التعديلات الدستورية .. إعادة صياغة لمصر
فى واحدة من أغـرب جلسات البرلمان المصرى وأكثرها سخونة وضجيجا فى تاريخه المعاصر، وفى ظل حالة استقطاب واستنفار سياسى شديدة ندر حدوثها فى السنوات الأخيرة بين أعضاء البرلمان أنفسهم..
..أقرت الغالبية المنتمية للحزب الوطنى الحاكم تعديلات لأربع وثلاثين مادة دستورية كان الرئيس مبارك قد طالب بها قبل ثلاثة اشهر. وهو التعديل الأكبر للدستور المصرى منذ صدوره فى العام 1971.
فى واحدة من اغرب جلسات البرلمان المصرى وأكثرها سخونة وضجيجا فى تاريخه المعاصر، وفى ظل حالة استقطاب واستنفار سياسى شديدة ندر حدوثها فى السنوات الأخيرة بين أعضاء البرلمان أنفسهم، أقرت الغالبية المنتمية للحزب الوطنى الحاكم تعديلات لأربع وثلاثين مادة دستورية كان الرئيس مبارك قد طالب بها قبل ثلاثة اشهر. وهو التعديل الأكبر للدستور المصرى منذ صدوره فى العام 1971.
ولعل أكثر المفارقات فى هذا التعديل أنه يحدث فى ظل برلمان يكون ما يقرب من ربع عدد أعضائه من المعارضة والمستقلين، ومنهم 20% منتمون إلى جماعة الأخوان المحظورة قانونا والموجودة بحكم شعبيتها النسبية فى الشارع السياسى بعد أن فازوا فى انتخابات نوفمبر2005، وهى الأكثر عنفا فى تاريخ الانتخابات المصرية طوال خمسة عقود.
لكنها قواعد الديموقراطية وإجراءاتها التى تعطى الأغلبية حتى ولو كانت نسبية حق تمرير القوانين والتعديلات سواء كانت لها شعبية لدى المواطن العادى أم لا.
معارضة كبيرة وتأثير محدود
هذه المفارقة بعينها تعنى أيضا أن وجود أعضاء الإخوان والمعارضة بهذه النسبة الكبيرة لم يؤثر كثيرا فى صياغة التعديلات على النحو الذى اقره مبدئيا الحزب الحاكم، والذى لم يقبل أعضاؤه أى طلب من طلبات المعارضة لإعادة النظر فى الصياغات المقدمة لأى مادة من المواد الأربع والثلاثين. وكأن الحزب الحاكم يقول انه لابد من الفوز بالضربة القاضية وليعرف كل طرف حجمه السياسى، على الأقل فى المؤسسات الرسمية.
هذا المعنى بدوره كان قد تجسد فى أمرين؛ أحدهما سبق جلسة التصويت، والثانى ما جرى فى جلسة التصويت نفسها. فقبل جلسة التصويت على صياغة التعديلات التى جرت يوم الاثنين 19 مارس الجارى، وفى محاولة للتأثير على شرعية قرار التصويت نفسه، اتجه تفكير المعارضين بمن فيهم النواب المنتمين لجماعة الإخوان إلى تقديم الاستقالة من البرلمان على افتراض أن الاستقالة الجماعية لربع عدد النواب مرة واحدة كفيلة بإسقاط البرلمان ذاته، ومن ثم يتجه القرار إلى انتخابات جديدة، وبما سيؤثر على عملية التعديلات نفسها، بل ربما يلغيها من أساسها.
غير أنه عند البحث فى النواحى الإجرائية تبين أن تقديم الاستقالة سيتم بصورة فردية وليس بصورة جماعية، وان قبولها لابد أن يمر عبر إجراءات قد تستمر عدة أسابيع وليس لبضعة أيام وحسب، ومن ثم ستمر التعديلات دون أن يكون لمجرد تقديم الاستقالات أى اثر.
وهكذا بات التراجع عن هذه الفكرة أمرا مفروغا منه. وحسب تفسير قدمه أحد نواب جماعة الإخوان “إن قدمنا استقالاتنا ومرت التعديلات فسنكون قد دفعنا ثمنا بلا مقابل، فتراجعنا عن الأمر، وتمسكنا بسياسة النفس الطويل”.
