“الانكماش في الولايات المتحدة، شرٌّ لا بـُد منه”
استعادت البورصات الآسيوية بعض قواها يوم الأربعاء 23 يناير غداة خفض الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بشكل مفاجئ لمعدل الفائدة إلى 3.50%. ولئن كان هذا القرار وضع حدا ليومين من الهلع في الأسواق المالية، فإن الحذر التام مازال يطغى على المُستثمرين.
وفي حديث مع سويس انفو، أوضح الخبير الاقتصادي ميشيل جيراردان، من الاتحاد المصرفي الخاص في جنيف، أن دخول الولايات المتحدة في مرحلة انكماش قد يكون صحيا، مشددا على ضرورة خروج الأمريكيين من المديونية المفرطة التي يعيشون فيها منذ أكثر من عقدين.
هبت رياح الفزع على البورصات العالمية في الآونة الأخيرة بسبب تخوف المستثمرين من شبح الانكماش الاقتصادي في الولايات المتحدة. لكن ذلك لم يفاجئ الخبير السويسري ميشيل جيراردان الذي ذكـّر في حديثه مع سويس انفو أن الأمريكيين يعيشون فوق إمكانياتهم منذ حوالي 25 عاما – أي منذ عهد رونالد ريغن.
سويس انفو: يـُنفق المستهلك الأمريكي بسهولة مالاً لا يمـلكه. ألا تتحمل المصارف التي تشجعه على ذلك مسؤولية ثقيلة في هذه الحالة؟
ميشيل جيراردان: تماما. إن الأمريكيين يعتادون منذ سن مبكرة على العيش بالدُّيون. فهم يتلقون يوميا في صندوق البريد خمسة إلى عشرة إعلانات لبطاقات ائتمان تتنافس من أجل توفير العرض الأقل تكلفة.
وحتى وقت قريب، كان بقدرتهم شراء منزل دون دفع أي أموال خاصة، وحتى دون التوفر على عمل. كان توقيع بسيط يكفي لإبرام الصفقة.
وبالفعل، ما نتوقعه اليوم هو إعادة تأهيل الاقتصاد الأمريكي من خلال قواعد لمنح الائتمان تتفق مع الواقع الذي نراه في باقي أنحاء العالم.
سويس انفو: ذكرتم بطاقات الائتمان. هل ستكون مسؤولة عن الأزمة المقبلة؟ ففي هذا المجال أيضا، يمكن أن نتصور أن عبء الديون ضخم…
ميشيل جيراردان: الأكيد اليوم أن المستهلك هو المسؤول الرئيسي عن المديونية الأمريكية؛ أكثر من الشركات أو الدولة، التي تحسنت حساباتها كثيرا منذ عهد كلينتون. عندئذ، يضخ البنك المركزي السيولة، ويخفض أسعار الفائدة بسرعة عالية بهدف إعطاء مُتنفس جديد لأولئك المستهلكين الذين يتعين عليهم دفع فوائد مُرتفعة على بطاقات الائتمان.
وصحيح أنه إذا ما دخلت الولايات المتحدة في فترة انكماش اقتصادي، ستنخفض الموارد وسيُفصل عدد من العمال. وحتى في حال سقوط معدلات الفائدة إلى مستويات منخفضة جدا، يمكن توقع حدوث مشاكل أيضا في قطاع بطاقات الائتمان.
سويس انفو : هل تعني هذه الأزمة نهاية حقبة الأرباح الضخمة للقطاع المالي الذي لا يمكنه مواصلة “كسب المال بالمال” إلى ما لا نهاية؟
ميشيل جيراردان: ولئن كان يمكن حدوث مبالغات في بعض القطاعات وفي أوقات معينة، لا يمكن خلق أرباح دون وجود نمو اقتصادي حقيقي، سواء في المصارف أو في أي مؤسسات أخرى.
يجب أن نعلم أن ما يُسمى بـ “الماليات”، سواء المصارف أو شركات التأمين، تمثل أكبر قطاع لمؤشر الأسهم العالمية، أي ما يعادل في رسملة السوق نحو 30% من المجموع؛ وهذا هو ما يُثقٍّل أسواق الأسهم اليوم. لأن نوعية أرباح البنوك والتأمينات ضعيفة إلى حد ما.
