الإمارات تتراجع عن شراء المدرعات السويسرية
لن تتم في نهاية المطاف صفقةُ تصدير 180 دبابة مصفحة سويسرية من طراز M113 إلى الإمارات العربية المتحدة التي كانت ستقدمها لاحقا هدية للعراق.
فبعدما كلت من انتظار موافقة الحكومة الفدرالية على تنفيذ الصفقة، قررت أبو ظبي التخلي عن شراء المدرعات مبررة ذلك بأن الحاجة إلى تلك المعدات كانت ملحة ولا تحتمل المزيد من الإرجاء.
أكدت كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية وشركة “رواغ” السويسرية للصناعات العسكرية صباح الأربعاء 5 أكتوبر الجاري الخبر الذي نشرته يومية “بليك” الواسعة الانتشار، والذي مفاده أن الإمارات العربية المتحدة تخلت عن شراء 180 دبابة مصفحة سويسرية من طراز M113 كانت ستُسلمها هدية للعراق.
برونو فرانجي، المتحدث باسم شركة “رواغ” التي تمتلكها الكنفدرالية، أشار في تصريح لوكالة الأنباء السويسرية إلى أن الإمارات العربية المتحدة بررت قرارها بالحاجة الملحة لاقتناء تلك المعدات الحربية وبعدم تحملها للمزيد من الانتظار لتسلمها.
من جهته، أوضح المتحدث باسم كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية أنتي بيرتشي أن سلطات أبو ظبي أبلغت برن الأسبوع الماضي بتخليها عن الصفقة.
وقد رحبت مجموعة “من أجل سويسرا بدون جيش” بفشل الصفقة معربة عن أملها أن يتصاعد الضغط السياسي لإلغاء الصفقات الثلاث الأخرى “غير المسؤولة” -على حد تعبيرها- التي أذنت بها الحكومة الفدرالية في نهاية يونيو الماضي، والتي تعني كلا من باكستان والهند وكوريا الجنوبية.
كما دعت المجموعة إلى تعزيز القانون الفدرالي حول تصدير العتاد الحربي. وجاء في البيان الصادر عنها أن “المعايير التي يحددها نص القانون الحالي تفتقر بوضوح للصرامة الكافية”، وأن “العتاد الحربي القديم يجب أن يُُدمر بدل أن يُرسل إلى مناطق الأزمات”.
انتقادات
وكانت الإمارات العربية المتحدة قد أعلنت عزمها شراء مصفحات نقل الوحدات العسكرية المائة والثمانين مقابل 12 مليون فرنك وإهداءها لاحقا للعراق. وتمت الموافقة على الصفقة في مرحلة أولى من طرف الحكومة الفدرالية.
وفي نهاية يونيو الماضي، أعرب وزير الاقتصاد السويسري جوزيف دايس عن اعتقاده أنه من مصلحة سويسرا أيضا عودة الاستقرار إلى العراق في أسرع الآجال. وشدد في هذا السياق على ضرورة توفر قوات الأمن العراقية على الإمكانيات الكفيلة بضمان حمايتها، مذكرا بأن الأمم المتحدة طالبت كافة أعضاءها بدعم سلطات بغداد في هذا المجال.
وقد كانت موافقة برن على إتمام الصفقة قد أثارت انتقادات حادة في سويسرا خاصة فيما يتعلق بمسألة الحياد. وما زاد الطين بلة ظهور شكوك حول الاستعمال الحقيقي للمدرعات بعد وصولها إلى العراق. وقد تناقلت وسائل الإعلام بالفعل معلومات تفيد بأن الدبابات كانت ستُسلم للجيش العراقي وليس لقوات الشرطة مثلما اشترطت برن.
تجميد الصفقة
وفي نهاية أغسطس، قررت الحكومة الفدرالية تعليق ترخيص تصدير الدبابات المصفحة إلى حين الحصول على ضمانات من العراق تؤكد استخدامها للأغراض المتفق عليها. لكن بغداد لم تزود برن أبدا بشهادة المُُستخدم النهائي للمدرعات التي طالبت بها سويسرا.
وفضلا عن هذه القضية، مازالت الصفقات الثلاث الأخرى – مع باكستان والهند وكوريا الجنوبية- التي وافقت عليها الحكومة السويسرية في نهاية يونيو الماضي تثير جدلا سياسيا وإعلاميا واسعا في الكنفدرالية، خاصة وأن البلدان الثلاثة تواجه أزمات إقليمية لا يُستهان بها.
