التقاليد الإنسانية لسويسرا على المِـحكّ
بعد أن تمّ التصويت عليه في مناسبات عدّة، يعود ملف اللجوء مُـجدّدا ليتصدّر الاهتمام في سويسرا، ولكن في شكل استفتاء مناهض للمراجعة الأخيرة للقانون الفدرالي حول اللجوء.
وفيما يرى مؤيدو المراجعة أنها ليست سوى محاولة للتأقلم مع الوقائع الميدانية، يذهب المعارضون إلى أنها تُـفرغ سياسة اللجوء من أي مضمون.
بعد أن تمّ التصويت عليه في مناسبات عدّة، يعود ملف اللجوء مُـجدّدا ليتصدّر الاهتمام في سويسرا، ولكن في شكل استفتاء مناهض للمراجعة الأخيرة للقانون الفدرالي حول اللجوء.
وفيما يرى مؤيدو المراجعة أنها ليست سوى محاولة للتأقلم مع الوقائع الميدانية، يذهب المعارضون إلى أنها تُـفرغ سياسة اللجوء من أي مضمون.
كانت الحكومة تأمل، من خلال مراجعة القانون الفدرالي حول اللجوء، تحديث إجراءات وطريقة التعاطي مع ملفات طالبي اللجوء، إلا أن المشروع تحوّل إلى مثار نِـقاش حادّ بين المؤيدين للتشديد والمدافعين عن التقاليد الإنسانية لسويسرا.
وفي أعقاب نقاش برلماني، استمر 3 أعوام، صادق البرلمان في نهاية المطاف على الإصلاح المقترح بنتيجة عَـكست حجم الخلاف، إذ صادق عليه مجلس الشيوخ بـ 33 صوتا مقابل 12، وحظي بموافقة 108 نائب من مجلس النواب مقابل رفض 69.
لذلك، قرر اليسار التوجّـه إلى الشعب، وقد نجح في ذلك أيما نجاح، حيث تمكّـن من جمع 90652 توقيع على الاستفتاء الذي اقترحه، أي بزيادة 40 ألف توقيع عمّـا هو مطلوب قانونيا.
أوراق صالحة
تتمثل نقطة الخلاف الكبرى الأولى بين اليسار والمؤيدين للإصلاحات التي أدخِـلت على القانون الفدرالي للجوء في مسألة الأوراق الثبوتية، التي يجب أن يُـوفّـرها اللاجئون لدى تقديمهم لطلب اللجوء إلى الكنفدرالية.
وفي حقيقة الأمر، لا يبدو الفرق واضحا لأول وهلة. فالقانون القديم والجديد ينُـصانّ على أن السلطات لا تنظر في أي ملف طلب لجوء، ما لم تُـقدّم الوثائق المطلوبة في ظرف لا يتجاوز 48 ساعة، إلا أن ما يتغيّـر هو التعريف المقدَّم لهذه الوثائق.
فالقانون القديم يتحدّث عن “وثائق سفر أو وثائق أخرى تسمح بتحديد هوية طالب اللجوء”. أما الصيغة الجديدة، فتتحدّث عن “وثائق سفر أو وثائق هوية”، لذلك، وطِـبقا للقانون الجديد، فلن تكون رُخصة سياقة أو بطاقة عسكرية قديمة كافية لتحديد هوية الشخص.
هذا التحوير أثار المعارضين للقانون، الذين يعتبرون أنه، وبشكل عام، من العسير جدا على شخص يتعرّض للاضطهاد أن يحصُـل على وثائق الهوية. ويرى هؤلاء أن هذا التغيير لن يفيد إلا في تقليص عدد اللاجئين في سويسرا.
في المقابل، يعتبر المؤيدون للقانون الجديد أن هذا التحوير ضروري من أجل مكافحة ظاهرة اللاجئين الوهميين. ففي معظم الحالات، يُقـدِم طالبو اللجوء على تمزيق وثائقهم الثبوتية، حتى يتجنّـبوا اكتشاف السلطات قدومهم من منطقة لا يَـتعرض سكانها للقمع أو للاضطهاد.
المساعدة
نقطة الخلاف الثانية الكبرى تتمحور حول المساعدة المقدّمة للاجئين. فإلى حدّ الآن، لا يحصُـل طالبو اللجوء، الذين قررت السلطات، لسبب أو لآخر، عدم النظر في طلباتهم، إلا على مساعدة طارئة تقلّ قيمتها عن المساعدة الاجتماعية العادية. أما في ظل الإصلاح المقرر لقانون اللجوء، فإن هذا الإجراء سوف يُـطبّق على جميع طالبي اللجوء، الذين تقرر السلطات رفض طلباتهم.
فقد ورد في القانون الجديد أن “الأشخاص الذين صدر بحقهم قرار بالطرد الفوري، والذين مُـنِـحوا أجلا للمغادرة، يُـمكن أن يتمّ إقصاءهم من نظام المساعدة الاجتماعية”. كما ينص القانون أيضا على أن المساعدة الممنوحة إلى طالبي اللجوء، الذين ليس لديهم ترخيص بالإقامة، يجب أن تُـعطى – في حدود الإمكان – في شكل خدمات عينية.
