البرلمان الفدرالي يوافق على خطة إنقاذ يو بي أس
وافق البرلمان الفدرالي بغرفتيه على الخطة التي وضعتها الحكومة والبنك الوطني السويسري لإنقاذ أكبر مصرف في البلاد. ولم ينجح اليسار – رغم محاولاته المستميتة – في إرفاق القرض الممنوح من طرف الكنفدرالية بضمانات مالية أو بآليات مراقبة أكثر صرامة لمصرف يو بي أس.
ظهر الثلاثاء 9 ديسمبر، انضم مجلس الشيوخ إلى مجلس النواب ومنح موافقته للخطة الرامية إلى إنقاذ المصرف لكنه فاجئ الجميع بإقرار مقترح تقدم به اليسار (بـ 18 صوتا مقابل 17 ) يشترط قيام مسيري يو بي أس بإرجاع العلاوات “غير المتناسبة” التي تحصلوا عليها خلال السنوات الخمس الماضية.
وكان مجلس النواب قد فشل بالأمس في إقرار هذا الشرط المثير للجدل من الناحية القانونية، إلا أن تأييد عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي المسيحي للفكرة أدى إلى حدوث المفاجأة وإعادة المسألة إلى مجلس النواب للتصويت عليها مجددا.
وفي النقاش الذي دار عشية الإثنين 8 ديسمبر أمام مجلس النواب، ذكّـر وزير المالية رودولف ميرتس البرلمانيين بخطورة المسألة على المستويين الإقتصادي والإجتماعي مشيرا إلى أنه “من بين عملاء يو بي أس توجد 130000 مؤسسة صغرى ومتوسطة سويسرية. كما أن مرتبات مئات الآلاف من السويسريين تحول على حساباته. ويبلغ حجم المعاملات الجارية بين البنوك التي تدار من طرف يو بي أس 50 مليار فرنك. إضافة إلى ذلك، هذا البنك هو الأول على المستوى العالمي في قطاع إدارة الثروات”.
وأوضح عضو الحكومة الفدرالية أنه “إذا أخذنا بعين الإعتبار كل هذا لا يمكن إلا الوصول إلى نتيجة مفادها أن يو بي أس يحظى بأهمية اقتصادية كبيرة لسويسرا. إن استقرار الوضعية المالية لمصرف يو بي أس يؤدي إلى تهدئة الساحة المالية بأكملها”.
وفي الواقع، لم يجادل أحد خلال الجلسة الإستثنائية التي خصصها مجلس النواب يوم الإثنين 8 ديسمبر لمناقشة الإجراءات المتخذة لتعزيز النظام المالي السويسري في أن خطة الإنقاذ التي وضعتها الحكومة الفدرالية والمصرف الوطني السويسري في شهر أكتوبر الماضي لإنقاذ المصرف كانت ضرورية. وفي ختام نقاش تخلله عدد كبير من المداخلات، تمت المصادقة على الخطة بـ 116 صوتا مقابل 55.
انتهاك للدستور
في مقابل ذلك، احتج نواب من الخضر واليسار على الطريقة والإجراءات التي لجأت إليها الحكومة للتمرير المستعجل للقرض الذي تبلغ قيمته 6 مليارات من الفرنكات (والذي تم تحويله فور مصادقة مجلس الشيوخ على الخطة بـ 22 صوتا مقابل 2 واحتفاظ 7 نواب بأصواتهم)، واعتبروا أن الحكومة الفدرالية باعتمادها لحل المرسوم المستعجل قد قفزت على الصلاحيات التشريعية للبرلمان.
وقال بول ريخشتاينر، النائب الإشتراكي “هذه الحزمة لإنقاذ يو بي أس تشكل انتهاكا للدستور لم يُشاهد نظير له في التاريخ القريب لسويسرا منذ مراسيم الطوارئ التي اعتمدت في عام 1939 لمواجهة تهديد هتلر”.
وعبر النائب عن استياءه من تمكن مساهمي مصرف يو بي أس من التعبير عن موقفهم بخصوص الـ 68 مليار فرنك التي سيحصل عليها المصرف من الكنفدرالية ومن البنك الوطني السويسري في حين أن أولئك المدعوين لدفع هذا المبلغ الهائل من جيوبهم “لن يتمكنوا من قول أي شيء”، على حد تعبيره.
رؤى اقتصادية متعارضة
عدم الرضى الذي بدا واضحا في مداخلات العديد من نواب اليسار لخصه النائب لويس شيلبيرت (عن حزب الخضر من لوتسرن) بالقول: “باعتبارنا ممثلين للشعب نحن مدعوون لمناقشة مبلغ نصف مليون فرنك مخصص لمتحف جبال الألب. في المقابل، لا يُفترض أن نقول شيئا بخصوص قرض بقيمة 68 مليار فرنك؟ إن أمرا من هذا القبيل غير مقبول في ديمقراطيتنا!”.
مرة أخرى، كشف النقاش البرلماني بوضوح عن وجود رؤيتين متعارضتين للإقتصاد. فبالنسبة لليسار، لا يمكن أن تُـحـمـل المسؤولية في هذه الأزمة التي هزت الأسواق المالية إلى جشع (وطمع) بعض المسيرين لكنها تقيم الدليل على انهيار مُجمل النظام النيوليبرالي.
