التعليم في سويسرا.. إمكانيات هائلة واستراتيجيات متضادة
شهدت جنيف الشهر الجاري الإعلان عن تأسيس الشبكة السويسرية الدولية للتعليم، للترويج لمزايا النظام التعليمي والإمكانات الكبيرة التي يتيحها للطلبة والباحثين المحليين والأجانب.
وتأتي الخطوة في سياق دولي يحتكِـم إلى الجودة العالية والمنافسة الشديدة على استقطاب أصحاب الكفاءات العالية. فهل تنجح هذه الشبكة في تسويق التعليم، كما نجحت قطاعات سويسرية أخرى من قبل في اختراق الأسواق الدولية، كصناعة الساعات والتقنيات الدقيقة والخدمات السياحية؟
إذا كان قطاعا الصناعات والخدمات قد استأثرا حتى عهد قريب بمزايا التميـّز والجودة والابتكار التي اشتهرت بها سويسرا، فإن لهذا البلد باع أيضا في المجال التعليمي، إذ كان الرهان منذ البداية على التنمية البشرية في غياب افتقار البلاد إلى الثروات الطبيعية، يدعمه في ذلك، التنوع الثقافي والتعدد اللغوي والانفتاح على المجال الدولي.
وتحتل سويسرا المرتبة الأولى في العالم من حيث المنشورات العلمية وتضم أكبر عدد من المبدعين الحائزين على جوائز نوبل (بالنسبة لعدد السكان).
ولقيت مبادرة تأسيس هذه الشبكة، الدعم من المشروعات والمؤسسات الاقتصادية الخاصة، كاتحاد المصارف السويسرية وشركات الصناعات الدقيقة من الإلكترونيات والساعات.
وحول أهمية هذا المشروع، يقول باسكال كوشبان، وزير الشؤون الداخلية: “إنه مشروع مثالي، يسعى إلى توحيد جهود جميع العاملين في قطاع التعليم ويسمح بالتعريف بجامعاتنا ومعاهدنا العلمية، ويعزّز من قدراتها التنافسية”.
كما حظيت هذه الشبكة، منذ الإعلان عنها، بدعم واضح من شارل كليبر، كاتب الدولة للتعليم والبحث العلمي، الذي قال بالمناسبة: “إننا نعلّق آمالا كبيرة على هذه الخطوة الهادفة إلى التعريف بأفضل فرص التعليم المتاحة في سويسرا، وتضع في متناول الطلبة والهيئات العامة ومراكز الأعمال، دليلا شاملا للولوج إلى المؤسسات التعليمية العليا بسويسرا”.
مزايا التعليم في سويسرا
يشهد قطاع التعليم في سويسرا منذ الثمانينات قفزة نوعية، تزامنت مع ظهور الاقتصاديات المعولمة وتصاعد الضغوط الديمغرافية والتحولات الاجتماعية، وأصبح الأمن والاستقرار مطلبا ملِـحا في عالمٍ انفتحت ثقافاته على بعضها البعض، وهكذا بات على الجامعات والمعاهد العلمية، الاستجابة لهذه التحديات بتوفير فرص تعليمية للطلبة المحليين والأجانب، وضمان وسائل كفيلة بتلبية الاحتياجات وخوض غِـمار المنافسة الدولية وتحقيق التفوق.
وساعد الوضع الاجتماعي المستقِـر والمريح في سويسرا والإقبال الشديد على الاستهلاك، إلى الارتقاء بالبحوث العلمية في المجالات الخدماتية، كالطب والصيدلة والفندقة والاتصالات، وأدّى منهجيا إلى إرساء نظام تعليمي يجمع بين البحوث النظرية العميقة والعلوم التقنية عالية الجودة.
ويشتهر النظام التعليمي في سويسرا، بالإضافة إلى ما سبق، بالانضباط والدقة العلمية والتميـّز في اختصاصات محدّدة، مثل الصيدلة والكيمياء والبيولوجيا والبيوتكنولوجيا والفيزياء.
