الاقتصاد الأردني: فن التحايُـل على الشروط القسرية!
ربما لن تطول صدمة الإبهار لمن يزور "عمان الغربية" للمرة الأولى، أو بعد فترة انقطاع طويلة، من مستوى العمران والتطور والحداثة، إذا قُدّر لهذا الزائر التوجه كيلومترات قليلة نحو عمان الشرقية أو الأحياء الشعبية والمخيمات.
أمّا إذا اتجه خارجاً، نحو المدن البعيدة عن العاصمة، فسيعود الانطباع لديه أنه لا يزال في العالم الثالث!
ما يسمى بـ”فجوة النمو”، كما يصطلح عليها المسؤولون والمراقبون في الأردن هي نتاج طبيعي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي سارع النظام الأردني في تطبيقه، محققاً طفرة في جوانب معينة، لكن في المقابل أدّى إلى تشوهات اجتماعية واقتصادية تتراكم لتلقي بظلال سياسية وأمنية على المشهد الداخلي بأسره!
انعكست الظروف الإقليمية (سخاء المساعدات الخارجية والمنح النفطية وحوالات العاملين الأردنيين في الخارج) بصورة كبيرة على حالة الاقتصاد الأردني خلال عقدي السبعينات والثمانينات، فساهمت ببروز دور الدولة الرعوية والعلاقة الزبونية بين المواطن والحكومة وتضخم القطاع العام، وشهدت تلك المرحلة طفرة حقيقية في متوسط الدخل الفردي والوطني، إلاّ أنّ الظروف الاقتصادية بدأت بالتدهور في عام 1989، وأدّى لجوء الحكومة إلى المؤسسات المالية الدولية، وما أشيع عن حالات فساد إلى ثورة شعبية في مدن الجنوب ومصادمات عنيفة على خلفية التدهور الحاصل لأول مرة في التاريخ المعاصر للأردن.
تراوح التزام الأردن بتوصِـيات وشروط المؤسسات الدولية خلال فترة التسعينات بين سُـرعة في التطبيق وتراجُـع إلى الوراء، تحسُّـباً من الانعكاسات السياسية والاجتماعية لتراجع دور الدولة، وبالفعل، فقد أدّت الظروف الاقتصادية إلى أزمات متعدّدة وحالة من عدم الاستقرار وتكرّرٍ لحوادث العُـنف، وخاصة في عام 1996 أو ما عُـرف بـ “ثورة الخبز”.
مع عهد الملك عبدالله الثاني في نهاية 1999، كان واضحاً تركيز الملك الشاب على أوّلية الشأن الاقتصادي وكان الخيار الأساسي، السعي إلى إدماج الاقتصاد الأردني بالاقتصاد العالمي والالتزام ببرنامج الإصلاح الاقتصادي والتخصيص والتحوّل نحو القِـطاع الخاص، وهذا التحول الجذري في المسار الاقتصادي، أدّى إلى قفزات كبيرة وتسارع في جذب الاستثمار وبناء المناطق الصناعية المؤهَّـلة والتوقيع على الاتفاقيات الدولية وبناء إطار تشريعي، يتضمّـن خلق بيئة مناسبة للاستثمار.
أحد الاستحقاقات الرئيسة تمثّل في إعادة إنتاج دور الدولة الاقتصادي من خلال تقليص النفقات الجارية والدعم الذي تُـوفره الدولة للسِّـلع الأساسية والإسراع في التخصيص وتسليم السُّـوق بالكامل إلى القطاع الخاص.
أزمة الإصلاح الاقتصادي
النتائج الإيجابية كانت واضحة من خلال ارتفاع معدّل الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إذ بلغ خلال الربع الأول من العام الجاري 5.9%، وبدأ القطاع الخاص يأخذ دوره في خلق فرص عمل جديدة والتقليل من حدّة البطالة ورفع نسبة النمو الاقتصادي العام. وقد سعت الحكومات إلى استثمار عوائد التخصيص في مجال النفقات الرأسمالية وبناء البنية التحتية اللازمة لتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي.
في المقابل، فقد أدّى التحوّل الكبير في دور الدولة إلى نتائج سلبية عديدة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية – الأمنية.
أول هذه الأزمات بدت على الطبقة الفقيرة، التي تضرّرت كثيراً من رفع الدعم عن المواد الأساسية ومن انخفاض القُـدرة الشرائية للدينار، ما أدّى إلى حالة من التضخُـم الشديد وصل معدَّله لأسعار المستهلك في الربع الأول من عام 2007 إلى 8.2%.
وفي التقرير الأخير لدائرة الإحصاءات العامة، تبيَّـن أنّ هنالك خللاً كبيراً في معدّل إنفاق الأسَـر الأردنية. أول ملامح الخلل، يتبيَّـن في الفجوة بين ارتفاع مستوى الدخل السنوي الذي وصل إلى 11.3% مقارنة بمستوى ارتفاع إنفاق الأسرة، الذي وصل إلى 21.7%، وهي فجوة كبيرة تكشف بوضوح شديد عن ارتفاع معدل التضخم ومستوى خط الفقر العالي.
الفشل في السياسات الاجتماعية
الخلل البنيوي في برنامج الإصلاح، يشير إليه – تحديداً – تقرير مهِـم ومُـلفت (صدر عن مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي في واشنطن) بعنوان “إعادة النظر في برنامج الإصلاح الاقتصادي في الأردن: مواجهة الوقائع الاقتصادية والاجتماعية”.
