الإعلام السويسري والحرب ضد العراق
إذا كانت قناة الجزيرة ترمز إلى ضحايا الحرب العراقية، وقناة CNN إلى القوات الأمريكية فأين يقف الأعلام السويسري في تغطيته للحدث بينهما؟
سويس إنفو طرحت هذا السؤال على عددٍ من العاملين في مجال الأعلام المرئي والمسموع والمكتوب وخرجت بهذه الحصيلة.
“لا أظن انك تستطيع أن تكون محايدا في تغطيتك للحرب على العراق. لكنك بالتأكيد تستطيع أن تكون موضوعيا، وهناك فرق بين الأمرين”! لا ينفرد روبرتو أنتونيني المسؤول الإعلامي في الإذاعة السويسرية الناطقة بالإيطالية بهذا الرأي.
إذ يبدو أن نسبة مهمة من العاملين في مجال الإعلام السويسري تشاطره هذا الموقف. هذا على الأقل ما أظهرته الأحاديث التي أجرتها سويس إنفو مع عدد منهم عن أسلوب تغطيتهم لحرب الخليج الثالثة.
لكن ألا يبدو الحديث عن الموضوعية في غياب الحياد ضربا من المغالطة؟ ليس الأمر كذلك بالنسبة لهم.
يوضح السيد روبرتو أنتونيني رأيه بالقول:”باستطاعتنا أن نأخذ جانبا معينا، وفي هذه الحرب فإننا نقف في صف حقوق الإنسان والقانون الدولي؛ في الوقت ذاته، علينا أن نغطي الوقائع كما تحدث في الواقع، بغض النظر عن كيفية شعورنا تجاهها”.
من أين جاءك هذا الخبر؟
لا تقف الموضوعية، بالنسبة لباتريك شابوديه محرر الشؤون الدولية بإذاعة سويسرا الناطقة باللغة الفرنسية، عند هذا الحد. بل يزيد على ذلك بضرورة توخي قواعد صارمة خاصة بمصادر المعلومات التي يتم استخدامها.
فالقاعدة الأساسية التي تلتزم بها إذاعته تحرص على وجود عدة مصادر للمعلومات التي تُذاع (مراسلون في موقع الحدث، ووكالات أنباء، وشبكات إعلامية عالمية..الخ)، والتعامل معها بحذر، وإبلاغ المستمع أيضا بالجهة التي أطلقت الخبر في حالات التضارب.
يضرب لنا مثلاً قائلا:”ظهرت قبل عدة أيام من اندلاع الحرب إشاعة تفيد بانشقاق طارق عزيز عن النظام العراقي وفراره من البلاد. عندما حصلنا على هذه المعلومة راودتنا الشكوك حولها، وانتظرنا في البداية تأكيدا من وكالات الأنباء، ولأن ذلك لم يحدث، أتصلنا بمراسلنا في كردستان (شمال العراق) الذي لم يسمع عنها شيئا. وحينها قررنا أن لا نذيع الخبر”.
على حافة بين الجانبين!
بليندا سالين مديرة برنامج “مجلة الأحداث”( Rundschau) الأسبوعي، الذي تبثه قناة التلفزيون السويسرية الناطقة بالألمانية، كانت الوحيدة، بين من تحدثت إليهم سويس إنفو، التي أصرت على أن برنامجها يأخذ موقفا حياديا من الحرب.
هي تقر بصعوبة الحياد قائلة:”طبعا هذا أمر صعب، فما الذي تعنيه كلمة محايد؟ عندما نُظهر صورا لمدنيين مجروحين أو مقتولين فإنها لا محالة ستثير مشاعر قوية. هذه الصور ليست محايدة”.
و تؤكد في المقابل على أن موضوعية برنامجها تعتمد أساساً على إظهار الحدث من زوايا متعددة، والتعريف بمواقف الجانبين الأمريكي والبريطاني من جهة، والعراقي من جهة أخرى.
وقدمت مثالاً على ذلك قائلة:”في حلقة الأسبوع الماضي (2 أبريل) اتخذنا من التغطية الإعلامية للحرب موضوعا لنا. اخترنا أربع محطات تلفزيونية، هي CBS الأمريكية وBBC وقناة الجزيرة والقناة العراقية، وقارنا بين طرق تقديمها للخبر. وأظهرنا أنه في بعض الأحيان يتم التعرض إلى ذات الحدث بصورة مغايرة تماما”.
