البيئة.. ملف حاسم في الانتخابات الفدرالية
تتواصل الاستعدادات في سويسرا للانتخابات البرلمانية، المقرر إجراءها في نوفمبر القادم، وتحرص الأطراف المعنية على استخلاص الدروس من الفترة النيابية، التي توشك على الانتهاء.
خمس منظمات مدافعة عن البيئة أصيبت بخيبة أمل من أداء البرلمان الحالي تُـجاه الملف البيئي، أعدّت “ترتيبا بيئيا” للنواب المغادرين وللمرشحين الجدد.
نتائج هذا الترتيب لم تشتمل على مفاجآت ضخمة، لكن المؤكّـد هو أن المسائل المتعلقة بالبيئة عموما، ستكون حاضرة بقوة في نتائج انتخابات أكتوبر القادم، نظرا لأنه لم يعد بإمكان أحد تجاهل حجم تأثيرها على مستقبل البلاد.
ومع اقتراب موعد الاقتراع، تحتدم المنافسة بين الأحزاب السياسية حول القضايا البيئية، وتسعى تيارات اليمين باجتياح ميدان، استوطنت فيه تيارات اليسار منذ زمن بعيد.
في هذا السياق، قامت خمس منظمات سويسرية كبرى، تُـعنى بملف البيئة والدفاع عنها، وهي جمعية النقل والبيئة والسلام الأخضر وبروناتورا والصندوق العالمي لحماية الطبيعة، بتحليل لـ 22 تصويت مهمّ جرى في مجلس النواب الفدرالي خلال السنوات الأربع الماضية، سمح لها ببلورة “ترتيب بيئي” للنواب.
هذا الترتيب، الذي نُـشر يوم 26 يونيو، أحصى النواب المعنيين بالبيئة في معظم المجموعات البرلمانية، كما كشف عن الاستقطاب المتزايد في صفوف الطبقة السياسية.
فمن جهة، هناك الخُـضر والأغلبية الساحقة من الاشتراكيين، أما الحزب الديمقراطي المسيحي، فقد احتلّ – كعادته – الوسط، حيث أن نصف نوابه أبدوا اهتماما بالبيئة.
على يمين الخارطة السياسية، لا يثير هذا الموضوع اهتمام أكثر من ربع النواب الراديكاليين، في حين لا تزيد هذه النسبة عن 5% في صفوف النواب الأعضاء في حزب الشعب السويسري (يمين متشدد).
شيء من التاريخ
بالعودة إلى الوراء، يُـذكّـر بيتر كنوبفل، أستاذ السياسات العمومية في معهد الدراسات العليا للإدارة العمومية في لوزان، أن “الاهتمام بالبيئة، قد بدأ في الثلاثينات والأربعينات، وكان محتكرا في تلك الفترة من طرف اليمين، الذي كان متمسِّـكا بالقِـيم الوطنية، التي اعتبرها اليسار، رجعِـية حتى في الستينات”.
ومع تطور الحركة المناهضة للطاقة النووية، انقلبت التوجهات ومنح القانون في السبعينات الحق للمواطنين في الإدلاء برأيهم في الجدل القائم حول هذه القضايا، وقد تعزز هذا المكسب في عام 1983 بفضل “إحدى القوانين البيئية الأكثر تقدمية في أوروبا”، برأي بيتر كنوبفل، لكن هذا القانون يثير انزعاجا متزايدا منذ التسعينات.
الحق في الاعتراض موضع تساؤل
في هذا السياق، تتكثف الهجومات على حق الاعتراض الممنوح للمنظمات المدافعة عن البيئة، ويشير بيتر كنوبفل إلى أن هذه المنظمات “هي الوحيدة التي تسهر على أن لا تهدد البنايات الكبرى البيئة”.
ويضيف الأستاذ الجامعي “في مقابل هذه المنظمات، هناك وسط اليمين، الذي يسعى إلى تسريع عملية إنجاز المشاريع، خصوصا منذ الأزمة الاقتصادية في التسعينات”، منوها إلى أن “هذه المواجهة تتعزّز يوما بعد يوم”.
الأكيد، هو أن هناك مبرر لقلق كبار المقاولين، نظرا لأن ما لا يقل عن 60% من الاعتراضات التي تقدم بها المدافعون عن البيئة، قد تم قبولها من طرف المحكمة الفدرالية، وتبعا لذلك، اعتمد البرلمان، بعد نقاشات حامية، مراجعة القانون المتعلق بحماية البيئة في شهر ديسمبر 2006، الذي تضمن تضييقات لحق الاعتراض، تشمل تخفيف دراسات التأثير المطلوبة وتسريع الإجراءات وتحميل الطرف الخاسر للقضية لمصاريف العدالة.
