الاستثمار في اليمن.. تحديات ووعود
على مدار يوميين متتالين، عقد في العاصمة اليمنية صنعاء مؤتمر استكشاف الفُـرص الاستثمارية، بُـغية الترويج للاستثمارات الخارجية في هذا البلد
هذا البلد الذي يُـعد من أقل بلدان المنطقة استقطابا لها، رغم الفرص المُـتاحة، التي يزخَـر بها، ورغم الحوافز والمزايا التشجيعية التي تكفلها القوانين والتشريعات اليمنية.
خرج المراقبون والمتابعون لأشغال المؤتمر بتقييمات متباينة تجاه النتائج المحقّـقة والمرجوّة من هذه التظاهرة الاقتصادية الأولى من نوعها، التي أعدّت لها الحكومة اليمنية بالتعاون مع الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي على طريق ما يُـطلق عليه تأهيل اليمن للانضمام لدول مجلس التعاون الخليجي.
فمن جهتها، اعتبرت الحكومة اليمنية أن المؤتمر حقّـق نتائج رائعة ستفتح الطريق لتدفّـقات الاستثمارات الخارجية، على اعتبار أنها المرة الأولى التي يُـطرح فيها على المستثمرين مشاريع قِـطاعية محدّدة ومدروسة في مجال الطاقة والسياحة والتعدين والزراعة والأسماك وغيرها من المشاريع الحيوية، الأمر الذي عكسه الحضور الواسع للمستثمرين الذين قدِموا للمشاركة في المؤتمر، ووقع بعضهم على عدد من الاتفاقيات.
مقابل التفاؤل الحكومي إزاء هذا الحدث، الذي اعتبرته وسائل إعلامها تدشينا لمرحلة جديدة للاستثمارات الخارجية في البلاد، قللت صحف المعارضة والمستقلة من نجاعة المؤتمر وتحريك الاستثمارات الخارجية، التي شهدت تراجُـعا كبيرا في السنوات القليلة الماضية، وذهبت تلك الصحف إلى أن العوائد المحقّـقة من هذه التظاهرة، التي طالما حملت الوعود بالتوقيع على مشاريع استثمارية قدرت بـ 8 مليار دولار، لم تتحقق.
وأبرزت تلك الصحف تواضُـع الغطاء المالي للاتفاقات الموقعة خلالا المؤتمر، وذهبت إلى أنها أقل بكثير من الطموحات التي عُـرضت على المستثمرين الذين حضروا المؤتمر، واعتبر بعض المحللين أن الاستثمارات لا تحتاج إلى مهرجانات تروجيه، وإنما إلى توفير جملة من المزايا والحوافز التشجيعية، التي تغري المستثمرين.
معوقات نفّـرت المستثمرين
وهناك من أسهب في سرد المعوقات التي نفّـرت المستثمرين طيلة الفترة الماضية، ومنها شركاء الحماية، وهم فئة من المتنفذين يتطفّـلون على المستثمرين بفرض أنفسهم كشركاء لهم، مقابل حمايتهم من تعسُّـفات الغير واستغلال وجهاتهم لدى الإدارة لتسهيل معاملات إقامة مشاريعهم، وكذا النزاعات على الأراضي والعقارات المخصصة للاستثمار.
سويس انفو طرحت هذا التَّـباين إزاء المؤتمر ونجاعته على الدكتور محمد الميتمي، مدير عام الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، فرد بقوله: تقييم المؤتمر لابد أن يتِـم انطلاقا من الأهداف، التي رسمها المنظِّـمون ومدى تحقّـقها، وبالنسبة لمؤتمر استكشاف الفرص الاستثمارية كان له هدفين، هما الترويج للفرص والتأكيد على إصلاح بيئة الاستثمار والطموح، كان حشد ما بين 500 إلى 700 مشارك، معظمهم من دول الخليج، إلا أن العدد فاق التوقعات، حيث بلغ عدد المشاركين 1200 من داخل اليمن وخارجه، من بينهم أكثر من 500 شركة من 20 دولة.