وفي هذا السياق صرح هانس يورغ فيهر، النائب الإشتراكي من شافهاوزن “قبل عشرين عاما انهارت الشيوعية ضحية لتسيير الدولة المبالغ فيه وغياب الحريات الممنوحة إلى مواطنيها. واليوم وصلت الرأسمالية النيوليبرالية (السائرة على طريقة الكازينو) أيضا إلى نهايتها في أعقاب عدم توفر رقابة الدولة ونتيجة للحريات المبالغ فيها الممنوحة للمضاربين وقناصي الفرص”.
تحسين إجراءات الرقابة.. ضرورة
في سياق متصل، أقر ممثلون عن الوسط واليمين بارتكاب أخطاء واعترف مارتن باومليه من حزب الخضر الليبراليين أن “المصارف وأجهزة مراقبة المصارف والبنوك المركزية – وخاصة في الولايات المتحدة – ارتكبت أخطاء. جميعها كانت تريد تحقيق أرباح سريعة بسبب الطمع. لكننا نحن رجال السياسة، ونحن المواطنون لم نشتكي طالما استمرت مردودية ودائعنا وصناديق تقاعدنا في الإرتفاع السريع”.
في المقابل، اعترضت الأحزاب البورجوازية على أي تدخل من جانب الدولة لمزيد تنظيم القطاع المصرفي وقال ماركوس هوتر، النائب الراديكالي من زيورخ: “لقد جاءت هذه الأزمة المالية بريح مواتية لدعاة الإنعزال الإقتصادي ورقابة الدولة. فالأسواق ليست بحاجة للمزيد من الإجراءات الرقابية، بل إلى مراقبة أفضل”.
رفض طلبات اليسار
وتبعا لذلك، رفض نواب الوسط واليمين سلسلة طويلة من الطلبات التي تقدم بها اليسار لتعزيز الرقابة على الأنشطة المصرفية في سويسرا وللحد من مخاطر الخسائر المحتملة للدولة في صورة ما لم تتحسن الوضعية المالية لمصرف يو بي أس في الأعوام القادمة.
يُشار إلى أن المقترح الداعي إلى إرغام المسؤولين السابقين في مصرف يو بي أس على إعادة العلاوات والمنح الضخمة التي تلقوها خلال السنوات الأخيرة قد تم رفضه بفارق صوت واحد (هو صوت رئيسة مجلس النواب السيد كيارا سيمونيسكي – كورتيزي)، لكن موافقة مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء 9 ديسمبر على هذا المقترح أعاد الأمور إلى المربع الأول حيث سيصوت أعضاء الغرفة السفلى مجددا عليه خلال هذه الدورة.
سويس انفو – أرماندو مومبللي
يوم الخميس 16 أكتوبر 2008، قررت الحكومة الفدرالية والبنك الوطني السويسري واللجنة الفدرالية للبنوك، تنفيذ جملة من الإجراءات لزيادة استقرار النظام المالي السويسري وتعزيز الثقة بشكل مستدام إزاء السوق المالية السويسرية. وشكل هذا التدخل القوي في القطاع الاقتصادي سابقة بالنسبة للدولة السويسرية.
نصت خطة الإنقاذ على تعزيز الكنفدرالية لقاعدة رأسمال اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس”، أكبر بنوك البلاد، من خلال الإسهام في قرض مُلزم التحويل بمبلغ 6 مليار فرنك. وقد تمت المصادقة على القرض الضروري من قبل لجنة الشؤون المالية في البرلمان الفدرالي. وفي نهاية المطاف، قد تمتلك الدولة 9,3% من أسهم يو بي إس.
يُقتطع المبلغ من أموال الكنفدرالية بدون التأثير على توازن صناديق الأموال الفدرالية. ويفترض أن يجلب القرض أكثر من 700 مليون فرنك سنويا للكنفدرالية بفضل معدل فائدة يستقر في 12,5%.
بموازاة ذلك، تم إنشاء شركة مخصصة لشراء وإدارة الأصول السامة ليو بي إس. وستُمول الشركة، التي تقرر أخيرا أن يكون مقرها ببرن، من طرف المصرف المذكور بمبلغ 6 مليار دولار (كحد أقصى)، وبقرض من البنك الوطني السويسري بقيمة 54 مليار دولار (كحد أقصى).
في حالة تسجيل خسائر، لن يُقيد يو بي إس بواجب السداد. وفي حالة تسجيل أرباح، سيذهب المليار الأول و50% من رأس المال المتبقي (المحتمل) إلى البنك الوطني السويسري، بينما ستذهب بقية الأموال إلى مصرف يو بي إس.
بالإضافة إلى ذلك، سيتعين على وزارة المالية أن تقدم للحكومة الفدرالية، حتى نهاية مارس 2009، مشروع تنقيح مُعمق لمجمل النظام المعتمد لضمان الودائع في المصارف السويسرية. فيما يتوجّب لدخول الخطة حيّز التنفيذ، موافقة البرلمان عليها خلال الدورة الشتوية (تنعقد من 1 إلى 19 ديسمبر 2008)، وهو ما تم فعلا يوم 9 ديسمبر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.