حرب الرموز
أما ما جرى أثناء جلسة التصويت فقد كان مليئا بالرمزيات، حيث احتشد المعارضون متشحين بلافتات سوداء مكتوب عليها عبارات تناهض وترفض التعديلات، فى حين رد عليهم أعضاء الحزب الحاكم بلافتات خضراء وعبارات تؤيد التعديلات بنصها دون تغيير لأنها “دعامة للاستقرار والإصلاح المتدرج” وفقا لقناعاتهم.
وبجانب الشعارات السوداء احتج المعارضون داخل المجلس وخارجه وأمام كاميرات الفضائيات ليعلنوا رفضهم لما جرى ووصفه “نكسة دستورية كبرى وانقلابا دستوريا” وما شابه.
تحويل الإنتباه..
فى ظل هذا التشنج السياسى والرمزى، طرحت مناظرة ساخرة من قبيل “متى يمكن اللجوء للشارع واستنهاض الناس وهناك مؤسسات دستورية يمكن أن تكون ساحة للحوار والأخذ والرد”..
مفهوم طبعا أن الحزب الحاكم بحكم أغلبيته الكبيرة هو من أنصار العمل فى ظل المؤسسات القائمة، لأنه يُحكم قبضته عليها، ويستطيع أن يصدر أى شئ مهما كانت الاعتراضات الصاخبة من هذا الطرف أو ذاك، أما النزول إلى الشارع فهو الملجأ الأخير للمعارضة، لكن الشارع فى مصر كان للأسف الشديد مغيبا عن التعديلات وعن أمور أخرى كثيرة، وقد اسهم مثقفون عديدون فى تحويل الانتباه عن المواد المطروحة للتعديل، وبعضها مهم للغاية، لاسيما مادتى الإشراف القضائى على الانتخابات وإصدار قانون لمكافحة “أخطار الإرهاب” بديلا عن قانون الطوارئ، وطرحوا ـ أى المثقفين ـ بدورهم حوارا ساخنا بشأن تعديل المادة الثانية فى الدستور التى تقر بأن “مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسي للتشريع” في البلاد.
فى إطار حوار المثقفين هذا، اعتبر فريق أن هذه المادة غير المطروحة للتعديل هى الاولى بذلك، لأنها من وجهة نظرهم ضد المواطنة والمساواة وتؤسس لدولة دينية وتعطى حقا دستوريا لجماعات إسلامية أن تعمل بالسياسة دون رادع. فى حين رد المؤيدون لبقاء المادة على ماهيتها دون تغيير، بأنها تقر بالمواطنة وبأمر واقع منذ عشرات السنين، وان الدساتير السابقة قد تضمنت هذه المادة بشكل أو بأخر ولم يحدث أن فقدت الدولة فى مصر طبيعتها المدنية، وان المطالبين بإلغاء هذه المادة مناهضون للدين الاسلامى فى حد ذاته وهو أمر غير مقبول ولا يمكن السماح به.
حوار غير ذى فائدة
فى خضم هذا الحوار المكثف حول مادة لم تكن مطروحة للتعديل أو حتى للنقاش العام، ضاع الحوار الجاد حول المواد المطروحة بالفعل، ولذا فقد الرأى العام المعرفة الحقيقية بطبيعة المواد المطلوب تعديلها وأهمية كل منها وماذا ستضيف للنظام السياسى وماذا ستخصم منه، وهل ستمثل خطوة للامام على طريق الإصلاح السياسى والديموقراطى أم لا، وغير ذلك من الأسئلة الجوهرية التى تغاضى عنها المثقفون والحزبيون وأهملوا الحوار حولها، وفقدوا دورهم التنويرى المفترض وشغلوا أنفسهم بحوار عقيم، حتى أن أحد الكتاب المائة الذين وقعوا على بيان دعا الرئيس مبارك إلى إلغاء المادة الثانية اعترف فى لحظة صدق نادرة بأنه وزملائه من المثقفين لا يؤثرون على الرأى العام لانهم ببساطة بعيدون عن هموم الناس الحقيقية.
ولذا كانت صدمة البعض عالية حين فوجئوا بصياغة المادتين الخاصتين بإلغاء الإشراف القضائى واستبداله بصيغة “هيئة مستقلة” تشرف على الانتخابات وتكون لها حصانة سياسية وقانونية، و تعديل المادة 179 الخاصة بإصدار قانون لمواجهة أخطار الإرهاب على أن يتضمن تعطيلا للمواد الدستورية الأخرى الخاصة بالحريات والحقوق الشخصية. الامر الذى رأه كثيرون انه اكثر قسوة من إجراءات الطوارئ، ويؤسس لإطلاق يد المؤسسات الأمنية بعيدا عن رقابة القضاء. فضلا عن أن طبيعة تشكيل اللجنة المشرفة على الانتخابات تعنى تقييد الإشراف القضائى ومن ثم تسمح بالتزوير.
