التجارة العادلة : مسؤولية أدبية واستهلاكية
كشف اليوم السنوي الثاني للتجارة العادلة الذي ترعاه كتابة الدولة السويسرية للاقتصاد ومنظمات غير حكومية، عن تطور ملحوظ في تعامل الرأي العام مع ملف التجارة مع دول الجنوب.
لكن الخبراء يعتقدون بأن نجاح التجارة العادلة يعتمد أيضا على المجتمعات الأوربية وأسلوب الحياة فيها.
يعكس نجاح شركة مثل “ماكس هافلار” للتجارة بين الدول النامية وسويسرا، مدى تقبل المستهلكين لمنتجات تلك المناطق وقناعتهم بفلسفة الشركة، التي تعتمد على دعم المزارعين في بعض دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، وإن كانت تتركز على جزء قليل من المحاصيل الزراعية والمنتجات المرتبطة بها.
في الوقت نفسه شهدت فعاليات المؤتمر السنوي الثاني في 31 أغسطس الماضي حول التجارة العادلة تنوعا كبيرا في الموضوعات التي تناولها، حيث تطرقت إلى مختلف سبل التعاون بين الشمال والجنوب، بما في ذلك أيضا مجالات الخدمات وكيف يمكن تطبيق مبدأ الاستفادة المتبادلة بين الطرفين عليها.
وكان جان دانيال غربر رئيس الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون قد صرح في إحدى الحلقات الدراسية التي حفل بها المؤتمر: “إن التجارة العادلة بين الشمال والجنوب تلقى قبولا جيدا من الرأي العام في سويسرا، أفضل من مجال المساعدات الإنسانية”.
وأضاف غربر في تصريحات إلى سويس انفو بأن “السؤال الآن ليس هل نحن مع أو ضد التجارة العادلة، ولكن كيف يمكن تفعيل تلك التجارة بشكل يسمح بفائدة أكبر للدول النامية”.
ليست مجرد قهوة وموز
ويؤكد هانز بيتر ايغلر رئيس دائرة التجارة المتخصصة وتقنيات البيئة في كتابة الدولة للاقتصاد السويسرية بأن المعرض السنوي للتجارة العادلة يوضح للمستهلكين أن هناك العديد من المنتجات والبضائع التي يمكن استيرادها بشكل يضمن حصول منتجيها في الدول النامية على ربح جيد.
ويضيف ايغلر في حديثه مع سويس انفو بأن الحديث الدائم عن مساعدات التنمية ليس على نفس مستوى أهمية توعية المستهلك بأن هناك العديد من المنتجات المعروضة في إطار التجارة العادلة، فأغلب المستهلكين لا يعرفون بأن هناك منتجات أخرى غير غذائية يمكن تقديمها في برامج التجارة العادلة.
وربما لهذا السبب حاول منظمو المعرض السنوي للتجارة العادلة إثارة اهتمام الرأي العام والمستهلكين على حد سواء، من خلال الفعاليات الكثيرة التي حفل بها الميدان المواجه لمبنى البرلمان ومقر الحكومة الفدرالية.
كما امتدت الفعاليات إلى وسط مدينة برن، حيث قدمت العديد من المنظمات غير الحكومية الداعمة لتيارات التجارة العادلة معلومات وافية حول الاستفادة التي تعود على المزارعين وصغار الحرفيين في بعض الدول النامية من بيع المنتجات التي تسوقها لهم في سويسرا، مثل الفواكه الاستوائية والقهوة والكاكاو، وأخرى غير غذائية مثل الزهور والنباتات والمنسوجات والسجاد اليدوي.
