“التقنية الجينية لا تُشبع جوعاً”
أطلقت مؤسسة العون السويسري، وهي منظمة غير حكومية تعمل في مجال التعاون والتنمية، حملة ضخمة ضد استخدام المواد الغذائية المعدلة وراثياً.
الصورة التي قدمتها مجموعة من المختصين – في ندوة عقدت بهذه المناسبة – قاتمة للغاية، وإلى المدى الذي يدفع إلى التساؤل عن مدى اقترابها الفعلي من الواقع!
نجحت كلمات السفير لوزيوس فاسيشا، ممثل كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية، في كسر حدة التشاؤم الثقيل الذي طغي على الحضور في القاعة.
فعندما حان دوره ليلقي مداخلته، استهلها بالقول: “هناك مثل عن سويسرا يقول إنها تقوم مبكراً من النوم، لكنها تستيقظ متأخرة. ولكي أكون صادقاً معكم، لقد تولد لدي انطباع مما سمعته حتى الآن أنني كنت أشاهد فيلماً مرعباً”.
ورغم سخرية كلماته الحادة إلا أنه أصاب السهم في مرماه فعلاً. فالصورة التي قد قدمت إلى المستمعين على مدى أكثر من ساعة ونصف عن الهندسة الوراثية واستخداماتها في الأغذية المعدلة وراثياً بدت قاتمة، منفعلة، ومفزعة.
“حظر زمني مؤقت”
أطلقت مؤسسة “العون السويسري” حملتها السنوية في برن في التاسع من فبراير، تحت عنوان “التقنية الجينية لا تشبع من جوع”. وألحقتها في اليوم التالي بندوة تحدث فيها على مدار اليوم خبراء ومسؤولون وعاملون في المنظمات غير الحكومية من سويسرا ودول عديدة على رأسها زامبيا، وكولومبيا، ونيكاراغوا.
أسباب شن الحملة لخصتها السيدة تينا جوثيه، التي مثلت المؤسسة في الندوة، في عناصر محددة. إذ تؤكد أن “استخدام التقنية الجينية في الزراعة يهدد السيادة الغذائية في البلدان الفقيرة”.
وتضيف السيدة جوثيه، أن هذا الرأي “عبرت عنه بقلق المنظمات الزراعية في أنحاء العالم بسبب تزايد انتشار النباتات المعدلة وراثياً. ذلك أن تجربة العديد من البلدان تظهر أن النتائج الوخيمة لهذه التقنية تطغى على أية وعود غير مثبتة عن فوائدها”.
ما يعنيه هذا تحديداً، كما يشير البيان الصادر عن المنظمة، هو أن هناك “الكثير من الضغوط الممارسة على الدول النامية لإجبارها على استخدام نباتات معدلة وراثية في أنظمتها الزراعية. وأن تزايد انتشار النباتات المعدلة وراثياً دون رقابة يهدد التنوع البيئي لتلك الدول، وأن الكثير من عائلات المزارعين يدخلون في علاقة إتكالية مع الشركات المتعددة الجنسيات، لأنهم مضطرون للحصول على البذور والمبيدات منها”.
استقلالية الدول النامية الغذائية
رغم ذلك، جاء انتقاد السفير لوزيوس فاسيشا لاذعاً. ففي رأيه أن الكثير مما يقال عن التقنية الجينية “ينبع عن الخوف”، والخوف كما يقول “لا يقدم استشارة جيدة”.
قد يبدو هذا الرأي محقاً. فالمشكلة الحقيقية في مسألة استخدام النباتات المعدلة وراثياً تتمثل أساساً في قلة المعلومات عن نتائجها الصحية، أو حول تداعياتها المستقبلية. لكن ما هو مثبت، أنها في حال اُستخدمت دون رقابة وتدقيق، فقد تضر بالفلاحين الصغار وباقتصاديات الدول الفقيرة على حد سواء.
ربما لذلك عبر السفير فاسيشا عن احترامه لقرار دولة زامبيا بالتزام نهج معترف به دولياً يطلق عليه اسم “مبدأ الحيطة”، والذي يتيح لأي دولة رفض استخدام النباتات المعدلة وراثياً نتيجة لقلة المعلومات العلمية حول نتائج استخدامها.
“لسنا ضدها .. ولكن”
كان وزير الزراعة الزامبي قد ألقى خطاباً، حدد فيه ملامح سياسة بلاده في هذا الشأن، وبرر قرار حكومته في نقاط عديدة.
أولاً، أن نحو 90% من الفلاحين الزامبيين فقراء إلى درجة لا تمكنهم من شراء بذور جديدة كل عام، ونتيجة لذلك يلجأون إلى إعادة استخدام بذورهم، وهو أمر لا يمكن القيام به مع البذور المعدلة وراثياً بسبب حقوق الملكية الفكرية التي تحتفظ بها الشركات المتعددة الجنسيات لنفسها.
عنصر الفقر أيضاً لا يّمكن الفلاحين من دفع أسعار البذور المعدلة، والتي تزيد بكثير عن نظيراتها العادية، أو من شراء الأسمدة الضرورية لزراعتها (تلفت مؤسسة “العون السويسري” النظر إلى أن الشركات المتعددة الجنسية توفر بديل إقراض هؤلاء المزارعين، وهو أمر يدخلهم في نطاق تبعية لا مفر منها).
ثانياً، أن دولة زامبيا أدركت أنها لن تتمكن من تصميم نظام رقابي للسيطرة على زراعة البذور المعدلة وراثياً، وهو ما يعرضها إلى خطر خسارتها لتنوع بذورها المحلية، وبالتالي للأسواق التي تصدر إليها منتجاتها.
أخيراً، أن هناك العديد من الشكوك التي لا زالت محيطة بالإنعكاسات الصحية لاستهلاك مواد غذائية معدلة وراثياً.
“لسنا ضد العلم”
المسألة إذن ليست مجرد خوف لا أساس له، كما قد يوحي حديث السفير السويسري، بل إن هناك فعلاً ما يستدعي الحذر والحيطة.
ومن هنا يأتي تصريح السيدة كارولين موريل المديرة التنفيذية لمؤسسة “الدعم السويسرية” في حديث مع سويس انفو، متوائماً مع هذه الرؤية المتحفظة.
فهي تقول: “ما نحن ضده هو التحرير الاقتصادي الكامل، أو ما يسمى بالليبرالية الجديدة، والتي لا تلقي اعتباراًَ للبيئة والناس المعنيين، وما نسعى إليه هو الحفاظ على كرامة المزارعين وتوفير أسعار عادلة لهم(…)، و حظر استعمال المواد الزراعية المعدلة وراثيا لمدة 5 أعوام، حتى نعرف أكثر عن نتائج هذه التقنية”.
أما بيت القصيد فيما يتعلق بحقوق الدول النامية، فقد عبر عنه الوزير الزامبي، عندما قال: “أحب أن أؤكد أن زامبيا ليست ضد العلم، وهي ليست ضد التقنية الجينية بصورة مطلقة. لكن زامبيا لها الحق في القبول بما تعتبره مفيدا لمصلحة البلاد”.
إلهام مانع – برن – سويس انفو
أطلقت مؤسسة “العون السويسري” حملة ضد استعمال المواد الزراعية المعدلة وراثيا.
تطالب المؤسسة سويسرا بحماية حقوق المزارعين دولياً ومحلياً.
تدعم المؤسسة مبادرة شعبية تهدف إلى حظر استعمال المواد الزراعية المعدلة وراثيا لمدة 5 أعوام.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.