ويرى معدّ التقرير الخبير في اقتصاديات الشرق الأوسط الدكتور سفيان العيسة، في تصريح خاص لموقع سويس انفو، أنّ “برنامج الإصلاح الاقتصادي لم يكن متوازناً ولا متَّـسقا،ً بخاصة مع السياسات الاجتماعية، ولا مع المراحل المطلوبة من تمكين الأفراد وإدماجهم في الدورة الاقتصادية”.
ويرى العيسة أن الأردن نجَـح في السَّـيطرة على مشكِـلاته الكُـلية من خلق أرقام نُـمو إجمالية جيِّـدة ومنع التضخم في المديونية العامة والالتزام ببرنامج إصلاحي عام، “لكنه فشل في تعميم عوائد النمو وعن حماية الطبقات الوسطى والفقيرة من غوائل التضخم”.
الملك يتدخل مباشرة!
على الرغم من الحماس الكبير الذي يُـبديه العاهل الأردني والنخبة المُـعَـوْلَـمة، المحيطة به، لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، إلاّ أنّ الشعور العميق بالقلق من الفشل في السياسات الاجتماعية انعكس بوضوح على خطابات المَـلك ونشاطاته وزياراته لمُـختلف المُـدن والمحافظات الأردنية في الفترة الأخيرة، إذ يسعى إلى التخفيف على الطبقات الفقيرة بوسائل عديدة، كبناء الإسكان وتقديم المساعدات والإعفاءات المختلفة وبناء المشاريع التنموية والمناطق الصناعية.
وكان النشاط الملكي والحكومي واضحاً قُـبيل شهر رمضان في السعي إلى محاربة محاولات التجّـار والقطاع الخاص، التلاعب بأسعار المواد الغذائية من خلال آليات رقابية شديدة، والتأكيد على دور الحكومة في مراقبة الأسعار ومعاقبة المخالفين وفي تشجيع بناء أسواق شعبية تقدم السلع بأسعار رخيصة للطبقة العامة.
القراءة الغائبة في السياسة الاقتصادية
اليقظة الرسمية الأخيرة تُـجاه السياسات الاجتماعية لا تزال في سياق الانتفاضة والمواقف الأوّلية، دون أن تتبلور في سياسات اجتماعية مُـقنعة تعيد تأسيس المسار لبرنامج الإصلاح والتفكير مرة أخرى بوجهة الاقتصاد الوطني، كما طالب تقرير كارنيغي السابق، لكن المتابع للجدل السياسي والإعلامي والقارئ لما بين السطور، يلحظ بوضوح الصِّـراع الحاد بين “النخبة المُـعَـولمة”، المحيطة بالملك، التي تتمركز في الديوان الملكي والمؤمنة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، وبين الحرس القديم داخل مؤسسات النظام المتخوِّف من الأبعاد الأمنية والسياسية للتضخُّـم والغلاء، وانعكاس ذلك على علاقة الدولة بالأفراد، خاصة بأبناء العشائر الأردنية الذين يشكِّـلون الشريحة الأكبر في القطاع العام والمؤسسات السيادية (الأمنية والجيش).
في هذا السياق، يمكن ملاحظة نمو التيار الإسلامي الراديكالي (السلفية الجهادية) في هذه المدن، المعروفة تقليدياً بولائها لمؤسسة الحكم، ما يعني أنّ هنالك قراءة غائبة للشق السياسي والأمني المرتبط بسياسات الإصلاح الاقتصادي، وهو ما يجعل المؤسسة الحاكمة دوماً بين خيارات قاسية بعيداً عن تأثير الاضطراب الإقليمي الشديد، الذي يساعد على نمو بذور الاحتقان الاجتماعي والراديكالية السياسية..
محمد أبو رمان – عـمان
عمان (رويترز) – قال مسؤولون يوم الاثنين 17 سبتمبر، إن واشنطن منحت الأردن، حليفها القوي في الشرق الأوسط، 78 مليون دولار إضافيا، معظمها مساعدات أمنية لتعزيز قدرات المملكة الدفاعية، لترتفع المساعدات الإجمالية لهذا العام إلى 532 مليون دولار.
وقالت وزيرة التخطيط سهير العلي للصحفيين عقب توقيع الاتفاقية مع السفير الأمريكي ديفيد هيل، إن المملكة سعَـت لزيادة قيمة المساعدات الإضافية التي تلقّـتها المملكة في السنوات الماضية لدعمها القوي للسياسات الأمريكية في المنطقة.
وقالت العلي، “كحكومة، نحن مستمرّون بالعمل مع الولايات المتحدة لزيادة نسبة المساعدات النقدية للميزانية”.
وهذه المساعدات هي إضافة على المنح السنوية الاقتصادية والعسكرية التي تبلغ 454 مليون دولار والتي تمّـت الموافقة عليها لهذا العام المالي، والذي ينتهي في 30 سبتمبر الجاري.
وقال مسؤولون، إن معظم المساعدات الإضافية مخصّـصة لتعزيز أمن الحدود والتدريب لمكافحة الإرهاب.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ضاعفت واشنطن المنح السنوية للأردن لحوالي 450 مليون دولار منها 250 مليون دولار في مساعدات اقتصادية و200 مليون دولار في مساعدات عسكرية.
ويحتج مسؤولون أردنيون على أن المملكة تحصل على مساعدات أقل من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة، كمصر وإسرائيل.
لكن يقول مسؤولون أمريكيون بأن برنامج المساعدات للأردن، هو من أكبر البرامج في العالم وأن المملكة حصلت على ما يزيد عن سبعة مليار دولار، منها أربعة مليار دولار مساعدات اقتصادية وثلاثة مليارات مساعدات عسكرية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 17 سبتمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.