فعندما تكون الأسواق في حالة جيدة، تكون الأرباح جيدة أيضا، وفور حدوث تصحيح (بمعنى اضطراب الأسواق)، على غرار ما شهدته الأسواق المالية هذه الأيام، تعلن تلك الماليات، الواحدة تلو الأخرى، عن تسجيل خسائر.
وبالتالي، فعندما نتحدث عن الأرباح العالية بالنسبة للماليات، يجب أن نعلم أن الأمر يتعلق بمراحل دورية؛ إذ يمكن أن ينخفض النمو من 10% أو حتى أكثر إلى خسارة بنسبة تتراوح بين 5 و10% العام الموالي. وهكذا، بعد الأرباح التي سجلتها المصارف في عام 2007، سيكون 2008 عام الخسارة.
سويس انفو: أخيرا، هل يجب التخوف من حدوث انكماش في الولايات المتحدة؟
ميشيل جيراردان: إنني أظل إيـجابيا ومتفائلا بهذا الخصوص. الأمريكيون يهاجمون المشكلة الرئيسية، فالمصارف تنظف ميزانيتها وتفعل ذلك على الفور. على النقيض من ذلك، اختارت اليابان، لدى مواجهتها لوضع مماثل في أوائل التسعينات، إخفاء الجثث في الدواليب. وكانت النتيجة دخول البلاد في مرحلة انكماش وركود لم تخرج منها تماما إلى اليوم.
في الولايات المتحدة، يشهد التاريخ حاليا تغييرا سريعا جدا. فحتى الصيف الماضي، كانت تُؤخذ القروض غير المضمونة لتُلـَفّ في منتجات مُهيكلة ثم يُعاد بيعها إلى مصارف ألمانية على سبيل المثال…
واليوم، لم يعد هناك مشترون لهذا النوع من المنتجات. لكن الأمريكيين مازالوا في حاجة إلى رؤوس الأموال. وبالتالي فهم يلجئون إلى صناديق سيادية من الشرق الأوسط أو آسيا. ويأتي هؤلاء الناس ليبحثوا ميزانية المصارف وليقرضوها، ولكن ليس بأي شروط كانت.
وتظل مكافحة المديونية المُفرطة جزءا من الحل، وهذا يعني وجوب شد الحزام جيدا في مرحلة معينة. لذلك أعتقد، مع الأسف، أنه يجب النظر إلى الانكماش في الولايات المتحدة كشر لا بد منه.
سويس انفو – مارك-أندري ميزري
(ترجمته من الفرنسية وعالجته إصلاح بخات)
أكتوبر 1929: فقد مؤشر داو جونس 40% من قيمتة في أسبوع، ليدشن مرحلة كساد عميق.
أكتوبر 1987: خسر نفس المؤشر قرابة 23% من قيمته في يوم واحد، ثم تلته معظم المؤشرات.
أكتوبر 1997: أثر تراجع مفاجئ لبورصة نيويورك على البورصات الدولية، وفقدت أسعار الأسهم 8% من قيمتها في يومين.
30 سبتمبر – 2 أكتوبر 1998: تسبب الخوف من الانكماش في انهيار قارب 13% في ثلاثة أيام.
11 سبتمبر 2001: أدت الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في تراجع البورصات الأوروبية بأكثر من 7%. وظلت بورصة وُول ستريت مُغلقة لعدة أيام.
حاصل على دكتوراه في الاقتصاد السياسي من جامعة لوزان وعلى شهادة ماستر من مدرسة لندن للإقتصاد.
له تجربة تناهز 20 عاما في القطاع المصرفي الخاص في جنيف وزيورخ وفي آسيا.
عمل أيضا في ميلانو الإيطالية كمتخصص في الشؤون الاقتصادية مسؤول عن إيطاليا في وكالة تصنيف الإئتمان الدولية “ستاندارد أند بورز”.
هو اليوم عضو في إدارة “الاتحاد المصرفي الخاص – الإدارة المؤسسية” (UBP Gestion Institutionnelle)، وهو فرع لمجموعة UBP.
يكتب بانتظام في أعمدة الصحافة السويسرية والأجنبية. كما يلقي دروسا في المدارس التجارية العليا في جامعة لوزان.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.