التعديل الحكومي يثير ردود أفعال متباينة
تباينت ردود الأفعال حيال التعديل الحكومي الواسع الذي أجراه الرئيس اليمني على حكومة لا يفصلها عن الانتخابات الرئاسية والمحلية سوى بضعة أشهر.
ومثلما كان متوقعا، اختلفت الرؤى والتقييمات للحدث الذي جاء بأكثر من عشرين وزيرا جديدا إلى التشكيلة من وسط إلى آخـر.
وجاءت المواقف من هذه الخطوة متباينة تبعا للموقع من السلطة على أن الملمح الأبرز تمثل في أن الشارع اليمني لم يخف غبطته من إزاحة بعض الوجوه التي مضى عليها عقود من الزمن وظل ينظر إليها كوجوه مؤبدة لا خلاص منها.
وكان حافز ارتياحه أن الحدث الذي أقصى بعض الرموز العتيقة جاء في سياق تنام ملحوظ للحديث الرسمي عن توجه للقضاء على الفساد والاختلالات الإدارية والمالية تماشيا مع تزايد الضغوط الخارجية على صنعاء المطالبة بتصحيح مسار أداء وفعالية مؤسسات وهيئات الدولة اليمنية ومكافحة الفساد والوفاء بمعايير الحكم الرشيد الذي خسر اليمن الترشح له السنة الفارطة.
المعارضة رأت أن دوافع التعديل الحكومي هو إيهام الدول المانحة بالتغيير وخداع الرأي العام وهو ما تنفيه القيادة السياسية والحزبية في السلطة التي تقول إن التعديل الحكومي الواسع الذي جاء ب 15 وزيرا جديدا يمثل تجسيدا لإرادة وطنية عبرت عنها توصيات المؤتمر السابع لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وان ذلك القرار “يعد تحولا نوعيا”، كما ذهب إلى ذلك الأمين العام المساعد للحزب الحاكم السيد سلطان البركاني الذي جدد تأكيده على أن “حزبه وقيادته هو الأقدر على القيام بالتغيرات إلى الأفضل”.
التفسير ذاته ورد على لسان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي أكد خلال ترأسه لأول مجلس للوزارء عقب أداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية يوم الثلاثاء 14 فبراير بقوله: “إن الحكومة المعدلة أمامها حزمة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية والقضائية التي اقرها المؤتمر السابع” لحزبه المؤتمر الشعبي العام، موضحا أن تلك الإصلاحات “قد اتخذ بها قرار داخلي وأنها لم تمل على بلاده من الخارج”، معتبرا أن “أي إملاء خارجي مرفوض ولن تتفاعل معه القوى الوطنية”، وأن “أي مساعدة مشروطة لليمن مرفوضة”.
كما شدد الرئيس اليمني في حديثه على أن الإصلاحات لا رجعة عنها قائلا: “إننا ماضون ومستمرون في الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية ومكافحة الفساد والإرهاب”.
سياسات فاسدة
المعارضة اليمنية على النقيض من ذلك لا تعول كثيرا على التعديل الحكومي ولا توافق على أن دوافعه داخلية محضة.
وفي هذا السياق علق على الحدث عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني رئيس دائرة منظمات المجتمع المدني علي محمد الصراري بقوله لسويس انفو: “هناك عاملان وراء التعديل الحكومي: الأول قرب الانتخابات الرئاسية المحلية وحاجة النظام إلى وسائل جديدة في خداع الرأي العام الداخلي. والعامل الثاني: الضغوط الخارجية وخاصة من قبل الدول المانحة وبصورة رئيسية ما جرى لدى الزيارة الأخيرة للرئيس صالح إلى الولايات المتحدة وفرنسا واليابان التي قوبل فيها بمطالب إصلاحية صريحة عليه أن ينجزها في ظرف ستة أشهر ولاشك أن التعديل الوزاري هو محاولة لإرضاء الدول المانحة وإقناعها أن اليمن جاد في سلوك سبيل الإصلاحات”، حسب قوله.
لكن الصراري يستطرد مشيرا إلى أن “المشكلة الحقيقية التي نعاني منها ليست في وجود وزراء فاسدين بقدر ماهي وجود سياسات فاسدة، الأمر الذي يجعل تغيير عدد من الوزراء لا معنى له في ظل بقاء سياسة الفساد”.