وهى الأسباب التى تمسك بها النواب المعارضون والأحزاب وقوى مدنية لرفض التعديلات وفى الدعوة إلى عدد من التظاهرات الاحتجاجية ودعوة المواطنين إلى مقاطعة الاستفتاء المقرر إجراؤه يوم الاثنين 26 مارس الجارى. فى الوقت نفسه، يعمل الحزب الحاكم على حشد المواطنين للمشاركة فى الاستفتاء لتدعيم شرعية التعديلات التي أقرها البرلمان.
استنتاجات خطرة
وبالعودة إلى المفارقة التى تتصدر هذا المقال، فقد تخوف بعض المحللين من أن إقرار التعديلات الدستورية بالصورة التى جرت وقائعها، قد تدفع البعض إلى الاستنتاج بأن العمل من داخل المؤسسات الدستورية لا يعطى نتائجه المرجوة، فالمعارضة البرلمانية قدمت كثيرا من الصياغات المعدلة لبعض المواد ولم يؤخذ بأى منها، وقد يستنتج البعض الآخر أن البديل الوحيد هو العمل خارج النظام وليس داخله، وبما يعنى لجوء البعض إلى العنف مثلا.
وهنا يكمن تحدى استيعاب مثل تلك الاستنتاجات فى المراحل اللاحقة المخصصة لتحويل التعديلات الجديدة إلى قوانين نافذة. والمنتظر ان تكون معركة قانون الإرهاب الجديد أكثر حدة من تمرير التعديلات الدستورية نفسها.
محللون آخرون يرون أن العملية برمتها ذات صلة بتغير السياسة الأمريكية الخاصة بنشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط، فهى الآن، وتحت وطأة ما يجرى فى العراق، أعطت للاستقرار والعلاقات مع النظم القائمة الأولوية عن أى شئ آخر، الامر الذى أباح للنظم أن تعيد صياغة واقعها بما يلائمها، ويلائم مصالحها سواء أعطت الصياغات الجديدة للديموقراطية مساحة جديدة أم لا.
من يحفز الناس ؟
وإذا كانت قدرة المعارضة محدودة أو بالأحرى معدومة على إثارة هبات جماهيرية كبرى ضد التعديلات والاستفتاء عليها، فإن الحزب الحاكم يواجه بدوره إشكالية تحفيز الناس على المشاركة فى الاستفتاء وتأييد التعديلات وإعطائها الشرعية السياسية والدستورية معا.
فإشكالية المشاركة الشعبية من الإشكاليات الدائمة فى الانتخابات البرلمانية وفى الاستفتاءات، لاسيما الأخيرة التى قد يرى فيها المواطنون انهم غير معنيين بها، فهم لم يشاركوا فى طرح ما يجب تعديله، كما انهم لا يفهموا تماما طبيعة تلك التعديلات وكيف يمكن لها أن تؤثر على واقعهم المعاش وعلى مستقبلهم المقبل.
د. حسن أبو طالب – القاهرة
القاهرة (رويترز) – أقر مجلس الشعب المصري يوم الاثنين 19 مارس 2007 تعديلات على 34 مادة في الدستور، اقترح الرئيس حسني مبارك إدخالها في ديسمبر الماضي، فيما قال إنها إصلاحات ديمقراطية، ولا تصبح التعديلات الدستورية نهائية، إلا إذا وافق عليها الناخبون في استفتاء عام.
وفيما يلي أهم الحقائق حول التعديلات..
– تقول أحزاب وجماعات المعارضة، إن التعديلات تلغي الإشراف القضائي الكامل على عملية الاقتراع في الانتخابات العامة، وتطالب، ومعها منظمات المجتمع المدني، ببقاء الإشراف القضائي الكامل، باعتباره من أفضل وسائل منع الانتهاكات والمخالفات التي تشوب الاقتراع في مصر.
– تبقي التعديلات على إشراف قضائي، لكن على مستوى لجنة عليا للانتخابات ولجان عامة، أما لجان الاقتراع وفرز الأصوات، فستتشكل على الأرجح من موظفين في الحكومة.
