الاتحاد الأوروبي يتقرّب من الهند تجاريا وأمنيا في ظل تردي العلاقة مع واشنطن

يبدأ وفد رفيع من الاتحاد الأوروبي زيارة “غير مسبوقة” إلى الهند هذا الأسبوع، في وقت يسعى التكتل لتوسيع آفاقه التجارية والدبلوماسية في مواجهة تدهور العلاقة مع الولايات المتحدة.
وستعقد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين مع هيئة مفوضيها محادثات مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحكومته في نيودلهي خلال الزيارة التي تستمر يومين اعتبارا من الخميس.
تعد الزيارة آخر مؤشر على مساعي بروكسل لتنويع علاقاتها بعيدا عن الولايات المتحدة وإثبات نفسها كشريك يمكن الاعتماد عليه للساعين إلى إقامة علاقات تجارية.
وقالت فون دير لايين قبل الزيارة “في حقبة المنافسة الجيواستراتيجية هذه، تمثّل أوروبا الانفتاح والشراكة والتواصل”، مشيدة بالهند على اعتبارها من بين “أصدقاء وحلفاء (الاتحاد الأوروبي) الأكثر جدارة بالثقة”.
وسينضم جميع مفوضي الاتحاد الأوروبي الـ26 تقريبا إلى رئيسة المفوضية في هذه الزيارة التي تصفها الهيئة التنفيذية للتكتل بأنها الأولى من نوعها إلى الدولة الجنوب آسيوية العملاقة والأولى خارج أوروبا منذ تولت الهيئة الجديدة السلطة في كانون الأول/ديسمبر.
وتأتي الزيارة فيما أحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحوّلا في شراكة بروكسل التقليدية مع واشنطن منددا بقوانين التكنولوجيا التي فرضها الاتحاد الأوروبي ومهددا برسوم جمركية مشددة ومقللا من شأن الحلفاء الأوروبيين عبر إطلاق محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن حرب أوكرانيا أقصيت منها كييف وبروكسل.
وقال أندريه سابير من مركز “بروغل” للأبحاث ومقره بروكسل إن الاتحاد الأوروبي وجد نفسه “يبحث عن أصدقاء” فيما الهند، الدولة الأكثر سكانا في العالم، هي “مرشح طبيعي” لأداء هذا الدور.
– التجارة –
ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير، تعمل بروكسل على توسيع آفاقها.
وأعلنت في الشهور الأخيرة عن اتفاق معزز للتجارة مع المكسيك واستئناف المحادثات مع ماليزيا واتفاق جديد مع تكتل ميركوسور الأميركي الجنوبي و”أول قمة على الإطلاق” بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى.
كما تبنت نبرة تصالحية أكثر حيال الصين التي ما زالت تمثّل رغم ذلك “تحديا استراتيجيا كبيرا بالنسبة لأوروبا”، بحسب ما أفاد جيمس كرابتري من “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”.
وقال إن “بناء علاقات أقوى مع الهند، الديموقراطية التي يتزايد نفوذها في العالم، هو أمر يحمل جاذبية سياسية ويوفر فرصة اقتصادية أكبر”.
ويتوقع أن تتصدر التجارة جدول الأعمال.
يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للهند إذ بلغت قيمة تجارته في السلع 124 مليار يورو (130 مليار دولار) عام 2023، أي ما يعادل أكثر من 12 في المئة من إجمالي التجارة الهندية، وفقا للاتحاد الأوروبي.
ويوفر توسّع السوق الهندية فرصا مهمة لقطاعات تتراوح من الدفاع إلى الزراعة والسيارات والطاقة النظيفة. لكنها لا تمثّل غير 2,2 في المئة من تجارة الاتحاد الأوروبي في السلع نظرا إلى أنها محمية برسوم جمركية كبيرة.
وأعيد إطلاق المفاوضات على اتفاق تجاري عام 2022 فيما أشار دبلوماسي أوروبي إلى أنها قد تحظى بدفع بفعل إصرار البيت الأبيض على فرض رسوم جمركية على أصدقاء وخصوم الولايات المتحدة على حد سواء.
وقال دبلوماسي “لم تكن المبررات للتوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة يوما أقوى مما هي عليه الآن”.
– الذكاء الاصطناعي والدفاع –
احتفى ترامب بمودي هذا الشهر في واشنطن متعهّدا بتعزيز العلاقات التجارية، لكن الهند تسعى أيضا إلى إنعاش علاقاتها مع أطراف أخرى “لحماية نفسها من أميركا باتت متقلبة”.
تأتي زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية في أعقاب زيارة قام بها وزير التجارة البريطاني جوناثان رينولدز هدفت لإعادة إطلاق المفاوضات التجارية العالقة.
وعنونت صحيفة “ذي إنديان إكسبرس” الثلاثاء “في ظل الرسوم الجمركية الأميركية، تعود الهند إلى طاولة المفاوضات التجارية مع المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي”.
ولعل أحد أكبر التحديات التي واجهتها نيودلهي في السنوات الأخيرة تمثّل بخلق ملايين فرص العمل الجديدة لشبابها والقوة العاملة الماهرة التي تشهد ازديادا سريعا.
وتدعو الحكومة الهندية منذ سنوات أوروبا لمنح أعمالها التجارية وطلابها تأشيرات بشكل أسرع.
وتشمل الملفات المطروحة على طاولة البحث التعاون في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي حيث تسعى أوروبا والهند للعب دور أكبر.
ستجري أيضا مناقشة الأمن والدفاع، بحسب الدبلوماسي الأوروبي الذي أوضح أن بروكسل حريصة على “توحيد الجهود” مع نيودلهي.
يرجّح أيضا أن تجري مناقشة إمدادات المعدات الدفاعية وتطبيق العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا ومحادثات السلام بشأن أوكرانيا.
ولطالما اتبعت الهند سياسة الاستقلالية الإستراتيجية في ما يتعلق بالشؤون الخارجية.
ولطالما قاومت الدولة الآسيوية المقرّبة تاريخيا من روسيا، المزود التقليدي لها بالمعدات العسكرية، الضغوط الغربية للنأي بنفسها عن موسكو بعد غزو أوكرانيا.
ويستبعد أن تثمر زيارة وفد المفوضية عن التوقيع على أي اتفاقات، لكنها ستمهّد على الأرجح لقمة بين الهند والاتحاد الأوروبي تعقد في الهند في وقت لاحق هذا العام.
بب-اوب/لين/دص