الاتحاد الأوروبي.. في خدمتكم
أفرزت تطورات السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة والعالم العربي قناعات جديدة في صفوف دوائر القرار في الاتحاد الأوروبي.
وفي وثيقة حصٌـلت سويس انفو على نسخة منها، تعرض بروكسل للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين استراتيجية تعاون جديدة مع دول الجامعة العربية.
يبدو أن الرؤية الأوروبية العامة حيال الوضع السياسي العربي قد نضجت ووصلت إلى قناعة شبيهة بما توصّـلت إليه القمة الأوروبية الأخيرة المُـنعقدة في بروكسل، تُـفيد بأن إفرازات الوضع الداخلي العربي يؤثر بشكل مباشر على أمن واستقرار بلدان الاتحاد الأوروبي.
وتتّـسع مختلف التأثيرات العربية من تصدير المهاجرين السريين الذين يغامرون بحياتهم عبر أمواج البحر الأبيض المتوسط من أجل الوصول إلى شواطئ “الرخاء الأوروبي” إلى أولئك الذين يقصدون أراضي الاتحاد من أجل تنفس هواء الديموقراطية والتعددية السياسية.
وعلى مر الأعوام الماضية، كان الاتحاد يصُـمّ آذانه عن دعوات الاستغاثة والتحذير الصادرة عن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان إلى أن انكشفت حقائق تفجيرات نيويورك وواشنطن، وحرب العراق، ومحاولات المنظمات الأصولية المتطرفة إرباك الأنظمة العربية واللجوء بأنصارها في مواقعها الخفية ضمن أوساط المهاجرين في بلدان الاتحاد.
الرؤية الأوروبية.. تغيّـرت
ويعرض الاتحاد الأوروبي في وثيقة، هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عقدين، على دول جامعة الدول العربية “النوايا الحسنة والخبرات” لإنجاح مسار الإصلاحات السياسية والاقتصادية عبر مختلف آليات التعاون واتفاقات الشراكة الاقتصادية والسياسية والبشرية.
ويعتقد الاتحاد في أن التّـغييرات الجارية تقتضي وضع استراتيجية للتعاطي مع مسائل وقضايا ما أسمته ورقة القمة الأوروبية “الشرق الأوسط المتسع”، أي البلدان العربية زائد إيران.
وتكتسب هذه الورقة أهمية سياسية كونها تستعيد مفهوم “العالم العربي” في قاموس الدبلوماسية الأوروبية بعد أن كانت طوته ضمن سجل الحوار العربي الأوروبي في السبعينيات واستبدلته بالمفاهيم الإقليمية التي تولّـدت عن نهاية الحرب الباردة، وخاصة عن اتفاقات أوسلو الفلسطينية الإسرائيلية، وخطة الشراكة الأوروبية المتوسطية التي أُطلِـقت في برشلونة عام 1995.
غير أن المنظور الأوروبي حيال المنطقة قد تغيّـر جرّاء سلسلة انهيارات عملية السلام في الشرق الأوسط، ومضاعفات تفجيرات نيويورك وواشنطن، والهزات التي تشهدها مختلف البلدان العربية، سواء من خلال المواجهة القائمة بين السلطات والمنظمات الإرهابية، أو بينها وبين القوى السياسية التي تتطلّـع إلى تعددية سياسية تؤمِّـن الحريات السياسية، وفي مقدمها حرية الرأي والتعبير.
ولا تتردد الورقة في التذكير بأن مشاكل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل القائمة في المنطقة “لها تأثير مباشر على الأمن”.
أولـويــات الاتحـــاد
ولتخفيف حدة التوتر، فإن حل النزاع العربي الإسرائيلي “يُـمثّـل أولوية استراتيجية للاتحاد الأوروبي”. ويكمل التقرير الأوروبي تقارير دولية أصدرتها الأمم المتحدة والبنك الدولي، وأكّـدت بشكل خاص على عيوب ونواقص أنظمة التعليـم، وسوء الإدارة، والأميّـة، وحرمان المرأة، واستبداد الأنظمة.