وللتذكير، هناك العديد من الأدوية حصَـل اكتشافها وتصنيعها في المختبرات السويسرية المجهّزة بأحدث الوسائل والمنتشرة على نطاق واسع في المؤسسات التعليمية العامة والخاصة وموزعة على مختلف جهات البلاد، وتعدّ زيورخ وبازل ولوزان وجنيف من أهمّ المراكز البحثية والعلمية في الكنفدرالية.
ومن العوامل الجاذبة للطلاب الأجانب، المرونة الفريدة في استخدام اللغات، إذ بإمكان الباحث استخدام أي من اللغات الوطنية الثلاث (الألمانية والفرنسية والإيطالية) أو اللغة الإنجليزية، إضافة إلى توفر فرص التدريب في العديد من المؤسسات المحلية والدولية. فسويسرا تحتضن المقار الرئيسية للوكالات والمنظمات الدولية المتخصصة، كمنظمة التجارة العالمية والملكية الفكرية والمركز الدولي للاتصالات اللاسلكية ومركز التجارة العالمي.
استراتيجيات واستراتيجيات مضادة
لتحقيق أهدافها في الإشعاع وتعزيز القدرة التنافسية على الساحة الدولية في المجال العلمي، اعتمدت الشبكة السويسرية الدولية خطة تهدف إلى تكثيف التعاون والتنسيق بين المؤسسات التعليمية العامة والخاصة ودعم حضورها في الخارج عبر المشاركة في المعارض الدولية أو من خلال تنظيم أنشطة، هدفها التعريف بالمزايا والإمكانات المتاحة في سويسرا، بالإضافة إلى تنظيم تظاهرات لتوثيق العلاقة مع الطلبة الذين سبق أن درسوا في الجامعات السويسرية، وهم اليوم يحتلون مواقع متقدّمة في بلدانهم.
ولتجسيد هذا التوجه ودعمه، تصدِر الشبكة نشرية نصف سنوية باللغة الإنجليزية، تعرض مستجدات القطاع التعليمي في سويسرا وتقدم دليلا مفيدا للطلاب الراغبين في الالتحاق بالجامعات.
وفي مقابل هذه الإستراتيجية المنفتحة على الخارج والهادفة إلى استقطاب الكفاءات، تدخل حيـّز النفاذ في شهر يناير 2008 تِـرسانة من القوانين المتعلقة بإقامة الأجانب، يخشى المشرفون على حظوظ التعليم أن تُـعرقل المساعي سابقة الذكر وتفقد المؤسسات العلمية الجاذبية التي كانت تحظى بها، ومن تلك الإجراءات، تحديد إقامة الطلبة الأجانب بثمان سنوات لا أكثر ومنعهم من ممارسة أي عمل إلى جانب الدراسة في الأشهر الستة الأولى لقدومهم وإجبار الباحثين الذين أنهوا بحوثهم من دون أن يحصُلوا على عمل على المغادرة.
ولكن هذه الإجراءات تُـواجَـه باعتراضات قوية من الدوائر العلمية، ويطالب ألكسندر زيندار، رئيس مجلس المدارس الفدرالية العليا للعلوم التطبيقية بمراجعة هذه الإجراءات، ويؤكد: أن “ثمان سنوات لاستكمال المشوار الدراسي غير كافية لمن أراد أن يعمّـق بحوثه العلمية، وأن حِـرمان الطلبة من العمل لمدة ستة أشهر يجعل الجامعات السويسرية مفتوحة للأثرياء وليس للأكفّـاء، وفي إجبار الباحثين مغادرة البلاد بعد إكمال دراستهم، إضرار كبير بمصالح البلاد، لأنه في تلك المرحلة، يبدأ العطاء الفعلي للكفاءات، وليس قبلها”.
