“التعايش بين الإسلاميين والعلمانيين احتمال ممكن”
احتضنت العاصمة التونسية يومي 15 و16 ديسمبر ندوة تحت عنوان "الإسلام والديمقراطية: أسئلة العلاقة وآفاقها".
وانعقدت الندوة بمبادرة من “المعهد العربي لحقوق الإنسان” و”مركز الإسلام والديمقراطية” بواشنطن، و”منتدى الجاحظ” التونسي.
تحوّل هذا اللقاء الفكري منذ انطلاقته إلى حدث على الصعيد الوطني، سواء من حيث طبيعة المسائل التي تمت إثارتها، أو من حيث التنوع الذي ميّـز المحاضرين والمشاركين في النقاش.
وقد وصف البعض هذا اللقاء الفكري، بأنه شكّـل فرصة “نادرة” لعدد من المثقفين والنشطاء التونسيين بأن يتحاوروا حول قضايا الإسلام والعلمانية والديمقراطية دون تشنّـج أو تبادل الاتهامات والتكفير والتخوين.
ويمكن القول أنه، لأول مرة منذ اندلاع المواجهة بين السلطة وحركة النهضة المحظورة في مطلع التسعينات، يدور في العاصمة التونسية حوار مفتوح وتعدّدي حضره علمانيون وعدد ممّـن يحملون أفكارا ذات منطلقات إسلامية.
وفي جلسة الافتتاح، فوجئ المشاركون بحضور السفير الأمريكي، رغم عدم توجيه دعوات إلى السلك الدبلوماسي، وهو إذ لم يتناول الكلمة، إلا أنه علل للمنظمين وجوده خلال نصف الساعة الأولى من أعمال الندوة باهتمامه بهذا الموضوع.
مقدمتان وتباين
أما مَـحاور الندوة، فقد وُزّعت على ست جلسات، وكانت ضربة البداية مع موضوع “جذور الاستبداد في الثقافة العربية الإسلامية”، حيث اعتبر عبد المجيد الشرفي، عميد كلية الآداب السابق أن الفقهاء “قدّموا قيمة النظام على قيمة العدل”، واعترفوا بشرعية الغالب، وغلّـبوا مصلحة المجموعة على مصلحة الفرد، وبذلك، “لم تتأسس الفردانية التي هي أساس النظام الديمقراطي”.
وأكّـد السيد الشرفي على دور القيم في ترسيخ الاستبداد بالمنطقة العربية، دون التقليل من العوامل الاقتصادية والسياسية، مثل هيمنة نمط الإنتاج التقليدي، وعدم مرور بلدان المنطقة بمرحلة التصنيع.
أما محمد القوماني، وهو ناشط حقوقي وسياسي، فقد أكّـد في مداخلته على أن نظام الحكم الذي عُـرف بالخلافة كان نظاما تاريخيا، ولم يُـعتبر “مقدّسا أو ثيوقراطيا”، وبالتالي، فإن مسألة الحكم تبقى مسألة اجتهادية و”ليست مسألة مقدسة”. لكنه دافع عن فكرة أن نزع القداسة عن السلطة السياسية “لا ينفي وجود علاقة بين السياسي والديني”، وأنه “لا يوجد في النصوص التأسيسية ما ينفي الطموح نحو تأسيس نظام ديمقراطي”.
هاتان المقدمتان أعطيا منذ البداية التوجّـه الذي سيُـلوِّن أجواء الندوة، ويدفع بالمشاركين إلى التباين في الآراء والتعبير عن المواقف بكل وضوح ودون مواربة.
إسلاميون وديمقراطيون
فهناك من أكّـدوا على أنه لا علاقة بين الإسلام والديمقراطية باعتبارهما “نظامين مختلفين في الطبيعة والمرجعية”، بينما جنح آخرون إلى التأكيد على أنه، بالرغم من أن الديمقراطية كانت نشأتُـها غربية، إلا أنه لا مانع من اتخاذها نظاما سياسيا، دون أن يعني ذلك الوقوع في تناقض مع الانتماء الإسلامي. وهناك من دعا إلى ضرورة التمييز بين الاستبداد الغربي والاستبداد الشرقي، وأن ما يظهر من تناقض، فمرجعه “الثقافة السائدة، وليس النص التأسيسي”.