ويمضي الميتمي موضحا: فيما يتعلّـق ببيئة الاستثمار، كان عليها عديد من الملاحظات من قِـبل المستثمرين، وكان الهدف من قِـبل المنظمين هو خلق حِـوار مفتوح بين صانع القرار السياسي والمستثمر، وهذه النقطة حققت نجاحا غير عادي، وهو ما لمسه المستثمرون أنفسهم وشدّد عليه خِـطاب الرئيس علي عبد الله صالح، الذي أكّـد أن ثمّـة جُـملة من الإجراءات الرامية إلى تنقية مناخ الاستثمار، منها إقرار نظام الشباك الوحيد، كما أن الحكومة طمأنت المستثمرين وأكّـدت لهم أن خطاب الرئيس سيكون دليل عملها في المرحلة المقبلة في مجال الاستثمار.
وفيما يتعلّـق بحصيلة الاتفاقيات المُـوقّـع عليها، أوضح الميتمي قائلا: عدد الفرص، التي عرضتها اللجنة التحضيرية، بلغت حوالي 100 فرصة بقيمة فنية تراوحت بين 8 إلى 10 مليار، ومن الطبيعي أن لا يُـوقع المستثمر منذ اليوم الأول على المشروع المعروض عليه، وهذا متعارف عليه في العالم كله وليس في اليمن، المستثمر يحتاج إلى فترة من الاستقصاء واختيار المشروع، الذي يناسبه، ومن النادر حدوث صفقات فورية، ومع ذلك، فقد وقِّـعت صفقات بلغت قيمتها حوالي 3 مليار دولار.
حصيلة متذبذبة وتراجع مخيف
وأضاف مدير عام اتحاد الغرف التجارية والصناعية بقوله: تحسين بيئة الاستثمار لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، الأهم أن هناك إدراك من جميع المستويات السياسية والشعبية، أنه لا يمكن تحريك عجلة الاقتصاد من دون حركة استثمارية واسعة ونشطة، ويخلص الميتمي إلى القول، مسألة تنقية مناخ الاستثمار بدت واضحة جدا لصانع القرار السياسي، والمواقف كانت واضحة وقاطعة بأن هناك منعطف جديد لتجاوز كل المعوقات، التي كانت تحُـول دون تحقيق الغايات المقصودة، والأشهر القادمة هي كفيلة باختبار هذا الموقف.
الحقيقة أن قضية الاستثمار الخارجية في اليمن، تُـعَـدُّ واحدة من القضايا المثيرة للجدل بين كافة الأطراف اليمنية، بسبب الحصيلة المتذبذبة والتراجع المخيف لتدفُّـقاتها، مقارنة بما يخرج من البلاد، خاصة في السنوات الأخيرة.
فمع مطلع التسعينيات، كانت قد بدأت تتدفَّـق للبلاد استثمارات لا بأس بها، نتيجة لإقبال الشركات الأجنبية على الاستثمار في قِـطاع النفط الذي طُـرح للمنافسة، لكن في السنوات الأربع الأخيرة، أصبح متوسط نمو الاستثمارات الخارجية سلبي يفوق ما يخرج من البلاد وما يدخل إليها، طِـبقا للتقديرات غير الرسمية.
فحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، كان نمو الاستثمارات الخارجية المباشرة خلال الأربع سنوات الماضية (2003-2006) سالبا، باستثناء عام 2004، التي بلغت فيه 193 مليون دولار، فيما جاءت حصيلتها خلال السنوات 2003 و2005 و2006 على التوالي بالسلبي – 131 مليون دولار – و236 مليون دولار- و200 مليون دولار.
فسحة أمــل
ويعزي المحللون الاقتصاديون النمو السلبي للاستثمارات في البلاد إلى جملة من العوامل، أبرزها استثمار جزء كبير من احتياط اليمن من العملة الصعبة، الذي يقدر بـ 7.5 مليار دولار في الخارج، مما يُـقلِّـل من مستوى التدفّـقات الاستثمارية الداخلة إليها، وهي متواضعة جدا، لاسيما بمقارنتها بالنمو السنوي للاحتياط من العملات الصعبة المتأتي من ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، الذي يرفع من معدل خروج الأموال، مقارنة بما يدخل منها إلى البلاد، علاوة على ذلك، فإن الفرص المتاحة تحتاج إلى بنى تحتية تشجِّـع جذب المستثمرين، وكذا إلى رأسمال بشري متدرِّب وعلى درجة كبيرة من المهارات، وهذا يتطلب استثمارات مهمّـة حتى تتحول اليمن إلى وجهة تُـغري المستثمرين الأجانب على إقامة مشاريعهم فيه، كما أن الفساد الإداري والبيروقراطية المنتشرين في المرافق الحكومية، تقلل من تحمس المستثمرين وتحتاج إلى إرادة سياسية حازمة تتصدّى لكل الممارسات التي عرقلت الاتجاه للاستثمار في اليمن.
