“البيان رقم واحد في الحرب ضد العراق”
هكذا وصف المحللون العسكريون في واشنطن ما جاء في خطاب الرئيس بوش السنوي حول "حال الأمة" بشأن الملف العراقي.
لكن الرئيس الأمريكي يحتاج إلى تقديم أدلة قاطعة لا مجال للتشكيك فيها لإقناع الرأي العام داخل الولايات المتحدة وخارجها بضرورة شن الحرب ضد بغداد.
خصص الرئيس بوش مُعظم خطابه عن حالة الاتحاد لطرح مبادرات لعلاج المشاكل الداخلية مثل خفض الضرائب وزيادة الاستثمار لتنشيط الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من الكساد، وتحسين مستوى الرعاية الصحية، وتوفير التأمين الصحي لكل مواطن، خاصة المسنين، وتطوير برامج الطاقة البديلة لتقليص الاعتماد على البترول المستورد وحماية البيئة، ومكافحة المخدرات والاستنساخ البشري.
وعندما انتقل الرئيس إلى القضايا الخارجية، أشار الرئيس إلى “إنجاز أمريكا لمهمة تحرير أفغانستان من القمع والإرهاب وبدء عملية البناء”، وتطرق الرئيس إلى ضرورة أن تقود الولايات المتحدة الجهود الدولية لمساعدة إفريقيا على مكافحة مرض الإيدز.
وفي إشارة خاطفة إلى الصراع العربي الإسرائيلي، شدد الرئيس بوش على أن الولايات المتحدة ستواصل سعيها لـ “تحقيق السلام في الشرق الأوسط وضمان أمن إسرائيل، وإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية”.
ثم خصص الرئيس باقي خطابه للحديث عما وصفه بتصدي أمريكا للإرهاب، والانتصارات التي حققتها في حربها ضد الإرهاب التي بدأت قبل 16ستة عشر شهرا. وقال إن الولايات المتحدة تمكنت وبمساعدة دول أخرى من ملاحقة واعتقال وتصفية نحو 3000 من أعضاء تنظيم القاعدة لن يهددوا العالم بعد الآن، وأن الولايات المتحدة كثفت إجراءات الأمن لرصد أي احتمال لشن هجمات إرهابية جرثومية بالإضافة إلى شبكة الدفاع ضد الصواريخ الموجهة.
وطالب الرئيس بتوحيد جهود مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات الأمريكية ووزارة الأمن الداخلي التي استحدثها لمواجهة أخطار الإرهاب وحماية المواطنين الأمريكيين.
البيان رقم 1
وفيما وصفه المحللون العسكريون في واشنطن بت “البيان رقم 1 في الحرب” التي يعتزم الرئيس بوش شنها لنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، قال الرئيس بوش في خطابه إن الخطر الأكبر في الحرب ضد الإرهاب في عالم اليوم هو وجود عدد من النظم المارقة التي قد تستخدم أسلحة الدمار الشامل في القتل الجماعي وقد تزود بها حلفاءها من الإرهابيين.
وقال الرئيس بوش “إن دكتاتور العراق لم يقرر نزع ما لديه من أسلحة الدمار الشامل بل إنه واصل العمل على حيازتها وإخفائها وخداع المجتمع الدولي، وإذا لم يقم صدام حسين بنزع تلك الأسلحة طواعية فستقود الولايات المتحدة تحالفا دوليا لنزعها بالقوة”. وفي إشارة إلى اعتراضات دول أخرى في مجلس الأمن على التسرع الأمريكي باتجاه شن الحرب، قال الرئيس بوش “إن مصير أمريكا لا يعتمد على قرارات الآخرين”.
وحاول الرئيس بوش تهيئة الشعب الأمريكي للحرب المحتملة ضد العراق فقدم ما يرى أنها أدلة على انتهاك النظام العراقي لقرار مجلس الأمن رقم 1441، فقال “إن العراق لا يزال يحتفظ بـ 25000 لتر من الجمرة الخبيثة تكفي لقتل ملايين البشر، وأكثر من 38000 لتر من السموم الكيماوية”، كما أن لدى المخابرات الأمريكية دلائل تثبت قدرته على إنتاج أطنان من الغازات السامة مثل غاز الخردل، ومرافق متنقلة لإنتاج الأسلحة البيولوجية، كما أنه رفض السماح باستخدام طائرات الاستطلاع لخدمة المفتشين الدوليين، ولم يسمح لهم بمقابلة العلماء العراقيين على انفراد فيما يعمل رجال الأمن العراقيين على إخفاء الوثائق والمواد المتعلقة بإنتاج أسلحة الدمار الشامل.
“يوم الحرية”
وأشار الرئيس إلى أن المخابرات الأمريكية لديها أدلة على وجود علاقة للنظام العراقي بأعضاء في تنظيم القاعدة، وبذلك سيمكن له مساعدتهم في تطوير أسلحة دمار شامل قد تهدد الأمن الأمريكي وتشيع رعبا لم يسبق له مثيل في المجتمع الأمريكي حسب قوله.
