“التعاون ضد الإرهاب” محور محادثات غربية – مغربية مكثفة
يتوافد بكثافة مسؤولون أمنيون من دول أوروبية أو الولايات المتحدة، حاملين في أجندة مباحثاتهم مع المسؤولين المغاربة، التعاون الأمني لمواجهة نشاطات إرهابية، يقولون إنها تستهدفهم وتستهدف المغرب أيضا.
رسميا وعلنيا، كان اوغست هانينغ، كاتب الدولة الألماني في الداخلية والمكلف بالشؤون الأمنية، هو آخر مسؤول غربي يزور الرباط، حيث أجرى بداية الأسبوع الجاري مباحثات مع وزراء الداخلية والعدل والأوقاف والشؤون الإسلامية والشؤون الخارجية، وعدد من مسؤولي الأجهزة الأمنية المغربية.
حسب البلاغات الرسمية، التي كانت تصدر بعد كل اجتماع للوفد الألماني، باستثناء اجتماعاته مع مسؤولي الأجهزة الأمنية، فإن المباحثات التي كانت دائما “مُـثمرة وإيجابية”، “تتمحور حول التعاون في قضايا الإرهاب والأمن في غرب إفريقيا والجريمة الدولية المنظمة، وما يتطلبه ذلك من تطوير وتنسيق أمني بآليات عملية في مجال تبادُل الخِـبرات والمعارف”.
قبل المسؤول الألماني بأسبوع، كان روبرت مولر، مدير مكتب التحقيقات الأمريكي (اف بي أي) يتنقَّـل بين مكاتب وزراء العدل والداخلية والأجهزة الأمنية المغربية، ويُـمحور مُـباحثاته بشكل صريح وعلني، حول “مواجهة تنظيم القاعدة وامتدادته المغاربية، في إطار نشاطاته في منطقة غرب إفريقيا”.
وتشعر الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها عدد من الدول الأوروبية، أن تهديدات تنظيم القاعدة، عبْـر ما يُسمى بـ “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، الذي أعلن عن نفسه بالجزائر في سبتمبر 2006، تهديدات جِـدّية.
وحسب كبار المسؤولين الغربيين المتقاطرين على الرباط، فإن التهديدات موجّـهة إلى مؤسسات الدول المغاربية وأيضا إلى مصالح ومؤسسات وممثليات الولايات المتحدة والدول الأوروبية في هذه الدول، وأن رسائل التنظيم “كانت واضحة بهذا الاتِّـجاه”.
لكن المسؤولين الأوروبيين يتحدّثون بصراحة عن تهديدات مغاربيين ينتمُـون إلى تنظيم القاعدة لعدد من الدول الأوروبية، بحكم التواجد التاريخي المكثف للمغاربيين في هذه الدول، والتقارير الأمنية التي تتحدث عن انتشار التشدد الأصولي في صفوف هؤلاء، وهو ما دفع جون لوي بروغيير، القاضي الفرنسي المكلّـف بقضايا الإرهاب، للإعلان من مدريد الأسبوع الماضي من أن التهديد الإرهابي “عالِ جدا في أوروبا وفي منطقة المغرب العربي”.
الحرب على الإرهاب أم السيطرة على النفط الإفريقي؟
الوفادة الأمنية المكثّـفة، سبقها وتزامن معها، وتحت نفس يافطة مواجهة تهديدات تنظيم القاعدة، تحرّكات أمريكية لإقامة القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”.
فقد تردد في البداية أن التحركات تهدِف إلى البحث عن مقرٍّ لهذه القيادة، التي تعاطى معها الجميع كأمر واقع إيجابي، واعتبروا أن التعاون مع هذا الواقع ضروري وذو فائدة للأطراف المعنية، وهو ما كانت واشنطن تريد تأكيده، وتعطي الدول، التي رفضت احتضان المقر، مسحة من الدّفاع عن الاستقلالية، لتُـعلن في نهاية المطاف أنها قرّرت “توزيع القيادة على عدّة دول”، لأنها لا تضم قوات، بقدر ما تضم محلِّـلين واستراتيجيين وخُـبراء أمن.
والهدف المعلن من القيادة الأمريكية في إفريقيا “افريكوم”، هو الصحراء الكبرى، التي تقول واشنطن، إنها تضمّ مراكز تجمُّـع وتدريب لناشطي تنظيم القاعدة، وأن هذه الصحراء تحمِـل في واحاتها تهديدات تنظيم القاعدة للدول المُـحيطة بها، الجزائر ومالي والنيجر والمغرب وموريتانيا، إضافة إلى الدول الإفريقية الأخرى.
وتقول تقارير إن غضبا يسُـود أوساط البنتاغون من نتائج جولة ريان هنري، المساعد الأول لوزارة الدفاع الأمريكية لشؤون السياسة والتخطيط حول القيادة الإفريقية، التي زار خلالها الجزائر والمغرب وليبيا ومصر وجيبوتي والاتحاد الإفريقي، لعدم تحمس هذه الدول لاستضافة القيادة العسكرية الجديدة.
وذهبت التقارير إلى أن هنري خرج عن هدوئه واستعمل تعبيرات تنم عن الغضب في ردّه على الانتقادات، التي توجَّـه لخلفيات القاعدة الأمريكية، التي قال إنها تستهدف الإرهاب وستُـركز على المساعدات الإنسانية وحركة الحقوق المدنية ومستوى الاحترافية العسكرية والمساعدات الخاصة بأمن الحدود والحياة البحرية والأمن بصفة عامة، والاستجابة للكوارث الطبيعية.