افكار ومقاربات جديدة
من جهة أخرى، يقول خبير التسويق مارك فورر بأن سوق الملابس في سويسرا يضم حوالي 500 ماركة، ويتساءل كيف تتمكن منتجات الدول النامية في الدخول إلى السوق السويسرية والعثور على مكانة مناسبة لها؟
ويبدو أن المقصود من طرح هذا التساؤل التلميح إلى أهمية توعية الرأي العام بضرورة التوسع في شراء المنتجات التي تستخدم أسلوب “التجارة العادلة”، ويعتقد فورر بأن آليات التجارة في تلك المنتجات ليست مثل تلك المتبعة في مثيلاتها، فمن المحتمل أن تدخل في شريحة اسعار أخرى تتناسب مع النوعية والخامات، وقد تكون في بعض الحالات أغلى قليلا من مثيلاتها المطروحة للبيع في الأسواق.
في هذا السياق، تشير بعض الدراسات إلى أن أكثر شرائح المجتمع إقبالا على منتجات التجارة العادلة هي من النساء وفي مرحلة عمرية ما بين 25 و 50 عاما، ويتمتعن بمستوى تعليمي معين ويتميزن بحصولهن على شريحة متقاربة من الدخل المالي.
لذلك يعتقد خبير التسويق فورر بأن طرح منتجات متعددة في إطار التجارة العادلة يجب أن يتجه إلى أكثر من شريحة، ويعتقد بأن الماركات الكبرى في مجال القهوة أو الملابس مثلا يمكن أن يكون لديها ماركات جانبية أخرى تحمل اسم “التجارة العادلة”، وبالتالي يسهل وصول تلك المنتجات إلى قطاع واسع من المستهلكين سواء من عشاق هذه الماركة أو تلك أو من محبي التعرف على منتجات الدول النامية ولكن بشكل يختلف عن المألوف.
التجارة العادلة للخدمات
الجديد في مؤتمر ومهرجان هذا العام تمثل في تناول ملف “التجارة العادلة في مجال الخدمات”، حيث تم تقديم جنوب أفريقيا كمثال حي ناجح في هذا المجال، وذلك بتضافر جهود الحكومة المحلية هناك مع منظمات المجتمع المدني وتوعية الجميع بأهمية القطاع السياحي كفرصة جيدة للتنمية، وهو ما اعتبره الخبراء مثالا على إمكانية تحويل العمل في مجال السياحة ليصبح من أجل التنمية، على غرار المبادرة التي استغرق العمل فيها 10 سنوات كاملة وتضافرت فيه جميع الجهود ليصل إلى نتيجة يعتقد الخبراء أنها جيدة.
ويسود اقتناع الآن أن الطريق إلى التجارة العادلة لا تقتصر على التعامل في بضعة غرامات من القهوة أو شراء قنينة زيت أو قطعة من الشوكولاطة في مناسبة ما أو أثناء سوق خيري، بل يعتمد نجاحها على توعية الرأي العام بشكل أوسع ويتطلب أيضا تغييرا قليلا في اسلوب ونمط الحياة عموما، ليس في سويسرا فحسب بل في الشمال الثري أيضا.
سويس انفو
احتفلت سويسرا في 31 أغسطس بيوم التجارة العادلة من خلال مهرجان واسع ضم أسواقا كثيرة لمنتجات مختلفة من الدول النامية.
ركز مهرجان هذا العام على التجارة العادلة في مجالات الخدمات وكيفية مساهمتها في جهود التنمية ورفع مستوى المعيشة في الدول الفقيرة.
يعتقد الخبراء أن التغيير في اسلوب الحياة في الشمال الثري يمكن ان يساهم في نجاح تلك التجارة.
تعتبر سويسرا من الدول الأولى عالميا التي تدعم التجارة العادلة، فنصف الموز وثلث الزهور المباعة فيها تخضع لتلك الشريحة.
يربح المزارعون في الدول النامية 30% أكثر من خلال التعامل مع الشركات التي تعتمد على التجارة العادلة مقارنة مع شبكات توزيع المنتجات الغذائية العادية.
يعتقد المسؤولون السويسريون بأن الرأي العام يهتم بالتجارة العادلة أكثر من الحديث عن المساعدات الإنسانية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.