«الاتفاق العالمي» بين وعود القطاع الخاص وتشكيك المجتمع المدني
يحتضن قصر الأمم في جنيف يومي 5 و6 يوليو أوّل قمة تنظمها الأمم المتحدة لرؤساء الشركات والقطاع الخاص المنخرطة في "الإتفاق العالمي" الذي يهدف إلى تعزيز احترام المعايير الاجتماعية وحقوق الإنسان وحماية البيئة من طرف الشركات والفاعلين الإقتصاديين.
ويحضر هذه القمة، بالإضافة إلى 650 ممثلا للشركات متعددة الجنسيات، الأمين العام للأمم المتحدة، ووزير الخارجية الفرنسي، وممثلون عن منظمات المجتمع المدني في العالم.
ترى السيدة ميشلين كالمي – ري، رئيسة الكنفدرالية أن هذه المبادرة التي أطلقتها الأمم المتحدة خلال دورة المنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس لعام 1999، “مفيدة”، برغم كل ما يقال عنها، وحيّت الدعم الذي تلقاه من الأمين العام للمنظمة بان- جي – مون.
أما المنظمات غير الحكومية، فقد وجهت سيلا جارفا من الانتقادات لهذه القمة، حتى قبل افتتاحها، مجدّدة الحملة التي بدأتها على هذه المبادرة منذ انطلاقتها قبل ثمانية أعوام.
ويرى أوليفيي كلاسن، أحد الأعضاء في منظمة “إعلان برن” غير الحكومية أن “الدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة لمبادرة «الاتفاق العالمي»، من شأنه أن يضر بصورة المنظمة، ويُـعرقل المسعى لوضع معايير فعّـالة لضبط المسؤولية الاجتماعية المُـلقاة على عاتق المشروعات الاقتصادية”.
وتقول المنظمات غير الحكومية، التي تطالب “بعالم أكثر عدالة”، إن الانتهاكات المستمرة للمبادئ العشر للاتفاق العالمي، من دون أن يَـفرِض على أصحاب تلك الانتهاكات، أي عقاب يكشف التناقض الصارخ بين الأقوال والأفعال.
فالأمر بالنسبة لأنصار “إعلان برن” واضح إذ يرون أن “على الأمم المتحدة فرض التزامات على الشركات متعدّدة الجنسيات، وأما الإعلانات الطوعية، فهي غير كافية”.
من دون عقوبات
الأمر نفسه، يراه دانييل ميتلار من منظمة السلام الأخضر: “ليس المطلوب من الأمم المتحدة دعوة رجال الأعمال إلى جنيف، بل فرض المعايير وتحديد الالتزامات والحِـرص على تنفيذها”.
أما منظمة العفو الدولية، فترى أن من نقاط الضعف الأساسية في هذا الاتفاق، عدم توقّـعه لأي عقوبات على الجِـهات المُـخلّـة بتنفيذ بنوده، ومن دون تلك الآلية، لن يبقى للاتفاق أي قُـدرة على تحسين أوضاع حقوق الإنسان، وترى أن هذه الشراكة لم تحقِّـق أي نتائج تُـذكر.
ويعترف السيد جورج كيل، المدير التنفيذي للاتفاق العالمي، أن بعض الشركات انضمت للاتفاق منذ البداية، بغرض تلميع صورتها، و”لذلك اضطررنا لسحب عضوية 600 مشارك في السنة الماضية، وستُـسحب هذه السنة عضوية 500 مشارك آخر، ومع ذلك، فهناك تحسُّـنا في الالتزام ببنود الاتفاق”، لكن هذه التطمينات لا تجد لها صدى لدى أنصار “إعلان برن”، الذين يرون في “«الاتفاق العالمي» نمرا من ورق، وعِـبارة عن ورقة، توت لإخفاء العورات، ولا يعكس التزاما جادا ببناء عالم أكثر عدالة”.
مغالطة بيئية
لا يَـخفي أخطاب غلام خان، ناشط في المجال الإنساني، غضبه الشديد لمشاركة بعض الشركات في قمة جنيف، كالشركة البريطانية أنكلو غولد أشانتي، التي تستغل مناجم الذهب في غانا، والتي تواصل عملها مستخفّـة بالأضرار الخطيرة، التي تلحق بالسكان المحليين، “ويحصل هذا منذ سنوات عديدة”، يضيف رئيس منظمة Action Aid.