هنا أيضا، تفترق الرؤى بين المؤيدين والمناهضين للقانون الجديد بشكل جذري. ففي حين يرى المعارضون أن معاملة من هذا القبيل مهينة، يذهب المؤيدون إلى أن من شأن هذا الإجراء أن يقلّـص من جاذبية سويسرا ويؤدّي تبعا لذلك إلى الحدّ من عدد اللاجئين غير الحقيقيين.
حماية التقاليد الإنسانية
عموما، يعتقد المعارضون أن هذا القانون سيضع حدّا نهائيا للتقاليد الإنسانية لسويسرا، ويقول النائب البرلماني أولي لوينبرغر، نائب رئيس حزب الخُـضر: “إن هذا النص مثير للصدمة”.
ويشدد لوينبرغر على أن “هذا القانون الجديد سيُـلقي بسويسرا في المربّـع الأخير للبلدان الأوروبية على مستوى استقبال المضطهدين”، ويضيف “إن ما يصدمني هو أنها مرّت، بناء على أكاذيب، تزعم منذ عدة أعوام أن 95% من اللاجئين هم لاجئون مزيّـفون. إن سويسرا بصدد تجاوز خطّ أحمر، أن تكون كارها للأجانب وعنصريا، هذه ليست قيما سويسرية”.
هذه الانتقادات لا تثير النائب إيفان بيران، نائب رئيس حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، الذي يعتبر أن مراجعة القانون لا غنى عنها، ويقول: “لقد أخذت بعين الاعتبار عددا من المشاكل التي ظهرت خلال السنوات العشر الأخيرة. يجب علينا أن نتسلّـح بوسائل تسمح بمكافحة أولئك الذين يسعون إلى استغلال ضيافتنا، ولا مفرّ من الاستنتاج بأنهم كُـثُـر”.
تجدر الإشارة إلى أن المعارضين للقانون – وعلى غرار المؤيدين – يُـصرّون على أنهم يسعون إلى حماية التقاليد الإنسانية لسويسرا. لكن هذه الحماية تمرّ، حسب رأيهم، عبر ملاحقة التجاوزات التي تؤدّي في نهاية المطاف إلى الإساءة إلى سياسة اللجوء برمّـتها.
انقسام في صفوف اليمين
هذه المرة، اتّـضح بما لا يدع مجالا للشك، أن قضية اللجوء تتجاوز الخلاف التقليدي بين اليسار واليمين في سويسرا. فقد تجنّـد اليسار السياسي برمّـته لإسقاط المراجعة المقترحة لقانون اللجوء، وقد حصُـل على دعم الأوساط القريبة منه، كالنقابات أو الحركات المؤيّـدة للعالم الثالث.
على الضفة الأخرى، لا يبدو اليمين موحّـدا إلا على الورق، ففيما أعلنت أحزاب اليمين الثلاثة المشاركة في الائتلاف الحكومي (الحزب الراديكالي والحزب الديمقراطي المسيحي وحزب الشعب السويسري) عن تأييدها لمراجعة القانون، اتخذت العديد من الفروع المحلية أو التنظيمات الشبابية التابعة لها مواقف مناهضة.
من جهة أخرى، تناضل العديد من الشخصيات اليمينية البارزة بشكل واضح ضد المراجعة، مثلما هو الحال بالنسبة للنائب البرلماني ورئيس الحزب الليبرالي كلود رووي وللمستشار السابق للكنفدرالية فرانسوا كوشبان أو للرئيس السابق لمجلس الشيوخ جاك نايرينك.
أخيرا، أعلنت الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية عن رفضها القاطع للمراجعة المقترحة لقانون اللجوء.
سويس انفو – اوليفيي بوشار
(ترجمه وعالجه كمال الضيف)
هناك بعض النقاط المتعلّـقة بمجال اللجوء ضُـمِّـنت في القانون الفدرالي للأجانب، المعروض على التصويت يوم 24 سبتمبر الجاري.
من بين هذه النقاط، إجراءات الإرغام، التي تتيح للسلطات إمكانية استعمال القوة بطرد أجانب يُـعتبرون غير مرغوب فيهم في سويسرا.
في حالات عدم الانصياع الأكثر خطورة، يُمكن أن يوضع طالب اللجوء، الذي ينتظر الطرد قيد الاعتقال لفترة قصوى لا تزيد عن 24 شهرا.
تضمّـن قانون الأجانب أيضا فصلا يسهّـل على الأشخاص، الذين قررت السلطات استقبالهم بشكل مؤقت في سويسرا، الدخول إلى سوق العمل، وفصلا آخر يسمح بلمّ الشمل العائلي بعد ثلاثة أعوام.
في عام 2004، تقدّم 14248 شخصا بطلب لجوء في سويسرا.
هذا الرقم هو الأدنى المسجّـل في الكنفدرالية منذ 17 عاما.
في نفس السنة، صدر 10080 قرار سلبي من طرف سلطات اللجوء.
مُـنح حق اللجوء في عام 2004 إلى 1555 شخص مقابل 1636 في عام 2003.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.