ويتفق هؤلاء المحلِّـلون الاقتصاديون على أن الاستثمارات الخارجية لها أولوية قصوى لاقتصاد اليمن، الذي يواجه خطر نضُـوب النفط، حيث يقدّر الاحتياطي النفطي بحوالي 750 مليون برميل، والصادرات السنوية تتراوح ما بين 400 إلى 360 برميل يوميا تمثل 87% من إجمالي الصادرات، والاكتشافات الجديدة غير مشجعة، وعلى هذا الأساس، فإن معدل مساهمة النفط سيتراجع من 25% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2004 إلى 8.5% عام 2009، وبالتالي، سيرتفع عجز في الموازنة العامة إلى 21.9% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2009، مما سينعكِـس على النفقات العامة، ولهذا أضحى الاستثمار أهم الركائز الأربعة للإصلاح في اليمن، التي تشدد عليها المؤسسات الداعمة والمانحين، وهي خلق إدارة عامة فعالة وإيجاد مناخ استثماري جذاب وبناء وحماية رأس المال البشري والعمل على إيقاف التدهور البيئي.
بصفة عامة، يخلص المتابع إلى القول، أنه بقدر ما يلحظ توجّـها جديدا لتنقية مناخ الاستثمار، يستحضر دوما الحماسات السابقة، التي طالما تصدّت لهذا الملف بُـغية معالجة مشاكله، لكنها أخفقت في تحقيق النتائج المرجوّة، لكن رغم حضور هذه المفارقة، يجد المتابع فُـسحة من الأمل في حجم التحدِّيات التي تفرض نفسها على السلطات وفي الوعي بها، ثم في الوعود التي أطلقت خلال المؤتمر.
عبد الكريم سلام – صنعاء
صنعاء (رويترز) – قال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يوم السبت 7 أبريل، إن مجلس الوزراء اليمني الجديد عليه شن حرب على الفساد، في الوقت الذي يمضي فيه قدما في إجراء إصلاحات اقتصادية.
وقال صالح لأعضاء مجلس الوزراء، بقيادة رئيس الوزراء علي محمد مجور بعد أن أدّوا اليمين، إن عليهم شن حرب شعواء على الفساد والفاسدين ومواصلة الإصلاحات المالية والاقتصادية.
وكان صالح، الذي أعيد انتخابه في سبتمبر الماضي، عين مجور رئيسا للوزراء يوم 31 مارس، فيما اعتبرها محللون محاولة للتوضيح للمانحين، مثل البنك الدولي، أنه جاد تُـجاه الإصلاحات.
وفي نوفمبر الماضي، تعهّـد المانحون الدوليون بتقديم 4.7 مليار دولار لليمن، الحليفة للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب.
وقال صالح للوزراء، إن عليهم العثور على مشاريع إستراتيجية كبيرة يمكن للحكومة تنفيذها جنبا إلى جنب مع القطاع الخاص، لتوفير وظائف وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان.
ووفقا للحكومة البريطانية، فإن نحو نصف اليمنيين أمِّـيُّـون ويعتمد أربعة من بين كل عشرة أفراد على أقل من دولارين يوميا. وتقول الحكومة البريطانية أيضا، إنه من المتوقّـع أن يجفّ النفط اليمني، وهو مصدر العائدات الرئيسية في البلاد بحلول عام 2015.
وينتج اليمن، الذي يحصل على مِـنح وقروض طويلة الأمد من الدول المانحة نحو 400 ألف برميل يوميا من النفط. وتتوقع ميزانية اليمن لعام 2007 وحجمها 1.622 تريليون ريال (8.24 مليار دولار) عجزا حجمه 188.3 مليار ريال.
وقال مجور، إن حكومته، التي تضم وزيرين جديدين للمالية والتجارة، ستهتم بشكل خاص بتهيئة أجواء ايجابية تشجع الاستثمار وستزيل العقبات التي تعوق الاستثمار.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 أبريل 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.