وفي خضم الجدل الدائر حول هذه الصفقات، كشف الوزير دايس في نهاية أغسطس عن صفقة أخرى مُخيبة لآمال برن. فقد علمت برن من وسائل إعلام أجنبية أن الإمارات العربية المتحدة التي اشترت في عام 2004 أربعين دبابة مصفحة من طراز M-109 سلمت تلك المدرعات للمغرب دون إبلاغ برن، في مخالفة لشهادة المستخدم النهائي الذي قدمته أبو ظبي للسلطات السويسرية.
أما فيما يخص باكستان، فقد تلقت كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية تصريحا ببيع 736 (كعدد أقصى) من مدرعات M 113 مقابل مبلغ يقدر بـ40 مليون فرنك. واشترطت برن أن تُستخدم الدبابات المصفحة في إطار عمليات الأمم المتحدة فقط. وأكد هذا الموقف يوم الأربعاء السيد أوتمار فايس الذي يرأس دائرة “مراقبة التصدير والعقوبات” في الكتابة.
من ناحيتها، ترى مجموعة “من أجل سويسرا بدون جيش” أن هنالك مؤشرات توحي بأن باكستان ستقتني الدبابات لتسليمها فيما بعد للعراق. وردا على هذه التخمينات، قال السيد فايس في تصريحاته لوكالة الأنباء السويسرية إنها مجرد “إشاعات”، مؤكدا أن دائرته ستبحث الملف مليا لدى التوصل بطلب التصدير.
“الحياد ليس معيارا قانونيا”
وفي تحليله لتأثير هذه الصفقات على مبدأ الحياد السويسري، أوضح في تصريح لسويس انفو البروفيسور كورت شبيلمان، الخبير المحنك في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، أن “الحياد السويسري لا يقوم بأي دور هنا (على مستوى صفقات الأسلحة) بما أنه ليس مدونا في الدستور أو في القانون وبما أنه لا يمثل معيارا قانونيا”.
واستطرد البروفيسور شبيلمان، المسؤول عن مكتب الأبحاث في سياسة الأمن في معهد زيورخ قائلا: “إن سويسرا هي التي فرضت على نفسها الحياد. مبدئيا، لا شيء يتعارض مع مشاركة سويسرا في عملية للأمم المتحدة”.
في المقابل، يعتقد الخبير في الشؤون الأمنية أن الجدل حول مبيعات الأسلحة والحياد السويسري مُجد وله ما يُبرره. وصرح بهذا الشأن “أعتقد أنه يتعين علينا التعود على إجراء النقاش ليس انطلاقا من حيادنا، بل يجب بالأحرى التحقق من أن ما نُُقدم عليه يتوافق مع القانون الأممي”.
الأخلاقيات.. أسطوانة أخرى
ومن وجهة نظر أخلاقية، يطرح تساؤل نفسه: هل لا تتجاوز سويسرا المحايدة، بصفتها الدولة المؤتمنة على معاهدات جنيف، الحدود المعقولة؟ يرد الخبير شبيلمان “إذا ما نظرنا إلى المسألة من وجهة نظر أخلاقية، يجب أن نتساءل بالفعل عن مصدر الأسلحة وبيعها وتحويلها”.
لكن المبادئ الأخلاقية، كما يُذَكِّر البروفيسور شبيلمان، لا تـُأخذ بعين الاعتبار في القانون الدولي “إلا في حال التطرق إليها بالفعل في وثيقة تُلزم الأطراف الموقعة”، مثلما هو الشأن بالنسبة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان.
سويس انفو مع الوكالات
في نهاية يونيو الماضي، وافقت الحكومة السويسرية، بناء على طلب وزير الاقتصاد جوزيف دايس، على بيع 180 دبابة مصفحة من طراز 113 مقابل 12 مليون فرنك للإمارات العربية المتحدة التي كانت ستقدمها هدية للعراق.
أثار القرار جدلا واسعا في سويسرا إذ تساءل السياسيون ووسائل الإعلام عن الاستخدام الحقيقي لتلك الدبابات لدى وصولها إلى العراق.
يوم 24 أغسطس الماضي، أعلنت الحكومة السويسرية عن تجميد الصفقة بعد أن أكدت كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية SECO عدم حصولها على الضمانات التي طالبت بها من قبل بعدم استخدام تلك الدبابات في عمليات عسكرية، بل فقط لاعانة الشرطة في حفظ الأمن والنظام.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.