وخلص عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي إلى القول بأن “التعديل الحكومي هو محاولة للتهرب من إجراء إصلاحات حقيقية يكون محورها خوض حرب حقيقية وعدم القناعة بإجراء إصلاحات حقيقية ولو في حدها الأدنى”، معتبرا أن “ما تعاني منه اليمن أعمق بكثير مجرد استبدال شخص”.
محمد المقالح، الكاتب والصحفي المعارض لا يذهب بعيدا عما ذهب إليه زميله حيث يقول: “الحكومة أرادت توجيه رسائل بأنها ماضية في محاربة الفساد وفي إجراء إصلاح في الهيكل الإداري والمالي لكنها فشلت لأنها ضمت وزيرين يعدان من اشد معارضي الإصلاحات السياسية وهما وزير المالية ووزيرالإعلام علاوة على أن وزير الداخلية بدلا من أن يحاسب على الانفلات الأمني رقي إلى نائب رئيس وزراء إلى جانب احتفاظه بحقيبة الداخلية مما يعني أنه ليست هناك معالجات جوهرية من شأنها أن تحدث تحولات في السياسات المتبعة”.
ولا يرى المقالح في الحكومة المعدلة سوى “بديل اضطراري لفكرة تشكيل حكومة ائتلافية كان الرئيس صالح قد فاتح بها أحزاب المعارضة (إثر عودته من واشنطن في نوفمبر الماضي) لكنها قوبلت بالرفض لأنها ستكون بمثابة حكومة ائتلافية ببرنامج الحزب الحاكم الهدف منها إعطاء الانطباع أمام الدول المانحة بأنها حكومة وحدة وطنية فيما برنامجها هو برنامج الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي. ولهذا جاءت الحكومة بدافع توليد الانطباعات لدى الخارج بالتغيير أكثر من كونها أداة تغيير.”
ويقر المقالح بكون التغيير قد أتى ببعض الوجوه المطمئنة مثل رئيس المحكمة العليا ووزير العدل وبعض وزراء الوزارات الخدمية الذين يرى انهم يتمتعون بالنزاهة لكنهم على حد تعبيره “محكومون في نهاية الأمر بخيارات سياسية قارة يصعب تجاوزها”.
مؤشرات غير مطمئنة
ومن المؤشرات التي لم تطمئن لها الأوساط السياسية عودة وزير الإعلام الأسبق حسن أللوزي الذي اقترنت أسوأ مراحل التضييق على الحريات الصحفية بعهده قبل نهج التعددية السياسية وحرية الصحافة وعرف عهده قمع حريات العبير فضلا عن أنه يعد من اشد المتحمسين لمشروع قانون الصحافة والمطبوعات في مجلس الشورى الذي قوبل برفض الوسط الإعلامي.
وبالتالي فإن الأوساط الصحفية والسياسية ترى أن تعيينه بهذا المنصب بعد أزيد من 15 سنة على التعددية السياسية وحرية التعبير وفي وقت يسعى اليمن إلى تحقيق معايير الحكم الرشيد الذي تمثل حرية الصحافة احد أركانه الأساسية عودة إلى تلك الأجواء في وقت يطالب فيه الخارج اليمن بوضع حد لملاحقة الصحفيين وتأمين مناخ أكثر تشجيعا للصحافة الحرة باعتبارها شريكا رئيسيا في مكافحة الفساد.
عموما، سيظل تفاوت المشاعر والمواقف بين الشارع والمعارضة والسلطة سيد الموقف حتى تتضح جيدا مقاصد وآثار التعديل الحكومي الأخير على مختلف جوانب الحياة في اليمن التي تعاني من اختلالات كثيرة تشغل بال المواطنين.
أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن التعديل جاء قبل أشهر قليلة من موعد إجراء الانتخابات المحلية والرئاسية التي باتت كل المؤشرات الأولية تصب في تأكيد أن الرئيس علي عبد الله صالح سيكون مرشحا لها رغم إعلانه في شهر يوليو 2005 عن عدم ترشحه لمنصب الرئاسة مجددا، ولعل ذلك ما أدى إلى ردود أفعال متباينة على ذلك النحو.
عبدالكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.