الترهيــب والترغيــب!
بدأت حكومة الرئيس جورج بوش مشاورات دبلوماسية مع 52 دولة من بينها 11 دولة عربية، لتأمين مشاركتها في تحالف دولي جديد يمكن أن يشن حربا ضد العراق إذا أخفقت القيادة العراقية في تنفيذ قرار مجلس الأمن 1441.
ويبدو أن أكثر الدول إحراجا أمام هذه المبادرة هي الدول العربية التي تجد نفسها بين فكّي كماشة
كشف مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية النقاب عن أن حكومات 52 دولة تسلمت رسائل من السفارات الأمريكية المعتمدة لديها، تطالب فيها الإدارة الأمريكية تلك الحكومات بتحديد مواقفها بشكل واضح لا يقبل اللبس أو التأويل إزاء المشاركة في مثل ذلك التحالف، وكذلك تحديد شكل التعاون ونوع المساعدة التي ترغب في تقديمها، سواء أكانت في شكل مشاركة بقوات عسكرية أو تقديم تسهيلات أو قواعد، أو بالمشاركة في تمويل المجهود الحربي أو تقديم المساعدات الإنسانية ومعونات الإعمار في حال تغيير النظام العراقي.
وتأتي هذه المبادرة في ظل الإعلان المشهور للرئيس بوش”إما أن تكون معنا أو أن تكون مع الإرهابيين ويتم التعامل معك على هذا الأساس”، ومع التلويح الأمريكي للدول التي لها مصالح اقتصادية مع العراق باحتمال فقدان فرص تقدر بمليارات الدولارات، إذا أمكن تغيير النظام بدون مشاركة تلك الدول.
وقد أطلق المحللون السياسيون الأمريكيون على التحالف الجديد الذي تحاول واشنطن تشكيله اسم، “تحالف الدول الراغبة”، حيث أن هناك الكثير من الدول المترددة في المشاركة، سواء على الصعيد العربي أو على مستوى دول الاتحاد الأوروبي.
وعود بالجملة
وفي إطار الترغيب، ألمحت الولايات المتحدة للبنان بإمكانية مساعدته على تخطي أزمة ديونه الخارجية، وقدمت إلى الأردن مساعدات اقتصادية، ووافقت على مشروع المنطقة التجارية الحرة المشتركة في الأردن، ومنحت البحرين وضع الحليف الرئيسي خارج نطاق حلف الأطلسي، كما مارست نفوذها لتذليل الصعاب التي تحول دون موافقة الاتحاد الأوروبي على السماح لتركيا بالانضمام لعضويته، وتبحث تقديم تعويضات مالية لتركيا عن خسائرها من استمرار إغلاق خط أنابيب البترول العراقي عبر الأراضي التركية.
وتقول الخارجية الأمريكية إن الردود على الرسائل الأمريكية الخاصة بمدى استعداد الدول للمشاركة في التحالف الجديد بدأت تصل تباعا، خاصة من كندا التي أعلنت استعدادها للمشاركة بقوات عسكرية في أي حرب محتملة ضد العراق، وبريطانيا التي تتطلع لأن تكون في طليعة الهجمات ضد العراق، والدانمارك التي أبلغت واشنطن باستعدادها للمشاركة العسكرية.
أما الرد الفرنسي فاقتصر على إبلاغ واشنطن بأن باريس تدرس الطلب الأمريكي، ولكنها ترى أن الجهد يجب أن ينصب حاليا على تطبيق قرار مجلس الأمن الجديد رقم1441 لضمان نجاح مهام التفتيش الدولي.
وقد انتهز الرئيس بوش فرصة مشاركته في قمة حلف الأطلسي في براغ الأسبوع الماضي، ليحشد التأييد لمساندته في أي حملة عسكرية على العراق، ونجح في استقطاب الدول المنضمة حديثا حيث وافقت جمهورية التشيك على التعاون العسكري ضد العراق إذا لم تلتزم بغداد بقرار مجلس الأمن.
