التحالف الكردستاني .. الرابح الأكبر في العراق الجديد
الشيعة والأكراد الذين همشوا في الحقب الماضية، يلعبون اليوم دورا محوريا مهما في العراق الجديد الذي أصبح مختلفا تماما عن عراق ما قبل 9 أبريل 2003.
هذه المعادلة باتت أقرب الى الحقيقة في العراق الجديد، حتى مع تحفظات الأمريكيين على منح الشيعة دورا متميزا جدا، بذريعة تطلعهم الى إقامة دولة دينية موالية لايران.
ولكي تضمن واشنطن فرملة هذا التطلع الذي ينفيه الشيعة باستمرار، أصبح لزاما أن يتعاظم الدور المناط بالأكراد في صياغة مستقبل الدولة العراقية خصوصا ما يتعلق بمسألة “الدولة الدينية”.
ومن هنا تلعب القيادة الكردية دورا رئيسيا لموازنة العملية السياسية التي تجري صياغتها في العراق، وأمامها هدفان الآن : حسم خيارالفدرالية لكردستان، ومقاومة إقامة دولة دينية في الجنوب والوسط.
ولكي تنجح لعبة التوازنات، فان التحالف الكردستاني سعى لاقناع العرب السنة للمشاركة في العملية السياسية، وبذل في هذا الصعيد جهودا جبارة، مقتربا جدا من السنة العرب رغم علمانيته الواضحة، ومستثمرا أن الأكراد هم في الواقع قوة سنية أخرى، تنتشر بينهم حركات إسلامية.
وجاءت مفاوضات الأكراد سواء في أربيل أو في السليمانية، لتعكس جديتهم في احتواء أي رغبة لاقامة دولة دينية، ملوحين بالتحالف مع القوائم الأخرى، ومؤكدين أنهم قادرون على عرقلة تشكيل أي حكومة لا تروق لهم.
وفي كل الأحوال فان الأيام التي تلت الانتخابات التشريعية الأخيرة (15 ديسمبر 2005) في العراق، أكدت بما لايقبل الشك أن اقليم كردستان ، تحول الى قبلة سياسية يؤمها أقطاب القوائم السياسية الرئيسة، والقيادات المشاركة في العملية السياسية، من أجل حسم الخلاف حول تشكيل الحكومة المقبلة.
زمن المحنة
كردستان كانت مع العراقيين، ولم تخذلهم في زمن المحنة، والمعارضة العراقية بكل أطيافها استخدمت كردستان جسرا للعبور نحو الصراع الطويل مع النظام السابق.
وأكراد العراق، كغيرهم من الأكراد، شعب شجاع ووفي ، يقري الضيف، ويأوي الطريد، وأثبتت الأيام أنهم أكثر دراية من غيرهم في العمل السياسي، فهم لم يضعوا خطوطا حمراء في النضال من أجل الهدف الذي وضعوه لأنفسهم وهو “الحرية للعراق والفدرالية لكردستان”.
صحيح أن الأكراد لم يخرقوا أخلاقيات العمل السياسي، أكثر مما فعله النظام السياسي العربي، وهم لم يسلموا معارضا للنظام السابق حتى وهم يفاوضونه، وكان بامكانهم فعل الكثير لتحقيق أهدافهم لكنهم لم يفعلوا، الا أنهم كانوا يقارعون النظام السابق، ويطورون على الدوام أداءهم السياسي، وطريقة الوصول الى الأهداف، ويطالبون بفدرالية لكردستان قد تتحول الى وطن قومي إذا سمحت الظروف الدولية والاقليمية.
منذ سقوط النظام السابق، والأكراد يحصدون المكاسب لشعبهم، ويملون على الآخرين مايجب فعله، ونجحوا في تثبيت المادة “61” في قانون إدارة الدولة الذي فُصل على مقاسهم، إذ يحق بموجبه لثلثي الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر رفض الدستور. وانتزعوا منصب الرئيس لكل العراق وحقيبة الخارجية، وأكدوا في الفترة الماضية، أنها تليق بهم.
أكراد العراق اليوم يطمع الجميع في كسب رضاهم، لتشكيل الحكومة القادمة. وليست القوائم وحدها التي تروح وتجيء على كردستان، فمسؤولو الادارة الأمريكية، ومعهم البريطانيون، يقومون في الكثير من الأحيان بزيارة العراق من بوابة كردستان، ليس اعترافا فقط بدور الأكراد المهم في التهدئة والتوازن المطلوب، بل أيضا للتأكيد على حقيقة ماعاد يخفيها غربال، وهي أن الفدرالية لكردستان العراق، أصبحت أمرا مسلما به وهو أقل ما يمنح للأكراد لضمان ودهم في الصراعات الجارية اقليميا، وبين العراقيين أنفسهم.