ووجه الرئيس بوش كلمة إلى أفراد القوات المسلحة الأمريكية في منطقة الخليج، قال فيها إن ساعات حاسمة ربما تنتظرهم في الشرق الأوسط، وأن التدريبات التي يقومون بها قد هيأتهم للمهمة، وأنه لو فرضت الحرب على الولايات المتحدة فستقاتل بكل قوة وستحقق النصر وستكون مستعدة لدفع ثمن السلام بالتضحيات والمآسي.
كما وجه الرئيس كلمة إلى الشعب العراقي، قال فيها إن عدوهم ليس ما يحيط بهم ولكنه من يحكمهم وأن يوم الخلاص من النظام العراقي سيكون يوم الحرية للشعب العراقي. ودعا الرئيس بوش مجلس الأمن للاستماع إلى وزير الخارجية الأمريكي كولين باول في الخامس من الشهر القادم حين سيقدم للعالم أدلة المخابرات الأمريكية عن تورط النظام العراقي في إخفاء أسلحة الدمار الشامل وعلاقته بتنظيم القاعدة.
ردود الفعل الأولية
وقد سارع الحزب الديمقراطي إلى تفنيد ما جاء بخطاب الرئيس بوش وخاصة عدم تقديمه برنامجا واضحا لتنفيذ المبادرات التي طرحها فيما يتعلق بالقضايا الداخلية، وفيما يتعلق بالتصعيد الأمريكي باتجاه شن الحرب ضد العراق، قال جاري لوك، حاكم ولاية واشنطن في رد الحزب الديمقراطي، إنه يتعين على الرئيس بوش العمل مع المجتمع الدولي وألا يتورط في شن حرب منفردة بدون مساندة دولية. كما طالب السيناتور الديمقراطي إدوارد كينيدي بأن يعود الرئيس إلى الكونجرس لطلب الموافقة على أي قرار قد يتخذه بشن حرب على العراق.
وقالت النائبة الديمقراطية دايان فاينستين، إن الرئيس بوش أخفق في شرح ماهية التحالف الذي أشار إليه وماذا سيكون دور الدول التي قد تنضم إليه في حربه ضد العراق، وقالت إنها كعضو في لجنة المخابرات التابعة لمجلس النواب لم تطلع على أي دليل من حكومة الرئيس بوش على كون العراق يشكل خطرا على الأمن الأمريكي.
من جهتهم، أعرب زعماء المنظمات العربية والإسلامية الأمريكية عن قلقهم من الهرولة التي يتبعها الرئيس بوش في توجهه نحو شن حرب ضد العراق، وقال الدكتور زياد العسلي رئيس اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز، إن الرئيس بوش أفلح في إقناع الشعب الأمريكي بأنه سيخوض الحرب ضد النظام العراقي ولكنه أخفق في تقديم المبررات والأدلة على ضرورة خوض مثل تلك الحرب.
وشاركه في الرأي السيد سابا شامي، مؤسس التجمع الديمقراطي للعرب الأمريكيين الذي قال: “إنه مع التسليم بدموية النظام العراقي فإنه يجب على الرئيس بوش إتاحة الوقت المناسب أمام المفتشين الدوليين لكي يقول المجتمع الدولي كلمته في مدى التزام العراق بقرار مجلس الأمن”.
أما السيد عبد الرحمن العامودي مؤسس المجلس الإسلامي الأمريكي فانتقد الرئيس بوش لأنه لم يتطرق في خطابه إلى تجاوزات سلطات الأمن للحقوق المدنية للمسلمين والعرب في أمريكا، وقال إنهم سيعبرون عن رأيهم في الرئيس بوش حينما يحين موعد انتخابات الرئاسة القادمة.
ويرى المحللون السياسيون في العاصمة الأمريكية أنه ما لم يستطع وزير الخارجية كولن باول إقناع المجتمع الدولي في الخامس من الشهر القادم بوجود دلائل قاطعة تبرر اللجوء إلى الحل العسكري، فإن خطاب الرئيس بوش لن يكون كافيا لإقناع الشعب الأمريكي أو المجتمع الدولي بأن هناك خطرا على الأمن الأمريكي يستوجب شن الحرب.
غير أن المراقبين الدبلوماسيين في الأمم المتحدة يرون أن اجتماع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في كامب ديفيد بالرئيس بوش قد يتمخض عن حل وسط يتيح فترة لا تتجاوز نهاية الشهر القادم أمام المفتشين الدوليين، على أن يتخذ مجلس الأمن قرارا آخر في منتصف الشهر يخول استخدام القوة ضد العراق إذا لم يتعاون بشكل كامل مع جهود نزع أسلحته للدمار الشامل.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.