التصعيد في الساحل السوري اختبار مبكر للشرع في ترسيخ سلطته وفق محللين

شكّل التصعيد الدامي في الساحل السوري اختبارا مبكرا للإدارة الجديدة في دمشق، حيث طرح تساؤلات حول مدى قدرتها على ضبط الأمن وترسيخ سلطتها، ووجّه ضربة لمحاولاتها كسب ثقة المجتمع الدولي، وفق محللين.
وفي بلد مزّقته الحرب منذ 13 عاما، وانقسمت أراضيه بين مناطق نفوذ تسيطر عليها قوى مختلفة، يبقى بسط سلطة الدولة، وفرض الأمن، والحفاظ على السلم الأهلي أبرز التعهدات التي قطعتها السلطة الجديدة، إنما أيضا من أصعب التحديات التي تواجهها.
ولا تزال السلطات الجديدة تعمل على التحضير للمرحلة الانتقالية وإعادة بناء القوات الأمنية والعسكرية، إلا أن الأحداث في الساحل السوري جاءت كاختبار مبكر لقدرتها على ضبط الأمن. فبعد أقل من ثلاثة أشهر على الإطاحة ببشار الأسد، وجدت السلطات نفسها أمام مواجهة عنيفة في المنطقة ذات الغالبية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السابق.
ويرى الخبير في الشأن السوري جوشوا لانديس أن المواجهات الأخيرة كشفت أن “الجيش السوري الجديد لا يملك السيطرة الفعلية”.
ويعتبر أن ما حدث “سيعرقل جهود” الرئيس الانتقالي أحمد الشرع “في ترسيخ سلطته وإقناع المجتمع الدولي بأنه يسيطر على الأوضاع وقادر على ضبط المجموعات المسلحة التي يُفترض أن تكون تحت قيادته”.
وبدأ التوتر الخميس في قرية ذات غالبية علويّة في ريف اللاذقية على خلفية توقيف قوات الأمن لمطلوب، وما لبث أن تطوّر الأمر إلى اشتباكات بعد إطلاق مسلّحين علويين النار على رتل لقوات الامن السورية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأرسلت السلطات السورية تعزيزات الى المنطقة الساحلية حيث تتركز الأقلية العلوية. واندلعت منذ ذلك الحين اشتباكات أسفرت عن مقتل أكثر من 1300 شخص بينهم أكثر من 970 من المدنيين العلويين، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.
وأفاد المرصد بأن المدنيين قتلتهم قوات الأمن السورية ومجموعات رديفة لها، وكثر منهم في عمليات “إعدام ميدانية” على خلفيات طائفية ومناطقية.
-دورة عنف-
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، دعا الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى الحفاظ على “الوحدة الوطنية والسلم الأهلي”، فيما أعلنت الرئاسة تشكيل لجنة تحقيق “للكشف عن الأسباب والملابسات التي أدّت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات بحق المدنيين وتحديد المسؤولين عنها”.
بحسب هايكو ويمين، مسؤول ملف سوريا ولبنان والعراق في مجموعة الأزمات الدولية، فإن هذه الأحداث تُظهر أن السلطة الجديدة “تفتقر إلى القدرة على التعامل مع تحديات متعددة في الوقت نفسه”، مشيرا إلى أن “الاضطرابات في هذه المناطق كانت تتفاقم منذ أسابيع، لكن لم يتم التعامل معها بشكل مناسب”.
وبعد إطاحة الأسد، شهدت منطقة الساحل لا سيما مدينة اللاذقية توترات أمنية مع تنفيذ السلطات حملات أمنية فيها، تزامنت مع تكرار حصول حوادث خطف وإطلاق نار، ما أثار مخاوف علويين من عمليات انتقامية.
ويرى ويمين أن التحدي الحالي لا يشكل “خطرا استراتيجيا” على حكم الشرع، لكنه قد يجرّ السلطات الجديدة إلى “دورة مستمرة من العنف، مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار بشكل خطير”، مشبها الوضع الحالي بـ”التجربة العراقية” في سنوات الفوضى التي أعقبت الغزو الأميركي.
ورغم أن الاضطرابات الأخيرة في الساحل السوري تعكس حالة من الغضب داخل بعض الأوساط العلوية التي ينظر إليها بوصفها حاضنة عائلة الأسد التي حكمت سوريا بقبضة من حديد لأكثر من خمسة عقود، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى معارضة منظمة حتى الآن.
ويرى جوشوا لانديس أن “المعارضة العلوية (…) لا تزال مشتتة وتفتقر إلى قيادة موحدة”، لكن أعمال العنف الأخيرة قد تؤدي إلى “تصلّب الموقف” داخل هذه المجموعة.
-“المجازر”-
يحظى الشرع بدعم دولي وإقليمي، خصوصا من تركيا وقطر وعدد من الدول العربية، وتوافد مسؤولون غربيون إلى دمشق منذ وصوله إلى قيادة البلاد، لإظهار دعمهم.
وتعهّدت السلطات الجديدة مرارا بحماية الأقليات في هذا البلد المتعدد دينيا. لكن آرون لوند رأى أن السلطة في دمشق “ضعيفة وتخضع لقوى خارجة عن سيطرتها، فهي بحاجة إلى كسب ودّ المجتمع الدولي، لكنها في الوقت نفسه مطالبة بالحفاظ على دعم قاعدتها الإسلامية”.
ودانت دول غربية، لا سيما الولايات المتحدة، “المجازر” التي ارتكبت “بحق أقليات في سوريا” بعد أحداث الساحل، داعية إلى محاسبة مرتكبيها.
وحذر لوند من أن الاشتباكات قد تتلاشى تدريجيا، لكنها قد تمهد الطريق لجولة جديدة من التصعيد.
وأشار إلى أن “القيادة الجديدة في دمشق دعت إلى ضبط النفس وحذرت من الطائفية، وهو موقف مسؤول ينبغي الإشادة به، لكن هذه الرسائل المعتدلة لم تصل بشكل كاف إلى الفصائل المتمردة السابقة، التي يُفترض أن تعمل الآن كجيش وشرطة لسوريا”.
وأفاد سكّان من مدن وقرى في الساحل السوري عن دخول مقاتلين أجانب إلى قراهم خلال العمليات الأمنية في الأيام الماضية.
وتضمّ هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها التي قادت الهجوم الذي أطاح بالأسد، في صفوفها مقاتلين أجانب يعتبرون الأكثر تشدّدا.
ولا تعدّ الأحداث التي شهدها الساحل السوري التحدي الأمني الوحيد أمام الشرع، إذ يواجه تهديدا آخر في شمال شرق سوريا، حيث المقاتلون الأكراد، وفي جنوب سوريا حيث لم يتخل الدروز عن سلاحهم وتعهدت إسرائيل بحمايتهم.
وبينما يسعى الشرع إلى طمأنة الأقليات وتعزيز السلم الأهلي، فإن الحوادث الأخيرة في الساحل قد تزيد من مخاوف الأكراد والدروز وبقية الأقليات، الذين قال جوشوا لانديس إنهم “لن يثقوا بسهولة في وعود الشرع بشأن احترام جميع مكونات الشعب السوري ومعاملتهم على قدم المساواة”.
لو/دص