البنوك تدافع عن نفسها
ردت البنوك السويسرية بقوة على الاتهامات الموجهة إليها من قبل بعض المنظمات غير الحكومية، التي اعتبرت أن السرية المصرفية تساعد على تهريب الأموال من دول العالم الثالث.
رابطة البنوك السويسرية أكدت على ضرورة النظر في الأسباب التي تجعل أصحاب الودائع ينقلونها إلى خارج بلدانهم، بدلا من التشكيك في نزاهة البنوك.
المد والجزر بين البنوك السويسرية والمنظمات غير الحكومية، لا سيما تلك العاملة في المجالات التنموية، لا ينقطع. فلا تترك تلك المنظمات أية فرصة للتنديد بالسرية المصرفية، ولا تتوانى البنوك في الدفاع عنها، مستغلة بذلك كافة الأسلحة، بما في ذلك السياسية منها.
وكان آخر فصول الاتهامات المتبادلة بين البنوك السويسرية والمنظمات غير الحكومية، قد اندلع عشية التحضير للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الذي انعقد في أواخر يناير الماضي، حين اتهمت منظمة “إعلان برن” غير الحكومية البنوك السويسرية بأنها تساهم في تدمير اقتصاديات دول العالم الثالث، من خلال استضافتها لمليارات الدولارات من تلك الدول، التي تُحرم من الضرائب المفروضة عليها.
وقالت المنظمة في عريضة اتهامها بأنه لا يتم تحصيل الضرائب على ما بين 70 و 90 % من إجمالي الأموال المودعة في سويسرا والتي تبلغ 2000 مليار فرنك، وأن الدول التي جاءت منها تلك الأموال تخسر تلك العوائد، التي من شأنها أن تنقذ شعوبا من حافة الفقر أو تساهم، ولو بالنزر القليل، في دعم اقتصادها.
في المقابل، ردت البنوك السويسرية في مناسبة التئام اجتماعها السنوي في زيورخ يوم 25 فبراير الجاري، قائلة على لسان رئيس رابطتها اورس روت، بأنه “عندما تغيب الحقائق، يسهل التعامل مع الأرقام والإحصائيات بشكل غير دقيق”. وأكد روت على أن سرية الحسابات المصرفية ليست السبب وراء خروج الأموال من بلدانها، بل “يجب البحث عن الطريقة التي تخرج بها من هناك” على حد تعبيره.
وأشار أورس روت إلى أن أغلب الدول النامية لا تعرف نظما جيدة لاستثمار الأموال، ولا تصلح لأن تكون ساحة مالية جذابة، بسبب عدم الاستقرار السياسي في أغلبها، وتخبط سياساتها الداخلية.
الرأي العام يدعم البنوك!
كل هذه الأسباب، حسب رأي رئيس رابطة البنوك السويسرية، هي التي تدفع بأصحاب رؤوس الأموال في الدول النامية إلى الفرار بثرواتهم إلى الخارج، وليس مبدأ سرية الحسابات المصرفية.
ولفت إلى أن هذه الأموال لا تستقر فقط في الخزائن السويسرية، بل تحط الرحال أيضا في فرانكفورت ولندن وباريس ونيويورك.
علاوة على ذلك، يشير السيد اورس روت إلى أن الاستقرار السياسي والاقتصادي في سويسرا، والحياد المعروف عنها، هي من أكثر عوامل الجذب التي يتأثر بها أصحاب رؤوس الأموال، وهي التي تدفع بهم إلى وضع ثقتهم في النظام المصرفي الحالي.
ولا يأتِ دفاع رابطة البنوك السويسرية عن سياساتها دون الاستناد إلى خلفيات أخرى، غير تلك التي ساقها رئيسها في اجتماعها السنوي الأخير.
فقد أظهر استطلاع للرأي مولته الرابطة مؤخرا، أن 76% من المشاركين فيه يؤيدون الإبقاء على مبدأ السرية المصرفية، وأن 59% يرون أن الحكومة تدعم ذلك بوسائل جيدة، بينما اعتبر 53% أن نظرتهم إلى البنوك إيجابية.
نقد بناء، وبحث عن الأفضل!
ولم يكتف رئيس رابطة البنوك السويسرية بالدفاع عن سياسة المؤسسات المالية، بل ندد أيضا بتجاهل مناهضي العولمة للإيجابيات التي ظهرت من ورائها. حيث قال إنه لا يجب إغفال حقيقة أن حجم التبادل التجاري للدول النامية قد ارتفع من 23% إلى 30% في التجارة الدولية.
ولم يخل المؤتمر السنوي لرابطة البنوك السويسرية من النقد الذاتي. إذ حث رئيسها العاملين في الحقل المصرفي على مزيد من الشفافية في التعامل، والتنسيق بين المؤسسات المالية في الداخل، للوصول بخدماتها إلى الحد الأقصى، وذلك لفائدة المستهلك والساحة المالية السويسرية على حد سواء.
لا مساس بالسرية !
ولأن البنوك هي أحد دعائم الاقتصاد السويسري، فقد أعلنت رابطتها عن تشكيل مجموعة بحث تدرس كيفية تطوير الأداء المصرفي. وستنظر المجموعة في سبل تأهيل العاملين الجدد ورفع كفاءة المشتغلين في البنوك، وتطوير الكوادر العليا للوقوف على آخر المستجدات في أساليب المعاملات البنكية والاستثمارات. ومن المنتظر أن تعلن المجموعة عن مقترحاتها وأفكارها مع حلول منتصف هذا العام.
على الصعيد السياسي الرسمي، لم يعد من المتوقع أن تقبل الحكومة الفدرالية بأية ضغوط خارجية من أي نوع حول ملف سرية الحسابات المصرفية. ومهما طالت المفاوضات بينها وبين الاتحاد الأوروبي، فالموقف السويسري الرسمي من هذا الملف أصبح معروفا للجميع، ودخل في عداد “المحرمات” التي لا يجب الاقتراب منها.
تامر ابو العينين – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.