه من تحاليل وما توصل إليه من استنتاجات يؤكد الأهمية الحاسمة للدور الذي تلعبه وسائل الإعلام الخاصة والعمومية في العملية الإقتصادية من خلال ما توفره (أو تحجبه) من معلومات وانتقادات ونقائص في المجالات السياسية والإقتصادية، كما يمكن أن يشكل إشارة قوية للحكومات وللوكالات الدولية أو الإقليمية العاملة في المجال التنموي بوجه خاص.
ومن الملفت في الكتاب أن العديد من النتائج التي تضمنها استندت إلى منطق علمي صارم تجاوز مجرد اجترار المقولات الشائعة التقليدية من قبيل التأكيد على أن “الحق في الوصول إلى المعلومات بحرية وفي التمتع بصحافة حرة” تعتبر من حقوق الإنسان الأساسية، ليصل إلى إقامة الدليل بشكل ملموس وعلمي على أن “الصحافة القوية والمستقلة والحرة حليف قوي للتطور الإجتماعي والنمو الإقتصادي ولتقليص الفقر” على حد قول السيد بالدينغ.
ويحتوي الكتاب على عدة مقالات وأبحاث أعدها خبراء مستقلون (مثل جوزيف ستيغليتر الحائز على جائزة نوبل للإقتصاد) وكتّـاب مرموقون (مثل غابريال غارسيا ماركيز الروائي الكولومبي الحائز على جائزة نوبل للآداب) وصحافيون من بلدان متعددة من ضمنها مصر وبنغلاديش وتايلاندا والزيمبابوي، وبعض جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابقة.
ليست ترفا!
وقد اعتبر نيلسون في مقال مشترك أعده مع زميله السابق في صحيفة وول ستريت جورنال تيموثي كارينغتون أن “الإعلام يحظى باعتراف متزايد في الدول الفقيرة باعتباره “سلعة إنمائية” قادرة على المساهمة في تحسين المساءلة الحكومية ورفع كفاءة الأسواق وإثراء المجتمعات بالمعلومات” وهو أحد المعاني التي تكررت أكثر من مرة في أبحاث الكتاب.
ويبدو أن الحجم الهائل من التجربة الميدانية التي تراكمت طيلة العشريات الماضية لدى خبراء البنك الدولي من خلال اتصالاتهم العديدة مع المسؤولين السياسيين والإقتصاديين في كل بلدان العالم أقنعهم في نهاية المطاف بأن “الصحافة الحرة ليست ترفا للدول الغنية بل هي أساس جوهري لتنمية عادلة تقوم على تعميق الشفافية وتلبية حاجات المحرومين” مثلما يقول رئيس البنك الدولي جيمس وولفنسون نفسه في تقديم الكتاب.
من جهة أخرى تميزت بعض الدراسات المنشورة في الكتاب بقدر كبير من الواقعية حيث لاحظ رومين إسلام محرر الكتاب ومدير “معهد البنك الدولي” في واشنطن أن الخطوات المطلوبة لخلق وصيانة الإعلام الحر والمستقل الذي يستطيع تعزيز الأداء الإقتصادي الأفضل مسألة “تقلق جميع الدول الغنية منها والفقيرة” على حد السواء.
آليات جديدة
ومع تنامي حرص مؤسسات النقد الدولي والجهات المانحة عموما على التأكد من جودة أداء الحكومات وتعزيز ما أصبح يعرف بالحكم الجيد “Good governance” أكد جوزيف ستيغليتر الحائز على جائزة نوبل للإقتصاد على ضرورة اعتماد الشفافية في الحكم مضيفا بأن وسائل الإعلام ضرورية في تعزيز الحكم الجيد، بما تتيحه من إمكانية كشف الحقائق ورصد السلبيات بشكل مبكر وتقديم صورة أقرب ما تكون للواقع عن الإختلالات القائمة في المجالات الصناعية والتجارية والإقتصادية عموما.
وقال في مداخلته المنشورة في الكتاب “إن تحسن مستوى المعلومات والنظم التي تتحكم – السلطة الحكومية – في توزيعها يمكن أن يخفف من مدى سوء استخدامها في الأسواق وفي العمليات السياسية. والعديد من القرارات المتخذة في المجال السياسي لها نتائج اقتصادية. كذلك فان توزيع المعلومات بتوقيت أفضل ينتج عنه تقسيم أفضل وفعال للموارد” حسب رأيه.
وتأكيدا لذلك تحدث مارك نيلسون لسويس إنفو عن قيام خبراء البنك الدولي بتطوير آليات جديدة من أجل إقناع الحكومات والسياسيين وصانعي القرار في شتى أنحاء العالم بأن إعلاما حرا ومفتوحا شيء يحتاجونه من أجل إنجاح الإصلاحات الإقتصادية.
مسار شاق .. وطويل
وبالرغم من أن الآرتباط القائم بين السياسة والإقتصاد ليس اكتشافا جديدا أو خارقا للعادة، إلا أن اقتناع مؤسسة محورية مثل البنك الدولي بوجود علاقة متينة بين حرية الصحافة وقوة وسائل الإعلام المستقلة في بلد ما وبين نجاح العملية التنموية وتراجع الفقر في صفوف سكانه قد يساعد على تسريع العملية والتحاق العديد من الدول “المتلكئة” بالقناعات الجديدة.
وفيما يعترف مارك نيلسون في حديثه لسويس إنفو بأن الدول الديكتاتورية أو القمعية لن تتقبل بسهولة توصيات البنك الدولي المتعلقة بتوسيع مجال الحريات الإعلامية والشفافية المعلوماتية، يدعو لاري كيلمان مدير الإعلام في الجمعية العالمية للصحف إلى عدم الإفراط في التفاؤل أو السذاجة.
ومع تأكيده على أن المسار سيكون طويلا وشاقا إلا أن الأهم برأيه سيتمثل في إقدام الوكالات الدولية المعنية بالمسائل التنموية على إدماج هذا البعد في توصياتها ونشاطاتها مع البلدان التي لا زالت متخلفة في هذا المجال. أما العامل الحاسم في توسيع رقعة الحريات الإعلامية سيتمثل في الضغط الذي يمارسه الرأي العام في كل بلد لأنه “إذا رغب الناس وتحركوا من أجل اقتصاد أكثر شفافية ونجاعة إذن يجب عليهم أن يكافحوا من اجل حرية أولئك الذين ينشرون المعلومات” مثلما يقول مدير “معهد البنك الدولي” رومين إسلام.
كمال الضيف – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.