هجوم اليمين الراديكالي
هذه التحويرات لم تكن كافية بالنسبة للراديكاليين، فقد اقترحوا في مبادرة شعبية أطلقوها في شهر يونيو الماضي، باستبعاد اللجوء إلى حق الاعتراض في المشاريع التي حصلت على الموافقة عبر تصويت شعبي أو من طرف مجلس تشريعي منتخب (سواء كان على مستوى البلدية أو الكانتون أو الفدرالية).
المثير هنا، هو أن الحكومة قررت أن تدعم هذه المبادرة، وهو ما يمثل تراجعا (قوبل بمشاعر متباينة من طرف الطبقة السياسية) عن مواقف سابقة، وخاصة من طرف وزير البيئة والمواصلات موريتس لوينبرغر، لكن بيتر كنوبفل لا يمنح هذه المبادرة أي حظوظ للنجاعة، ويقول “في عمليات اقتراع سابقة، رفض الشعب دائما مشاريع البرلمان والحكومة، التي يُـمكن أن تُـلحق الضرر بالبيئة”.
في انتظار ما ستُـسفر عنه هذه التطورات، لم يعد بإمكان أي كان أن يتجاهل القضية الجوهرية، المتمثلة في تضاؤل كميات الطاقة المتوفرة والارتباط بمصادر خارجية للحصول عليها، بل إن التحدي أصبح كبيرا إلى الحد الذي لا تكفي معه الحلول البسيطة من قبيل تشييد المزيد من محطات توليد الطاقة النووية.
ويأسف بيتر كنوبفل لغياب بعض الأحزاب عن هذا النقاش الجوهري واكتفائهم بالتدخل عند اقتراب المواعيد الانتخابية، لكنه يؤكّـد أنه “سيتوجب عليهم الاهتمام بالموضوع”.
المهم، أن موعد الانتخابات العامة في أكتوبر يقترب وأن المنظمات المدافعة عن البيئة، التي أعدّت “ترتيبا بيئيا” للساسة السويسريين، لم تكتف بنشر تصنيفهم، بل طرحت 10 أسئلة محددة على المرشحين لخوض الانتخابات القادمة لمساعدتهم على تحديد “ملامحهم البيئية” وتمكين الناخبين بالتالي من اتخاذ قرارهم، أما النتيجة، فستُـعرف يوم 21 أكتوبر 2007.
سويس انفو – إيزابيل أيشنبيرغر
(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)
أظهر الترتيب البيئي، الذي أعدّته أهم المنظمات المدافعة عن البيئة في سويسرا، أن النواب الخُـضر (94%) والاشتراكيين (92%) يصوتون في الأغلبية الساحقة من الحالات لفائدة البيئة.
على يمين الخارطة السياسية، لا يثير هذا الملف الكثير من الحماسة في صفوف الراديكاليين (22%)، بل يعاني من إهمال شِـبه مطلق في أوساط اليمين المتشدد (5%)، أما الحزب الديمقراطي المسيحي، فيُـمسك العصا من الوسط (51%).
أشار الترتيب، إلى أنه توجد في كل المجموعات البرلمانية تقريبا، أصوات تتميز بدفاعها عن البيئة.
من جهة أخرى، تزيد هذه القضايا من ظاهرة الاستقطاب السياسي الملاحظ في مجلس النواب، فقد ارتفع عدد النواب المرشحين لخوض انتخابات أكتوبر، والذين رفضوا جميع المقترحات المتعلقة بالبيئة، من 16 إلى 28 شخصا مقارنة بالفترة التشريعية السابقة، في حين ارتفع عدد النواب، الذين صادقوا على جميع تلك المقترحات من 11 إلى 24 شخصا.
تخفيض كمية انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بـ 30% (بالنسبة لعام 1990) على الأقل من الآن وإلى عام 2020.
انتهاج سياسة تهيئة ترابية مستديمة لحماية الفضاءات الطبيعية والتنوع البيئي، والإبقاء على حق الاعتراض، الذي تتمتع به المنظمات المعنية.
إغلاق محطات توليد الطاقة النووية.
تطوير شبكة نقل عمومي أكثر نجاعة للتخفيف من الازدحام المروري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.