هذا لا يعني أنهم مع العراق!
هذا السعي إلى إظهار المواقف المتباينة للأطراف المتناحرة في الصراع الدائر يدلل على عنصر هام يبدو من الضروري إبرازه: عندما يؤكد معظم من حاورتهم سويس إنفو على أن وسائل الأعلام السويسرية تقف موقفا مضاداً للحرب، فإن هذا لا يعني أنهم يؤيدون العراق!
نيكولاس فردان محرر الشؤون الدولية بصحفيةheures 24 السويسرية الناطقة بالفرنسية كان اكثر من عبر عن هذا الرأي دون لبس عندما قال:”هذا لا يعني أنهم يقفون في صف العراقيين. إنه يعني فقط اقتناعهم بأن الحرب الدائرة غير قانونية أو شرعية، وأنه كان يجب أن يتاح لمفتشي الأسلحة الوقت الكافي للقيام بمهامهم، وأن أهداف إدارة الرئيس بوش من شن الحرب تظل محل تساؤل”.
كما لا يعني أن آراؤهم لا تختلف ..
كما أن إظهار الحدث من زوايا متعددة، والموضوعية في طرحه، لا يعني أن العاملين في وسائل الأعلام السويسرية يقفون موقفا موحدا ومنسجما ضد الحرب، بل إن اختلاف مواقفهم ضروري لتعدد الطرح.
كريستوف بلات المراسل الدولي لصحيفة NZZ الأسبوعية الناطقة باللغة الألمانية أوضح ذلك بالقول:”توجد وجهات نظر متعددة في صحيفتنا في نسختيها اليومية والأسبوعية. فهناك المحرر الذي يساند الحرب وأخر يرفضها تماما. أو المراسل المؤيد ونظيره الذي يتخذ موقفا معارضا أو متحفظا عليها”.
يأخذ باتريك شابوديه محرر الشؤون الدولية بإذاعة سويسرا الروماندية خطوة ابعد عندما يحلل تأثير ذلك الاختلاف في وجهات النظر على أسلوب الطرح.
إذ يقول:”معظم العاملين لدينا هم ضد الحرب، إذ يعتبرونها غير قانونية. لكن لدينا أصوات قوية، من بينها رئيس التحرير، الذين هم على اقتناع بالموقف الأمريكي. وما فعلناه هو أننا أتحنا الفرصة لتلك الأصوات المتباينة في التعبير عن موقفها في افتتاحية الساعة السابعة صباحا؛ فبعضها كان رافضا بقوة للحرب ضد العراق، والبعض الأخر مؤيد لاستخدام مبدأ الضربة الوقائية”.
بين قناة الجزيرة و شبكة CNN الأمريكية!
في ضوء ما سبق كيف تبدو الإجابة على السؤال:”إذا كانت قناة الجزيرة ترمز إلى ضحايا الحرب على العراق، وقناة CNN إلى القوات الأمريكية فأين يقف الأعلام السويسري في تغطيته للحدث بينهما؟
كانت الإجابة هنا متطابقة لدى الجميع: هي تقف موقفا وسطا بين القناتين وإلى مدى يشبه إلى حد ما شبكة BCC الإخبارية البريطانية.
عبر عن ذلك بصورة لبقة روبرتو أنتونيني المسؤول الإعلامي في الإذاعة السويسرية الناطقة بالإيطالية عندما قال:”من الصعب أن نقول أي تغطية هي الأفضل. لكننا نحاول أن نكون CNN- الجزيرة في آن واحد معاً. ربما هي مبالغة، لكني أعتقد أننا نحاول أن نركز أكثر من CNN على ضحايا الحرب، وأكثر من الجزيرة على إستراتيجية الحرب والطريقة التي يراها بها الأمريكيون”.
إلهام مانع – سويس إنفو
وسائل الأعلام السويسرية في تغطيتها للحرب:
تحرص على تنويع مصادر الخبر الذي تقدمه.
بعضها يعتمد على مراسلين لها في موقع الحدث،
والبعض الأخر تجنب ذلك لأسباب أمنية أو مالية.
غرفة الأخبار فيها لا تخلو من قناة الجزيرة وCNN وBBC.
باستثناء برنامج Rundschau، أعتبر محاورو سويس إنفو أنهم منحازون ضد الحرب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.