وأعرب وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفلد عن تفاؤله إزاء إمكانية تشكيل تحالف الدول الراغبة بالنظر إلى أن ردود الدول التي تلقت رسائل الدعوة للمشاركة فيه تراوحت بين الاستعداد الفوري للتخطيط لاحتمال توجيه ضربة عسكرية إلى العراق، وبين رفض البعض للتعاون العسكري إلا بقرار آخر من مجلس الأمن، فيما أعربت دول أخرى عن استعدادها لمساعدة العراق بمعونات إنسانية وتقديم مساعدات لإعمار العراق في حال تغيير النظام.
الترهيب وتأويل الاتفاقيات الثنائية
وجاء أول رد غير رسمي على الرسائل الأمريكية للدول العربية من مصر، حيث صرح وزير خارجيتها أحمد ماهر أن مصر ترفض المشاركة العسكرية في أي هجوم على العراق، وأنها تبذل جهودا مكثفة لإقناع القيادة العراقية بتفويت الفرصة على من يحاولون استغلال أي عرقلة لمهام التفتيش لشن هجوم على العراق.
غير أن العلاقات الخاصة بين القاهرة وواشنطن تجعل من المستحيل على مصر مثلا أن تعرقل مرور السفن الحربية الأمريكية التي تعمل بالطاقة النووية عبر قناة السويس، وكان أحدثها السفينة الحربية “سكان آرتك” التي عبرت القناة في طريقها إلى معسكر الدوحة بالكويت وعلى متنها معدات عسكرية ومواد مشعة وبطاريات ليثيوم ودبابات، كما أنه ليس من المتوقع أن ترفض مصر عبور الطائرات الحربية الأمريكية مجالها الجوي.
ولم تدخر الولايات المتحدة وسعا في ترهيب مصر في الآونة الأخيرة بتلويح أعضاء الكونغرس بحجب المساعدات الخارجية عن مصر، مرة في إطار الاحتجاج على مسلسل “فارس بلا جواد” الذي خصصت السفارة الأمريكية في القاهرة فريقا لمتابعته وتقييم مدى إسهام المسلسل في تعميق مشاعر معاداة السامية، ومرة أخرى من خلال الإعلان عن اعتزام إعادة النظر في المساعدات الخارجية في إطار برنامج الشراكة مع الشرق الوسط لدعم الديمقراطية في العالم العربي.
وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، وصل الضغط الأمريكي على الرياض إلى حد الابتزاز بإثارة قضية المساعدات الخيرية التي تقدمها الأميرة هيفاء الفيصل، قرينة السفير السعودي في واشنطن للمحتاجين من السعوديين وتكليف المباحث الفدرالية الأمريكية بالتحقيق في كيفية وصول شيكات شهرية بمبلغ ألفي دولار إلى زوجة أحد المشاركين في هجمات سبتمبر الإرهابية.
وبينما أوضح المستشار السياسي السعودي في واشنطن عادل الجبير أن الأميرة هيفاء كانت تساعد سيدة سعودية في تسديد فواتير العلاج الطبي، ولم تكن على علم بأن زوجها سيشارك في تلك الهجمات، سارع السناتور الديمقراطي جوزيف ليبرمان بمطالبة السعودية بأن تحدد موقفها بوضوح، إما أن تكون مع الولايات المتحدة ضد الإرهاب أو أن تكون معرضة للتعامل معها على أنها تساعد الإرهاب. وسرعان ما ردد أعضاء آخرون نداءات مماثلة. وكان خبير في مجلس الاستشارات في وزارة الدفاع قد طالب بتغيير النظام الحاكم في السعودية واعتباره نظاما معاديا لمصالح الولايات المتحدة ويدعم الإرهاب.