وتقول ورقة القمة إن الاتحاد الأوروبي يعمل على تشجيع “التعددية السياسية والديموقراطية، ودفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إلا أن فعالية مثل هذه الإصلاحات وجدواها “لن تتم سوى بنموها داخل المجتمعات العربية نفسها”، إذ لا يؤمن الأوروبيون، حسب ورقة القمة، بتصدير أنموذج غربي جاهز إلى الدول العربية. وقد يكون هذا الاختلاف الأول من نوعه بين أطروحات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في شأن التعاطي مع إشكالية الديموقراطية في العالم العربي.
وبينما تحاول الولايات المتحدة تغيير ألوان سياساتها حيال العراق من أغراض البحث على أسلحة الدمار الشامل إلى حماية حقوق الإنسان في العراق، إلى استخدامه منطلقا للتبشير بالديموقراطية، فإن المسؤولين الأوروبيين ينأون بأنفسهم عن إظهار الرغبة بتصدير النماذج الغربية.
وقال كريس باتن، عضو المفوضية والمسؤول عن العلاقات الخارجية إنه تحدث عن الحاجة إلى الديمقراطية في المنطقة العربية “قبل خطاب الرئيس بوش”. وذكر المفوض الأوروبي في حديثه إلى سويس انفو بأنه “لا يؤمن بالوسائل الزجرية لفرض الخيارات السياسية”.
وتقترح الورقة الأوروبية أن يتم بحث مسائل الإصلاح السياسي والديمقراطية في المنطقة العربية “في نطاق الحوار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك مع الأطراف الأخرى غير الغربية لتفادي الاستقطاب في المنطقة”.
وتقترح الورقة الأوروبية “تعميق الحوار السياسي مع كل من البلدان العربية وجامعة الدول العربية من أجل دعم دولة القانون وحسن الإدارة، مع التأكيد على احترام حقوق الإنسان والديمقراطية”.
ويهدف الحوار أيضا إلى تعزيز حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب. وتُـبدي ورقة القمة الأوروبية تفتّـحا على القوى السياسية العربية “من أجل تعزيز الحوار مع المجتمع المدني”.
وتشمل المقترحات الأوروبية لدعم الإصلاح في المنطقة العربية تشجيع الإصلاحات الاقتصادية ومحاولات التعاون الإقليمي فيما بين البلدان العربية والدعوة إلى تعزيز الحوار الثقافي. وتبدو تحليلات الاتحاد رصينة، وتُـشبه إلى حدّ بعيد “نصح الجار لجاره”. غير أن وقعها قد يظل محدودا لأن الاتحاد لا يستخدم، في نظر البعض، سياسة العقوبات ضد البلدان العربية التي لا تحترم حقوق الإنسان.
“خطاب دبلوماسي وجزرة كبيرة”
فالعديد من البلدان العربية التي تربطها اتفاقات الشراكة مع الاتحاد لا تحترم حقوق الإنسان، ولا تسمح بقيام تعاون بين منظمات المجتمع المدني، وذلك كسبيل لتأمين سيطرة الحكم على نشاط المنظمات غير الحكومية وخنقها اقتصاديا إذا هي تجرأت على تحديه.
وحيال مثل هذا الوضع، فان الاتحاد الأوروبي يرفض استخدام الوسائل الزجرية أو تعليق بعض جوانب المعونات الاقتصادية. لكنه يقترح في المقابل، سياسة تشجيع البلدان التي تحترم حقوق الإنسان، فيبادر بزيادة المعونات لفائدتها، خاصة في الحقل الاجتماعي، وهو ما يصفه خبير أوروبي بسياسة “الخطاب الدبلوماسي، والجزرة الكبيرة” لإقناع شركائه باحترام حقوق الإنسان وعدم التضييق على المعارضة.
لكن هذا الطرح الذي يحاول المزج بين الترغيب المادي ومجرد التخويف الدبلوماسي، ليس أكثر من “وهْـم في الظرف الراهن”، حسب قول كبير الخبراء، اربيهاريد رهاين في تصريحه الى سويس انفو. ويذهب محاورنا إلى أن تأثير الاتحاد الأوروبي يبقى “محدودا” في سير عمليات الإصلاح السياسي في المنطقة.
نورالدين الفريضي – بروكسل
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.