وأوضح أن “الغرض من (أفريكوم)، ليس شن حرب، وإنما العمل بالتنسيق مع شركائنا الأفارقة من أجل توفير مناخ أكثر استقرارا، يمكن أن يتحقق فيه النمو الاقتصادي والسياسي وتهيئة الظروف للاستخدام الأفضل والأكثر فاعلية لمساعدات التنمية والمساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى مساعدة الأفارقة على دحر الإرهاب”.
ما يقوله مسؤولو البنتاغون والإف بي أي أو الأجهزة الأمنية الأوروبية، ليس بالضرورة أن يكون مقبولا ومُـجابا بالرباط وغيرها من العواصم المغاربية، التي تحرص على أن تستمع الأذن وأن تحضر الأذهان، حسابات كثيرة ومعقدة، وهي تستعيد تقارير عسكرية أمريكية، ذكرت بأن مقاتلا أجنبيا من بين أربعة ذهبوا إلى العراق، يأتي من المغرب والجزائر، وأن ما تخشاه الولايات المتحدة من الإرهاب الأصولي القادم من إفريقيا، ليس حِـرصا على أمن هذه القارة واستقرارها، بقدر ما هو حِـرص على توسيع وضمان سيطرتها على نفط القارة، بسبب تزايد اعتماد الغرب على النفط الإفريقي.
حاجة لمواجهة الخطر وتخوف من غضب المتشددين
وفي شهر مارس 2006، قال الجنرال جيمس دونس، الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس قيادة أوكوم (قيادة القوات الأمريكية في أوروبا) أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، “إن إفريقيا تزوِّد حاليا أمريكا بأكثر من 15% من حاجياتها النفطية، وتم القيام باستكشافات حديثة في منطقة خليج غينيا، تجعل هذه المنطقة تمثل 25% إلى 35% من الواردات النفطية الأمريكية في العشرية القادمة”.
وهذا لا يزعج المغاربيين كثيرا، فهم يُـدركون أن مواطنين من دولهم قاتلوا في أفغانستان ويقاتلون في العراق وشاركوا في هجمات انتحارية وعنف، استهدف مدريد ولندن، وشنّـوا هجمات انتحارية في بلادهم ويستعدون لشنّ هجمات أخرى، لكنهم يفكِّـرون بانعكاس التواجد الأمريكي العسكري والأمني في دولهم على علاقاتها مع باريس ومدريد، وأيضا حساباتها فيما بينها وتسابقها على كسب ودِّ مختلف الأطراف الدولية المؤثِّـرة في المنطقة، في إطار تنافساتها وأحيانا صراعاتها الثنائية، خاصة المغرب والجزائر.
لكن واشنطن والعواصم الأوروبية المعنية بالحرب على الإرهاب، تدرك أن علاقات الدول المغاربية الثنائية، لا تبشِّـر بإمكانية نجاح مقاربتها للحرب على الإرهاب ولذلك فهي تشجِّـع هذه الدول على تطوير وتكثيف التعاون فيما بينها في الميدان الأمني ومكافحة الإرهاب، حتى لو بقيت علاقاتها في الميادين الأخرى تعرف توترا أو فتورا.
كما تعرف العواصم المغاربية أنها مُـستهدفة من الجماعات الأصولية المتشددة، وأن كلاّ منها بحاجة لدعم أمريكي وأوروبي لمواجهة هذا الخطر، الذي ذاقته الجزائر والدار البيضاء وتونس بأشكال مختلفة، لكنها أيضا لا تريد أن تؤجِّـج غضب المتشدّدين عليها، وهؤلاء يرفعون الإسلام شِـعارا ويشحذون في الذهن العربي الصورة المَـقيتة للغرب عموما، وللولايات المتحدة خصوصا، إن كان في الانحياز شِـبه المطلق لإسرائيل أو احتلال العراق وكوارثه على بلاد الرافدين أو احتلال أفغانستان وآثاره، وكيف ينظر المواطن القلِـق والغاضب من وضعه الاجتماعي والاقتصادي لأي تعاون مع واشنطن.
محمود معروف – الرباط
الرباط (رويترز) – زار روبرت مولر، رئيس مكتب التحقيقات الأمريكي الاتحادي، المغرب يوم الجمعة 29 يونيو الماضي، لمناقشة مكافحة الإرهاب مع المغرب، وهو حليف قوي للولايات المتحدة تعهد بعدم الاستكانة في معركة ضد الراديكاليين الإسلاميين بعد تفجيرات انتحارية وقعت هذا العام.
وأثارت موجة من نشاط المتشددين الدينيين عبر منطقة المغرب في الأشهر الأخيرة قلقا من أن الجماعات اليائسة توحد جهودها لإقامة حكم إسلامي في المنطقة، وشن هجمات على أوروبا وتهريب مقاتلين إلى العراق.
وقالت السفارة الأمريكية، إن مولر التقى مع مسؤولي وزارتي العدل والداخلية في المغرب خلال زيارته القصيرة.
وأضافت السفارة في بيان، دون إعطاء تفصيلات، أن”محادثاتهم تركزت على التعاون الثنائي الحالي والمقبل بين الولايات المتحدة والمغرب في مجالات تمثل أولوية، مثل مكافحة الإرهاب والجريمة الدولية”.
وفجّـر ثلاثة أشخاص أنفسهم وقتل رابع بالرصاص، بعد أن داهمت الشرطة منزلا في مدينة الدار البيضاء الساحلية المغربية في شهر أبريل الماضي.
وبعد ذلك ببضعة أيام، فجّـر انتحاريان نفسيهما خارج المكاتب الدبلوماسية الأمريكية في المدينة.
وغيّـرت الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وهي الجماعة الإسلامية المتمردة الرئيسية في الجزائر اسمها في يناير ليصبح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأعلنت مسؤوليتها عن تفجيرات انتحارية في الجزائر قتلت 33 شخصا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 يونيو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.