كذلك يعتقد إيريك بيرسيي، عضو بنقابة المحامين بجنيف ولوزان، أن “إجبار الطالب الأجنبي على إمضاء وثيقة يلتزم فيها مُـسبقا بمغادرة البلاد عند انتهاء سنوات الدراسة، يخلق لديه وضعا نفسيا سيِّـئا جدا ويضع عائقا أمام اندِماجه وتفوّقه الدراسي، ويحرِم الاقتصاد السويسري من مساهمة هذه الكفاءات التي تكوّنت خِـبراتها في جامعاتنا”.
وفي ردّ على هذه الانتقادات، يقول السيد جوناس مونتاني، مسؤول الإعلام والاتصال بالمكتب الفدرالي للهجرة: “لم تُـوضع تلك القوانين لحِـرمان الباحثين والخبراء أصحاب الكفاءة من حق الإقامة، بل من أجل أن لا يتجاوز عدد الطلاّب القدرة الاستيعابية للجامعات وأن لا يحرم أبناء البلد من حقِّـهم في الشغل، والحال أن فُـرص الشغل محدودة”.
كما يعتقد مونتاني في سلامة الإجراءات الهادفة إلى تحديد إقامة الطلبة الأجانب بثمان سنوات، “حتى لا يتمكن الطالب الأجنبي من البقاء في البلاد والعمل بعد أن يكون قد أنهى دراسته، لكن أصحاب الكفاءة والتميّز والذين بحوزتهم عقود عمل، فلهم الحق في الإقامة”.
هكذا إذن نحن أمام أولويتين متضاربتين ومنطقين مختلفين، حيث تحتكم الأولى للمنفعة الاقتصادية والمصلحة العامة، وترتبط الثانية بمخاوف أمنية ومعادلات اجتماعية تريد أن تحد من الحضور الأجنبي، خاصة من بلدان الجنوب، ولا يبدو في الأفق ما يجمع بينهما إلا إذا ما تغلب منطق التوافق التقليدي على بقية الإعتبارات المتعارضة.
عبد الحفيظ العبدلي – جنيف
يتشكل النظام التعليمي السويسري من ثلاثة مراحل: المرحلة الابتدائية والثانوية والجامعية، وتشكل المرحلتان الأوليتان معا المدرسة الإجبارية، أما الجزء الثاني من المرحلة الثانوية، بالإضافة إلى المرحلة الثالثة، فيمثلان التعليم غير الإجباري.
تشمل المرحلة الثالثة أيضا المدارس العليا ومؤسسات التدريب المهني، ومن المدارس العليا، نجد معهدين فدراليين للعلوم التطبيقية، الأولى بزيورخ والثانية بلوزان، وهما ملحقان مباشرة بالإدارة الفدرالية، وعشر جامعات كانتونية تخضع لإدارة وتمويل الكانتونات، فضلا عن ثمانية مدارس عليا متخصصة و15 مدرسة عليا للبيداغوجيا.
بلغ عدد الطلبة خلال السنة الجامعية 2006 /2007 ما يقرب من 114.000 طالب كانوا مسجلين بالجامعات السويسرية، في حين تجاوز عدد الطلبة في المدارس المتخصصة 55.000 طالب.
تبلغ نسبة الطلبة الأجانب في سويسرا ما بين 20% و25% من مجموع الطلبة.
يزداد عدد الطلبة في سويسرا بنسبة 1.7% كل سنة.
يوجد في سويسرا سبعة مليون ساكن، وأربعة ثقافات، و26 كانتونا، لكل واحد منها نظاما تعليميا خاصا.
تنقسم المؤسسات التعليمية في سويسرا إلى قطاع خاص وقطاع عام، وإلى مؤسسات كانتونية وأخرى فدرالية.
تنفق سويسرا 6.7% من إجمالي الناتج المحلي على قطاع التعليم، وقد زادت تلك النسبة بمعدل 20% منذ 1990.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.