ولاينسى العراقيون كيف أن الأكراد وبعد الانتخابات الأولى التي جرت في 30 يناير 2005، نجحوا بامتياز في افراغ النصر الكبير الذي حققته قائمة الائتلاف العراقي الموحد من محتواه، ليوصلوا بذلك رسالة الى الجميع مفادها أن من يريد حكم العراق الجديد، فعليه أن يتوجه صوبهم وفي اقليمهم، ليعود وهو يمشي على عكازتي الحزبين الكرديين الرئيسيين :الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. فالمحادثات التي تبدأ في الغالب هناك ، تستكمل في بغداد..
الموقف الأميركي
المعلومات الواردة من كردستان تتحدث عن اتفاق بين الأكراد وجبهة التوافق السنية خصوصا الحزب الاسلامي العراقي، والائتلاف العراقي الموحد، لاستبعاد أو اضعاف دور العلمانيين من القائمة العراقية الوطنية بقيادة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي، وجبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلك.
وفي اتجاه آخر، فان الأكراد اتفقوا ضمنا مع جناح المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق بزعامة عبد العزيز الحكيم، على تسمية عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء في الحكومة المقبلة، دون أن يمنع ذلك من اعلان الرئيس جلال طالباني أنه لن يمانع إذا رشح الائتلاف ابراهيم الجعفري لتولي هذا المنصب، ومقابل ذلك حصل الأكراد كما تسرب على ضمانة بأن تنضم مدينة كركوك مستقبلا الى كردستان، وهي المدينة المقدسة لديهم، والتي سماهاالطالباني بـ “قدس كردستان”.
إعلان طالباني جاء ليؤكد أن الأكراد صاروا في الواقع هم من يمنح شهادة حسن السلوك لمن يريد أن يحكم العراق في عهد مابعد صدام حسين.
وإذا حسم الائتلاف أمره، فان الأكراد الذين سيرشحون طالباني لرئاسة العراق، سيختارون عن طريق الرئيس، رئيس الوزراء المقبل، ويتم عرضه على مجلس النواب، على قاعدة المحاصصة، وليس استنادا الى استحقاق انتخابي لن يؤثر كثيرا في عراق مايزال خاضعا للاحتلال.
لكن يجب الاعتراف أن نظام المحاصصة الطائفي والقومي لن يكون الخيار الوحيد للعراق الجديد، من واقع أن الفرز الطائفي والقومي الذي أظهر مكونات الشعب العراقي القائمة على التعددية الدينية والقومية على السطح، والدور المتعاظم للأكراد، واهتمامهم بالسنة الى درجة أن تكون كردستان حاضنة قوية لهم، سوف يدفع باتجاه ظهور قوى معتدلة تعطي لكل ذي حق حقه، ليقف نزف الدم والألم وقد أصبحا جزء لا يتجزأ من العراق الجديد.
وباختصار فان التحالف الكردستاني هو اليوم الرابح الأكبر، وربما يكون الأكثر تأثيرا في صياغة مستقبل الدولة العراقية ومعارضة قيام دولة دينية، بمشاركة السنة، ومن دونهم لن تنجح أية عملية سياسية تعترف بالتعددية الدينية والقومية في العراق الجديد.
الادارة الأمريكية ومن خلال سفيرها في العراق، تشجع هذا الدور، وقد حرص الرئيس الأمريكي جورج بوش مؤخرا عندما استقبل رئيس اقليم كردستان مسعود برزاني، أن يستمع للزعيم الكردي وهو يلقي في واشنطن خطابا باللغة الكردية.
وتبدو الادارة الأمريكية منسجمة تماما مع الدور الكردي في دعم مسألة الفدرالية، والتصدي لمحاولات إقامة دولة دينية، خصوصا وأن ايران عدوة أمريكا الأبدية والمكونة من ست قوميات، ستتأثر بشكل أو بآخر بالنزعات الفدرالية لدى جارتها، مايسهل تفكيكها، أو احتواءها.
لكن هل سيبقى هذا الدور الكردي متميزا في ظل نظام دولي لا يفكر الا بمصالح القوى الكبرى، ولا يبالي بتفجر المنطقة ولو بلغ مابلغ؟!!.
نجاح محمد علي – دبي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.