البريد بين الضغوط الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية
قرر البريد السويسري فصل 3500 شخص من العمال والموظفين، وإعادة تنظيم مراكز فرز الرسائل بطريقة ليست مرضية للعمال والنقابات وكذلك للمستهلكين.
لكن وزير المواصلات M. Leuenberger، يؤكد أن الهدف من الخطة هو ضمان خدمات البريد وأماكن العمل في كل أنحاء سويسرا
في ركب الإجراءات الجارية منذ بضع سنوات لتحرير الأسواق البريدية في سويسرا بمعنى فتح هذه الأسواق للمنافسة، لم تعد الخدمات البريدية خدمات حكومية رسمية، ولكن من الخدمات التي تخضع لما يعرف بأحكام المصلحة العامة والتي تتميّز عن غيرها من المصالح والمؤسسات الاقتصادية بالمعنى المجرّد.
فانتقال هذه الخدمات البريدية تدريجيا للقطاع الخاص، يفترض الاستقلالية المالية التامة، أي تحقيق الأرباح الكافية التي تمكنها من التمويل الذاتي، ومن الاستغناء عن المساعدات الحكومية، أي عن أموال الضرائب لتغطية أي عجز مالي لنشاطاتها كما هو الحال جزئيا حتى الآن.
لكن الأمور ليست بهذه السهولة، لأن الخدمات البريدية التي لا تزال تعتبر من المصالح العامة، عليها أن تؤدي هذه الخدمات حتى في المناطق النائية ذات الكثافة السكانية القليلة وبخسائر لا تنكر أحيانا، نظرا لعدم وجود الأسواق الضرورية للأعمال البريدية المربّحة في تلك المناطق.
نهاية الاحتكار وبداية المنافسة الجادّة
ومنذ الشروع في تحرير أسواق البريد، سارع البريد السويسري لإعادة التنظيم والهيكلة، أي لتركيز أو تجميع مكاتب البريد وتعديل الرسوم البريدية، لمواجهة المنافسة التي نشطت تدريجيا في الأسواق بسبب الهاتف النقال أو نشأة شركات خاصة لنقل الطرود البريدية وغيرهما.
فقد احتفظ البريد السويسري حتى الآن باحتكار معالجة وفرز الرسائل والطرود البريدية التي يقل وزنها عن ثلاثة كيلوغرامات. وفيما يتعلق بخدمات الرسائل، فإنها تواجه منافسة شديدة ومتصاعدة من جانب البريد الإلكتروني وخدمات الفاكس وشتى وسائل الاتصال الإلكتروني الحديثة وشبه المجانية بالنسبة للمستهلكين.
ولهذا السبب، لم يعد البريد السويسري في حاجة لجميع المراكز، 18 لمعالجة الرسائل في مختلف أنحاء البلاد، وقرر خفضها إلى 3 فقط، تكفي بعد تجهيزها بالتجهيزات الإلكترونية الأوتوماتيكية العصرية، لفرز الرسائل والدفع بها إلى مختلف الاتجاهات المطلوبة.
ويجعل هذا القرار مؤسسة البريد السويسرية في غنى عن 3500 موظف من 8500 موظف يعملون في هذه الأقسام، كما يمكّن البريد مستقبلا من توفير حوالي 200 مليون فرنك في العام، بعد استثمار حوالي مليار فرنك في تجهيز المجمّعات الرئيسية الثلاثة الباقية لمعالجة الرسائل.
وماذا عن المسؤوليات الاجتماعية؟
لكن هذا القرار يُثير السخط العام، ليس بين النقابات والموظفين فحسب، وإنما بين بعض السكان، خاصة في الأرياف والمناطق الجبلية لأنهم سيُحرمون من مكاتب البريد ومن التسهيلات القريبة جدا من ديارهم.
إلا أن الموظفين والنقابيين يتذمّرون لأمر آخر، وهو أن البريد السويسري الذي لا يزال مصلحة عامّة ويعتبر ثاني أكبر أصحاب العمل في هذا البلد، يقلب ظهر المجن لمفاهيم المسؤولية الاجتماعية المطلوبة من القطاعات الاقتصادية، حفاظا على عقد سلم العمل الذي يلتزم به الشركاء الاجتماعيون رسميا منذ نهاية الحرب الثانية.
كما يخشى الموظفون والنقابيون المحتجون في مختلف أنحاء سويسرا على فصل 3500 من زملائهم، على أن تكون هذه هي البداية لفصل المزيد من العمال والموظفين البريديين مستقبلا، في إطار عمليات الخوصصة وإعادة تنظيم الخدمات البريدية.
جورج انضوني – سويس إنفو
اتخذ البريد السويسري القرار بفصل 37% من العاملين في 18 من أقسام معالجة الرسائل البريدية، في إطار العمليات الجارية لتعصير نظام فرز وتوزيع الرسائل الذي أصبح من الخدمات المكلفة التي تتسبب في خسائر كبيرة. وقد قوبل القرار بالتفهّم من وجهة النظر الاقتصادية، وبالشجب لمضاعفاته الاجتماعية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.