الابتكار والتطوير: سلاح سويسرا الاقتصادي
كشفت دراسة معمقة قام بها المعهد التقني العالي في زيورخ أن الشركات السويسرية تحتل المرتبة الأولى أوربيا في مجال الابتكار والتطوير.
إلا أن الدراسة تضمنت أيضا توصيات محددة من أجل الحفاظ على مكانة سويسرا العلمية والاستفادة منها اقتصاديا.
تقف سويسرا على رأس الدول التي تضم شركات بارعة في تقديم الابتكارات العلمية والصناعية، وتتقدم في ذلك على دول كالسويد وفنلندا وألمانيا، كما تحتل المرتبة الثانية بعد السويد في الدول التي تحتوى على شركات تقدم دعما خاصا للبحث العلمي وجهود التطوير. في المقابل تتراجع إلى المرتبة الخامسة في ترتيب الشركات التي تعتمد في مبيعاتها على ما لديها من ابتكارات.
هذا ما أكدته نتيجة دراسة مرفوقة باستطلاع للرأي أعدتهما وحدة أبحاث التنمية الاقتصادية التابعة للمعهد التقني العالي في زيورخ، ويـأتي نشرها في وقت تزايد فيه
الحديث حول المخاوف من تراجع النمو الاقتصادي، وبالتزامن مع قلق من تأثير توسع الاتحاد الأوروبي على العلاقات التجارية مع سويسرا.
ويؤكد الخبراء على أن الابتكار والتطوير الدائمين يمثلان أهم الدعائم التي تساعد على النمو الاقتصادي، سواء من ناحية التعامل مع السوق الخارجية أو الاستهلاك المحلي، وعلى الرغم من صحة هذا الكلام إلا أن تحويله إلى حقيقة ملموسة في الواقع العملي يرتبط بعدة عوامل من أهمها توفر القوة الشرائية لدى المستهلك، حيث أنه لن يُقدم على اقتناء الكماليات طالما لم يتحقق له الشعور بالاستقرار الوظيفي.
دائـرة مُـحـكـمـة
ونتيجة لما شهدته الأوضاع الاقتصادية في التسعينيات من تراجع وما تبع ذلك من موجة بطالة عمت أوروبا بما في ذلك سويسرا، تقلصت القوى الشرائية إلى الحد الأدنى، واقتصر المستهلك على الضروريات، وساعد على هذا التوجه عدم الاستقرار في أسواق المال، بسبب تخوف المستثمرين من تقلب الأوضاع السياسية في العالم وتأثيرها المباشر على الاقتصاد.
وقد ألقت هذه العوامل مجتمعة بظلالها السلبية على ديناميكية الحركة وعلى العلاقة بين تطبيق الافكار الجديدة في مجالات التصنيع، المرتبطان بشكل مباشر أو غير مباشر بالتمويل.
لذلك، كان من الطبيعي أن ينعكس هذا على ميزانيات المشروعات التي تبحث عن الجديد والمبتكر لتصنيعه وتسويقه. فكلما تراجع المشترى خطوة، تراجعت تمويلات تصنيع الأفكار والمبتكرات الجديدة خطوات، ولا يبقى أمام تلك الشركات سوى طريقين، إما بيع أفكارها إلى الدول أو المناطق التي من الممكن أن تستفيد من تسويقها تجاريا، أو الانتظار حتى تنفرج الأزمة بشكل أو بـآخر.
قلاع علمية قوية تواجه التحديات
الدراسة التي قامت بها وحدة أبحاث التنمية الاقتصادية التابعة للمعهد التقني العالي في زيورخ، اعتمدت في نتائجها على معلومات حصلت عليها من 6500 شركة سويسرية بين صغيرة ومتوسطة تعمل في 28 مجالا مختلفا.
وتوصل البحاثة الذين أعدوا الدراسة إلى أن علاقة الشركات والمؤسسات بالابتكار والتطوير تنقسم إلى ثلاث مجموعات رئيسية. الأولى: معامل هدفها الأول البحث والابتكار وبيع أفكارها للتصنيع، أما الثانية فتعتمد في تصنيعها على الأفكار الجديدة التي يقدمها لها خبراؤها، فيما تعتمد الثالثة على تمويلات من تجار أو شركات تسويقية في سعيها بحثا عن الجديد والمتطور.
والشيء الايجابي الذي أوضحته الدراسة أن سويسرا هي الأولى من حيث عدد المؤسسات التي تضع الابتكار والتطوير على رأس اهتماماتها، وهذا ليس بغريب على بلد يضم أهم شركات صناعة الادوية والمواد الكيماوية، مع عدد لا يستهان به من المؤسسات المهتمة بالتقنية الاليكترونية الدقيقة والميكنة الثقيلة، إلى جانب قطاع صناعي متكامل يعتمد على كل ما هو جديد وحديث ألا وهو صناعة الساعات.
ويدعم تلك الشركات والمؤسسات وجود العمالة المؤهلة جيدا والعقول المدربة، وهم من خريجي المعاهد المتخصصة مثل المعهد العالي للتقنية في زيورخ ETHZ ونظيره في لوزان EPFL، ولكل منهما حضوره المتميز على الساحة الأكاديمية أوروبيا ودوليا، إلى جانب الجامعات والمعاهد التي لها نشاطات عملية تطبيقية متنوعة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان قسم الجيولوجيا في جامعة برن يتولى إعداد الخرائط اللازمة لشركات النفط البريطانية العاملة في سلطنة عمان.
توصيات بالغة الأهمية
وقد قدمت الدراسة خمس توصيات هامة من شأنها أن تساهم بقوة في دعم التطور الصناعي السويسري بشكل كبير، أولها ضرورة مواصلة تأهيل العمال والتقنيين والفنيين للوقوف على آخر المستجدات العلمية، وهو ما يعني تعاون أكثر بين المؤسسات التعليمية المتخصصة والمصانع والشركات، تليها التغلب على العقبات التي قد تقف حائلا أمام البحث العلمي التطبيقي، وهي مسؤولية المعاهد والجامعات التي يجب أن تركز أكثر على كيفية الاستفادة من أبحاثها العلمية والأكاديمية في الصناعة.
وعندما تتلاقى النقطتان الأولى والثانية، تبقى التوصية الثالثة من مسؤولية الجهاز الاقتصادي الخارجي، الذي عليه فتح أسواق جديدة لتسويق ما يتم التوصل إليه من ابتكارات، أو توسيع قاعدة توزيع المنتجات، كما يحتمل الجهاز الاقتصادي بشقيه الرسمي والخاص مسؤولية تنفيذ التوصية الرابعة والتي تحث على ضرورة تمويل الشركات التي قد تلاقي صعوبات مختلفه.
ليس من المعروف إن كان الإعلان عن نتيجة تلك الدراسة عشية انطلاق الاتحاد الأوروبي في ثوبه الجديد بعد انضمام 25 دولة إليه متعمدا، لكسر موجة القلق والتوتر التي لوحظت في الأزمة الأخيرة على مستقبل سويسرا الاقتصادي وسط هذه الكتلة الضخمة، امى أنها من قبيل المصادفة، وسواء كانت هكذا أو ذاك، فالدراسة تؤكد أن الكونفدرالية لا تعتمد فقط على بنوكها وشركات التأمين كأحد في دعم اقتصادها بل إن الشركات الصغيرة والمتوسطة فيها والتي تشكل عصب حياة المال والأعمال فيها لها آفاقها وتطلعاتها، ويمكنها أن تكون ندا لغيرها في أوروبا والعالم.
تامر ابوالعينين – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.