– قالت أحزاب وجماعات المعارضة الرئيسية في بيان، أن تعديل المادة 179 سوف “يوقف الضمانات الدستورية للحريات الشخصية… ويفتح الطريق للدولة البوليسية”.
– ويمهد تعديل المادة لسن قانون لمكافحة الإرهاب، يحل محل حالة الطوارئ المعلنة منذ اغتيال الرئيس أنور السادات برصاص متشددين إسلاميين عام 1981.
– يدعو تعديل المادة 179 لتعطيل الضمانات الدستورية التي تكفل الحرية الشخصية ضد الاحتجاز والتفتيش والحبس أو تقييد الحرية أو المنع من التنقل، إلا إذا قامت ضرورة يقرّرها قاض ويستدعيها تحقيق تجريه النيابة العامة.
– يسمح تعديل المادة 179 للسلطات الأمنية بدخول المساكن وتفتيشها بدون أمر قضائي مسبب كما توقف الحماية القانونية لحرمة الحياة الخاصة وتسمح بالاطلاع على المراسلات البريدية والبرقية والتنصت على المحادثات الهاتفية.
– يسمح تعديل المادة 179 لرئيس الدولة بإحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية.
ويقول محللون، إن تعديل المادة 179 يجعل بعض بنود قانون الطوارئ المطبّـق حاليا، جزءا من مواد الدستور.
– تسمح التعديلات لرئيس الدولة بحل مجلس الشعب، دون الرجوع للناخبين.
– تحظر التعديلات أي نشاط سياسي يقوم على أساس ديني أو مرجعية دينية. ويقول محللون، إن ذلك يستهدف في الأساس جماعة الإخوان المسلمين وسيُـصيبها بضرر شديد وستقضي على أمل الجماعة، وهي أكبر جماعة معارضة في البلاد في أن تصبح حزبا سياسيا معترفا به، الأمر الذي قد يؤدّي إلى تقليص دورها في الحياة السياسية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 19 مارس 2007)
“إننا نقدر تخوف البعض من احتمالات مساس مشروع قانون الإرهاب بحقوق المواطنين، لكن اللجنة الوزارية المكلفة بإعداد مشروع القانون حريصة على عدم المساس بهذه الحقوق والحريات إلا فى أضيق الحدود التى تستلزمها ضمانات حماية المجتمع، وأنها تستهدى فى عملها بالقانون النموذجى الذى أعدته الأمم المتحدة فى هذا الشأن، وبقوانين مكافحة الإرهاب التى أصدرتها دول مثل إنجلترا وفرنسا وأسبانيا والولايات المتحدة”.
د. مفيد شهاب، وزير الشئون القانونية و المجالس النيابية نقلا عن جريدة “المصرى اليوم” بتاريخ 22/2/2007
“بالتأكيد الآن ان الولايات المتحدة تعلم ان اى ديموقراطية حقيقية سوف تأتى بأنظمة معادية لها وسيكون الشارع رافضا للسياسة.. وليس بالضرورة ان تكون هذه النظم إسلامية، فهناك تيار قومى مكبوت”.
“التعديل الدستورى سوف ينظم الإشراف القضائى. وإذا تحدثنا عن التزوير فإنه قد يتم فى وجود القضاة. منذ متى نزل القضاة إلى الشارع بعد الانتخابات؟ هل هم الشرفاء الوحيدون فى هذا البلد”؟
د. مصطفى الفقى رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشعب المصرى، فى حوار تليفزيزنى منشور فى جريدة “المصرى اليوم” بتاريخ 19/3/2007
“الاسلام هو صاحب فكرة المواطنة فهو الدين الذى يسوى بين الناس جميعا كأسنان المشط، مسلم، مسيحى ودرزى ويهودى. الجميع لهم حق المواطنة فى الإسلام التى اقرها الإسلام منذ 14 قرنا.. الإخوان يعلنونها فى كل وقت انه لا فرق عندنا بين مسلم ومسيحى، بل على العكس نحن لا يكتمل ديننا إلا إذا أمنا بكل هذه الأديان وهذا أمر مفروغ منه. والدستور الحالى يحترم هذه المواطنة احتراما شديدا لانه يساوى بين المواطنين فالمواطنة هى احترام الإنسان وان يكون له ما للجميع وعليه ما على الجميع”
مهدى عاكف المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين فى حوار صحفى مع جريدة “نهضة مصر” بتاريخ 15 – 16 فبراير 2007.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.