الاسد القوي .. سوريا الضعيفة ؟
هل خرج الرئيس السوري بشار الأسد قوياً ومنتصراً من مؤتمر حزب البعث الاخير؟.
وهل يعني ذلك ان سوريا بدأت تخرج بسلام من “عين العاصفة” الأميركية الذي وقعت فيه طيلة الأشهر القليلة الماضية، والتي أسفرت عن تراجعها الأستراتيجي من لبنان نحو أسوار دمشق؟
الكثيرون في الغرب، كما في الشرق الأوسط، يردون على السؤال الاول بالإيجاب.
فالأسد بدا بالفعل بعد المؤتمر القطري لحزب البعث الذي اختتم أعماله يوم الجمعة 10 يونيو أنه احكم قبضته نسبياُ على مقاليد الأمور في بلاد الامويين، عبر توجيهن متلازمين إثنين:
الأول، إخراج قادة الحرس القديم، أو معظمه، من جنّة السلطة المباشرة. وهم نائب الرئيس عبد الحليم خدام، الأمينان العامان المساعدان لحزب البعث عبد الله الأحمر وسليمان قداح، وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس، نائب الرئيس زهير مشارقة، الرئيس السابق لمجلس الشعب عبد القادر قدورة، ورئيس الحكومة السابق مصطفى ميرو.
وبالتالي، بات الحرس الجديد يمثّل الأغلبية في القيادة البعثية القطرية الجديدة، التي تقلّص عددها من 21 ألى 14 عضواً بينهم الرئيس بشار ومعه ثمانية من الجيل الجديد.
التوّجه الثاني، هو تثبيت خيارات الأسد الإصلاحية، ولكن على النمط الصيني. أي : تغييرات ليبرالية إقتصادية بالقنطار، وإصلاحات سياسية بالقطارة.
هذا التوّجه كان واضحاً في خطاب الاسد أمام المؤتمر، الذي شدد فيه على ان الأولوية القصوى هي للتغيير الأقتصادي. كما كان واضحاً في مقررات المؤتمر التي وضعت على الرف “القفزة الكبرى” الإصلاحية التي وعد بها الشعب السوري قبل شهرين، وإستبدلها بقفزات سلحفاتية تنفذ على مدى طويل، تتضمن: إصدار قانون جديد للاحزاب (مقيّد سلفاً بالعديد من الشروط القاسية)، مراجعة قانون الطواريء وبعض أحكام الدستور (بدون تحديد لمعنى هذه المراجعة)، إنشاء مجلس أعلى للاعلام وتفعيل دور المراة، من دون أن تنسى المقررات الدعوة إلى تأسيس مجلس شورى “يشارك في إتخاذ القرار السياسي والأقتصادي في البلاد”.
ريما علاف، خبيرة الشرق الأوسط في مركز “تشاثام هاوس” للدراسات في بريطانيا، علّقت على هذه التطورات بقولها: “خطاب الأسد كان مذهلاً. فهو كان مقتضباً ولم يدم أكثر من عشر دقائق. كما انه تحدث عن الإصلاح الأقتصادي من دون الإشارة إلى الإصلاح السياسي”.
أضافت: “واضح إنه ( الرئيس السوري ) أغلق الباب أمام إحتمال إحداث إصلاحات أساسية أو راديكالية، وبالتالي قوانين الطواريء المطبقة منذ العام 1963 ستستمر إلى حد كبير كما هي بدون تغيير”.
تقييم علاف هذا يحظى بموافقة العديد من المراقبين الشرق أوسطيين، الذين يضيفون إليه أن الأسد اختار القيام بتحولات كمية متواضعة، تاركاً للآخرين الأمل بأن يؤدي تراكمها إلى تغييرات نوعية ما. لكن هذا على الأمد الطويل للغاية.
وثمة نقطة إجماع أخرى لدى هؤلاء: برغم ان الأسد فشل في تلبية تطلعات المعارضة الليبرالية والديمقراطية والقومية والإسلامية، إلا أنه نجح في جمع نخب النظام الأمنية والإقتصادية والسياسية حوله. وعلى أي حال، هذه النخب كانت تعارض أصلاً إدخال أي إصلاحات جذرية في البلاد قد تعرّض مكاسبها إلى الخطر.
سوريا الضعيفة
نننتقل الان إلى الشق الثاني من السؤال: هل خروج الأسد منتصراً، يعني أيضاً خروجاً لسوريا من عين الأعصار الدولي العاصف ؟.