الحالة الخليجية الصعبة
ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي مرتبطة باتفاقيات دفاع ثنائية مع الولايات المتحدة تختلف صياغة كل منها عن الأخرى. لكن بعض المحللين العسكريين في واشنطن يرون أنه سيكون بوسع الولايات المتحدة تفسير تلك الاتفاقيات على أنها تلزم دول مجلس التعاون الخليجي الست بمنح تسهيلات للقوات الأمريكية المتمركزة في منطقة الخليج عندما تدخل القوات الأمريكية في حرب ضد العراق.
ومن أكثر الدول المرشحة للتعاون التام في هذا الصدد، قطر والبحرين والكويت وعمان، فيما تحاول مصر وسوريا تنسيق موقفيهما من الرسائل الأمريكية وتحثان وزراء الخارجية العرب على التريث في الرد، حتى يمكن صياغة رد عربي منسق في ضوء ما سيسفر عنه الإعلان العراقي المرتقب في 8 ديسمبر حول ما لديه من برامج أسلحة دمار شامل، وهى الورقة التي تتطلع إليها الولايات المتحدة كمبرر لتهيئة المجتمع الدولي لشن حرب على العراق.
أما الأردن، فقد أعلن سفيره الجديد في واشنطن كريم قعوار أن بلاده لن تسمح باستخدام أراضيها لشن هجوم عسكري أمريكي على العراق، مشيرا إلى أن المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين في أغسطس الماضي كانت تدريبات دورية لا علاقة لها بالتحضير الأمريكي للحرب، وأن الأردن فتح قواعده العسكرية أمام الصحفيين للتأكد من ذلك. غير أن السفير الأردني قال إنه إذا قررت القيادة العراقية عدم الانصياع لإرادة المجتمع الدولي، فإن الأردن لن يجازف بمصالحه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تحالف ورقة التوت
وسواء تمكنت الولايات المتحدة من تشكيل تحالف الدول الراغبة أم لا، فإنها ماضية في الإعداد للحرب ضد العراق، وبينما يرى المحللون السياسيون في واشنطن أن شروع المفتشين الدوليين في القيام بمهامهم في العراق قد يقلل من احتمالات شن حرب بقيادة الولايات المتحدة ضد النظام العراقي، فإن كبار المسؤولين في وزارة الدفاع وفي البيت الأبيض ينظرون إلى جهود الأمم المتحدة في العراق على أنها تشكل ورقة التوت التي توفر غطاء كافيا لفرصة تحسين المناخ السياسي على الصعيد الدولي، ليصبح أكثر انسجاما مع المزاج الأمريكي الساعي إلى توجيه ضربة عسكرية تطيح بالنظام العراقي بمجرد توفر فرصة سانحة مع أي عرقلة أو خطأ بسيط في حسابات النظام العراقي وهو يتعامل مع عمليات التفتيش.
وتوفر فترة عمل المفتشين الدوليين مهلة زمنية كافية لاستكمال الاستعدادات العسكرية في منطقة الخليج، خاصة قاعدة العيديد في قطر أو القواعد العسكرية الأمريكية في الكويت أو القواعد البحرية في البحرين، بالإضافة إلى نظام حشد عسكري جديد وفره الانتشار الأمريكي على الأرض في أفغانستان وأوزبكستان وقيرغزستان، وتمتع الولايات المتحدة بصلاحيات جديدة لاستخدام أقمار اصطناعية إضافية آلت ملكيتها إلى تلك الدول في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي.
محمد ماضي – واشنطن
الدول العربية الـ 11 التي تلقت الرسالة الأمريكية هي، السعودية، الأمارات، الكويت، قطر، البحرين، عمان، مصر، سوريا، لبنان، الاردن واليمن
المواقف المعلنة لكل هذه الدول تشير إلى رفض قاطع لتدخل عسكري أمريكي ضد العراق
تلمح واشنطن إلى أن الاتفاقيات الدفاعية التي تربطها ببعض هذه الدول ملزمة لها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.