ما يغضب أنصار البيئة أكثر، هو عزم قمّـة جنيف، الإعلان عن مبادرة لمكافحة التغييرات المناخية، ويناشد دانييل ميتلار، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أن “ينأى بنفسه عن هذه المغالطة البيئية وأن لا يتراجع عن وضع قواعد مُـلزمة لوقف تدهور الوضع البيئي”.
مواطنة الشركات
من الواضح أن وزيرة الخارجية السويسرية المُـنهمكة منذ أمس في استقبال المشاركين في القمة، لا تشاطر هذه الآراء، إذ أنها اعتبرت أن “الاتفاق العالمي مفيدا لمنظمة الأمم المتحدة ولشركائها الجُـدد، المنبثقين عن المجتمع المدني في نفس الوقت”.
وتؤكّـد رئيسة الكنفدرالية على الدور المتميِّـز، الذي يُـمكن أن تلعبه الشركات الخاصة في تحقيق الأهداف الكبرى، التي وضعتها الأمم المتحدة، وتعتبر أن فضل الاتفاق العالمي، يتمثل في أنه “ساعد تلك الشركات على تحقيق مواطنتها”، وقد استلهمت الدول خُـططها من المشروعات التي تنفَّـذ في القطاع الخاص.
وأضافت ميشلين كالمي – ري في كلمتها أمام المشاركين في القمة أن “الجانب الأكبر من تمويل هذه القمة قدّمته شركات القِـطاع الخاصة، ومن ضمنها الشركات السويسرية”.
سويس انفو مع الوكالات
أول من أطلق هذه المبادرة، هو كوفي عنان الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة، خلال خطاب ألقاه يوم 31 يناير 1999 أمام المنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس، وكان الهدف إشراك الدوائر الاقتصادية في الارتقاء بحقوق الإنسان وتحسين الأوضاع الاجتماعية وحماية البيئة ومكافحة الفساد أو بكلمة أخرى “تحلي الشركات بروح المواطنة في الإقتصاد العالمي”.
تستمد المبادئ العشرة للإتفاق العالمي من “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” ومن “إعلان منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل” ومن “إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية” ومن “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد”.
للإنضمام إلى «الاتفاق العالمي»، على رؤساء الشركات المهتمة توجيه رسالة للأمين العام، يعبرون فيها عن قبولهم بالحد الأدنى من المعايير الاجتماعية وحماية البيئة ,ان يغيروا من أساليب عملهم وأنشطتهم التجارية لكي تتلاءم مع مبادئ الإتفاق العالمي.
لا يعتبر الإتفاق العالمي “صكا تنظيميا” حيث ليست هناك أية مراقبة لسلوك أو إجراءات الشركات المنخرطة كما لا يقوم بأي أنشطة تتعلق بإنفاذ أو قياس هذا السلوك أو هذه الإجراءات.
انخرط في «الاتفاق العالمي» حتى بداية هذه السنة، أكثر من 3.800 عضو منها 2.900 شركة موزّعة على مائة بلد، ومن بينها عشرات الشركات السويسرية وعدد ضئيل من الشركات العربية معظمها من مصر وتونس والمغرب ولبنان.
في الوقت الذي يطالب تقرير للأمم المتحدة القِـطاع الخاص ببذل المزيد من الجهد للالتزام ببنود الاتفاق الدولي، تظل العديد من المنظمات غير الحكومية على موقفها السلبي من المبادرة، والمأخذ الأساسي هو الطابع الطوعي غير الملزم لبنود هذا الاتفاق، ومنحه فرصة ثمينة للشركات متعددة الجنسيات، لتلميع صورتها بأقل التكاليف.
فالشركات، التي تعلن احترامها لبنود ذلك الاتفاق، لا تخضع لأي رقابة، الأمر الذي يجعل المنتقدين يطالبون بفرض قواعد ملزمة.
كذلك، يفتقد هذا الاتفاق إلى آليات لتقبّـل الشكاوى، ويخشى المدافعون عن حقوق الإنسان وحماية البيئة أن تستغل شركات معروفة بانتهاكها لحقوق الإنسان، وتقوم بأنشطة مُـضرة للبيئة عضويتها للتغطية عن انتهاكاتها، وأن يقع التركيز على بعض الممارسات الجيدة مقابل غضّ الطرف عن ممارسات أسوأ، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى تكريس عدم مسؤولية الشركات على أفعالها وسيطرة المصالح التجارية على توجهاتها من دون رقابة.
كما يُخشى أن يستغل هذا الإطار لقطع الطريق عن تحقيق مكاسب جديدة في مجال حقوق الإنسان والبيئة من خلال المنتظم الدولى بدعوى اختصاص “الاتفاق العالمي” بذلك.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.