هنا، تأتي التكنهات متناقضة للغاية.
فثمة في بيروت ودمشق من يعتقد أن الأسد وفريقه من الحرس الجديد اختار مجدداً “التخندق”(Retrenchment ) على نفسه في الداخل بدل الإقدام على هزات إصلاحية كبرى، لأنهم يعتقدون أن هذه هي الوسيلة الأمثل لإقناع واشنطن بمعاودة “الحوار البناء” مع النظام (وهذا تعبير أستخدمته قرارات “البعث”). هذا في حين أن الإصلاحات العميقة ستجعل واشنطن في وضع يمكّنها من فرض كل شروطها على دمشق.
كما يعتقد الأسد وفريقه أن فشل رهانات واشنطن وباريس على سقوط النظام فور إنسحابه من لبنان، سيشجع اطرافاً في كل من وزارة الخارجية الأميركية و “السي. أي . آي” على المطالبة بالعودة إلى سياسة “العصا والجزرة” مع سوريا، بدل الأتكال على العصا وحدها كما الامر الأن.
أبرز الداعين إلى هذا الخيار هو فلينت ليفريت ( مؤلف كتاب “وراثة سوريا: إمتحان بشار الأسد بالنار”) الذي كان مسوؤلأ كبيراً في وكالة الخابرات المركزية وفي مجلس الأمن القومي، والذي إستقال من منصبه احتجاجاً على التصعيد ضد دمشق.
فلينت هذا حضر بعض جلسات مؤتمر حزب البعث في دمشق. وقد اعتبر الكثيرون حضوره مهماً لأنه مع نظريته حول ضرورة إستخدام واشنطن “العصا والجزرة” معاً مع سوريا، ربما يجّسد رهانات النظام السوري على إستئناف ما إنقطع من تفاهمات مع واشنطن. لكن كيف ؟.
ليفريت، ومعه العديد من مسؤولي الخارجية الأميركية، يدلّون على الطريق: حصة لسوريا
في العراق مقابل مساهمتها في إخماد “التمرد العراقي”. حصة ثانية في لبنان مقابل تجريد حزب الله من السلاح. ثم حصة ثالثة في الكعكة الأقتصادية الدولية، مقابل مزيد من التعاون في الحرب على الأرهاب.
جميل. لكن، هل عودة حوار المصالح بين البلدين واردة حقاً؟.
يبدو أن ليفريت ودمشق يعتقدان ذلك، لأن صمود النظام بعد لبنان وتعزيز مواقع الأسد سيجعلان هذا الأخير في موقع يمكّنه من إقناع واشنطن بإستئناف ” الحوار البناء ” ، وبالتالي العودة إلى شعار تغيير سلوك النظام وإدارة الظهر لشعار تغيير النظام .
للوهلة الاولى، تبدو هذه الرهانات في محلها. لكنها لا تعود كذلك حين نضع في الأعتبار عاملين إثنين: الاول، لامنطقية الأدارة الأميركية الحالية بمحافظيها الجدد ومجانينها الأصوليين المسيحيين. والثاني، تضعضع موقف الأتحاد الاوروبي في الشرق الأوسط بفعل أزمته الدستورية الداخلية. وإذا ما أضفنا إلى هذا حاجة بوش للتعويض عن فشله في العراق بنجاحات في أمكنة أخرى، فقد نستنتج بأن خروج الأسد قوياً في دمشق، لا يعني بالضرورة خروج سوريا نفسها من دائرة الخطر.
هذه نقطة أولى. وثمة نقطة اخرى لا تقل اهمية عنها: الوضع الدولي قد لا يعطي الأسد كبير وقت لحل المشاكل الأقتصادية والديموغرافية التي تجعل سوريا الان قنبلة موقوتة، حيث أن 80 في المائة من الـ18 مليون سوري تحت سن الخامسة والثلاثين؛ والبطالة تصل إلى 20 في المائة، ودخل الفرد يقل عن ألف دولار شهرياً.
وفي مثل هذه الظروف، حيث الزمان سلعة نادرة والمكان حقل ألغام، سيكون من المشكوك فيه تحقق آمال دمشق وإيفريت فلينت ببداية جديدة بين البلدين. ولو كان الامر غير ذلك، لما جاء أصلاً إيفريت إلى دمشق، مطروداً من واشنطن!.
سعد محيو – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.