وبعد الوجبة الأولى توالت المداخلات، حيث تناول أصحابها مداخل شتّـى لنفس الإشكالية، مثل علاقة الفقهاء بالسلطة السياسية، والشريعة والحقوق والحريات، أو الدولة والفضاء الديني، المسجد مثالا، ومسألة المساواة بين الجنسين، وقضايا الأقليات، إلى أن بلغت الندوة ذِروتها خلال الجلستين الأخيرتين.
لقد تعرّض كل من سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون بالقاهرة، وصلاح الدين الجورشي، رئيس “منتدى الجاحظ” إلى مسألة موقف الحركات الإسلامية من المسألة الديمقراطية.
وفي هذا السياق، استعرض سعد الدين خلاصة تجربته السياسية والفكرية التي انتقل من خلالها من الناصرية، وصولا إلى حواره مع الإسلاميين في سجن طرة لمدة ثلاث سنوات. وربط بين ذلك وبين الأحداث الكبرى التي جدت في العالم خلال فترة اعتقاله الأخيرة، متوقفا بالخصوص عند أحداث 11 سبتمبر، ووصول الإسلاميين إلى السلطة في تركيا، وهو ما جعله يقتنع وأكد بأن الاستمرار في انتهاج إقصاء الإسلاميين، وعدم العمل على إدماجهم، كان خطأا استراتيجيا فادحا.
وهاجم السيد سعد الدين بقوة الأنظمة المستبِـدّة في المنطقة العربية، وحمّـلها مسؤولية إيقاف الموجة الديمقراطية التي عمّـت معظم بلاد العالم، لكنها توقّـفت عند السواحل العربية، داعيا إلى نوع من العصيان المدني، وطالبا من العلمانيين المراهنة على إمكانية قيام شبكات من الإسلاميين الديمقراطيين.
الحوار مدخل للتعايش
أما محمد أوجار، وزير حقوق الإنسان سابقا في الحكومة المغربية، فقد استعرض ملامح من التجربة المغربية في مجال إدماج الإسلاميين ضمن عملية التحول الديمقراطي، إذ أكّـد على دور السلطة في إنجاح مثل هذا الرهان، إلا أنه اعتبر أن على كل مجتمع أن “يبتدع توافقا عقلانيا بين مختلف مكوناته، بما في ذلك السلطة”. وخاطب بدوره زملاءه العلمانيين، الذين يعتبر نفسه منهم قائلا: “أتفهّـم تخوفاتهم، لكني أريد أن أُطمئنهم، وأقول لهم بأن هناك العديد من الإسلاميين يملكون القدرة على معرفة الأسس التي قامت عليها الديمقراطية المسيحية”.
لم تشهد الساحة التونسية ندوة مثيرة ومتعددة المشارب وهادئة مثل التي حصلت قبل يومين. فحتى النقاشات التي دارت قبل التسعينات، اتّـسمت يومها بروح الصراع والإقصاء المتبادل، خاصة بين الإسلاميين والعلمانيين. ورغم أن وجوها قيادية لحركة النهضة المحظورة قد حضرت جزءً من النقاشات مثل علي العريض، الذي غادر السجن قبل فترة وجيزة بعد أن قضى في زنزانة انفرادية أربعة عشر سنة، إلا أن الرغبة في الإنصات والتعرف على الساحة الفكرية تغلّـبت على نزعة الرد والانتصار الحزبي.
من جهة أخرى، أقرت وجوه علمانية ليبرالية ويسارية بأنه قد حان الوقت لقبول مبدإ التعايش، واعتبرت هذه الشخصيات أن الجميع، بدون استثناء، في حاجة اليوم للمراجعة وممارسة النقد الذاتي.
هذه الرغبة في تأكيد الاعتراف بالآخر، جعلت أحد المنظمين للندوة يُـعلن بأن “النخبة التونسية بخير”، مضيفا أنه “إذا أخفقت السياسة في مساعدة التونسيين على التعايش رغم الاختلاف، فلماذا لا يجرِّبون الحوار الفكري والمدخل الثقافي؟”.
مراسلة خاصة بسويس إنفو (من العاصمة التونسية)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.