التنظيمات السلفية في المغرب العربي.. الظاهرة والأبعاد
تنامت في السنوات الأخيرة التنظيمات السلفية المسلحة في المغرب العربي، التي لم تقتصر دائرة نشاطها على شمال إفريقيا، بل امتدّت إلى أوروبا، وخاصة فرنسا وإسبانيا.
وفي هذا الحوار، الذي خص به الخبير التونسي الدكتور عبد اللطيف الهرماسي سويس إنفو، يرصد لنا هذا الأخير انزلاق التيارات المتشدّدة من المفهوم الدِّيني للجهاد، الذي كان يُبرِّر الصراع ضدّ المحتل الأجنبي، إلى الصراع الطائفي وتكفير الخصوم الداخليين.
يُتابع الخبير التونسي منذ عدة أعوام تطوّر العقل التكفيري ليشمل اليوم قِـسما كبيرا من المجتمع المحلي، بدءا من الحكّـام والقائمين على الدولة وموظفيها وأنصار الأنظمة القائمة، وصولا إلى الأحزاب العاملة من أجل التقدم والديمقراطية والمنظمات الأهلية.
ويُدرِّس الدكتور الهرماسي عِـلم الاجتماع في الجامعة التونسية ومن مؤلفاته كتاب “الحركة الإسلامية في تونس”، الذي صدر سنة 1985 وكتاب “الدولة والتنمية في المغرب العربي”، الصادر عن دار سراس للنشر سنة 1993، وهو يعكِـف منذ مطلع الثمانينات على دراسة الحركات الإسلامية في الجزائر وتونس، وأعد عنهما رسالته لنيل دكتوراه الدولة.
سويس انفو: هل لهذا التيار السلفي الجهادي جذور في الحركة الأصولية المعاصرة؟
الدكتور عبد اللطيف الهرماسي: لئن راج مصطلح “السلفية الجهادية” في السنوات الأخيرة، فإنّ المقُـولات الإيديولوجية أو إذا شِـئنا العناصر العقائدية لهذا التيار، ليست بالجديدة. كان سيّـد قطب قدّم صياغة لها في بداية الستينات بالاستناد إلى بعض توجّـهات “الإخوان المسلمين”، خاصة لدى عبد القادر عودة، وأدبيات “حزب التحرير” ومؤسسه تقي الدين النبهاني، وكتابات مؤسس “الجماعة الإسلامية” الباكستانية أبو الأعلى المودودي.
كما حاول قطب تطبيق هذه المقولات، وهو على رأس التنظيم السري للإخوان المسلمين، هذه المفاهيم، وفي المركز منها ثنائية الجاهلية/الحاكمية، تمّـت استعادتها مع تعديلات من قِـبل جماعة التكفير والهجرة، وخاصّة من طرف جماعة الجهاد التي وضعتها حيّـز التنفيذ في مصر في عهدي السادات ومبارك.
كما تجسّدت في الأعمال العنيفة للمعارضة السلفية الجهادية في المملكة العربية السعودية منذ أحداث البيت الحرام الشهيرة (1979)، وكذلك في ممارسات وتبريرات “الجماعة الإسلامية المسلحة” بالجزائر وسليلتها “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” (تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي حاليا)، علاوة على سائر أنشطة شبكة “تنظيم القاعدة”.
سويس انفو: وهل لكم أن تعرِّفوا بالسلفية الجهادية نفسها؟
الدكتور عبد اللطيف الهرماسي: السلفية الجهادية تيار إيديولوجي ومشروع تحمله جماعات حركية مناهضة بشكل مطلق لما هو قائم من أنظمة اجتماعية وسلطات سياسية وثقافة سائدة وعلاقات دولية، ونجد لقيامها أسبابا ومبرّرات شتّى، كما أنها تجنـّد أفرادا ينتمون إلى قطاعات اجتماعية مختلفة، فقيرة الحال أو متوسطة أو ثرية أحيانا، كما أنّ منها القليل الحظ من التعليم ومنها ذوو المستوى التعليمي المتوسط أو العالي، ومنها خرّيجو المعاهد الدينية التقليدية والمتخرّجون من الجامعات الحديثة، والقاسم المشترك بين هذه المكوِّنات، على اختلاف ملامحها ودوافعها، هو طبيعة الإيديولوجية السياسية الدينية التي تسوّغ لها أهدافها وأنشطتها، وهي إيديولوجية تتّـسم بالخاصية المزدوجة التالية:
– أنّها تشكّل الصيغة الأكثر جِـذرية لتقسيم البشرية على أساس ديني، إذ لا تكتفي بالتقسيم التقليدي للبشر إلى مسلمين وكفار، بل توسّع معنى الكُـفر أو الشّرك وتقدّم تعريفا ضيّقا للإسلام يؤدّي إلى إخراج جزء كبير من المسلمين من حضيرته.
– أنّها تقدّم في نفس الوقت الصيغة الأكثر جذرية لتسييس الدِّين، فتتعامل به كإيديولوجية صِـداميّة لا تقف عند هدف استعادة النظام السياسي الإسلامي في فضائه التاريخي المعروف، وإنما تتجاوزه إلى الجهاد ضدّ ما تُسمّيه بالطاغوت والجاهلية في كل مكان من الكرة الأرضية، والعمل على إقامة دولة خلافة عالمية، أي حكم الإسلام للعالم كافة.
سويس انفو: وما هي العوامل والدوافع التي تقف وراء ظهور هذا التيار وصعوده المتسارع في السنوات الأخيرة؟
الدكتور عبد اللطيف الهرماسي: هذا السؤال يُـحيلنا إلى السياق التاريخي لبُـروز السلفية الجهادية. يأتي هذا التيار كنتيجة لتداخل سِـياقين، يتعلق أولهما بالمدى المتوسط ويغطّـي المرحلة التاريخية التي عرفت اختراق الحداثة في صيغتها الاستعمارية، للعالمين العربي والإسلامي، والثاني بالظرفية التاريخية الراهنة.
على المستوى الأول، عاش العرب والمسلمون زهاء القرنين تحدِّيات غير مسبوقة، تمثّـلت في استعمار الجُـزء الأعظم من العالم الإسلامي وتقسيمه وتفكيك الإمبراطورية العثمانية وإلغاء الخلافة وزرع الكيان الصهيوني وتوسّـعه. لقد تراوحت الاستجابة لتلك التطورات بين قطبين: الأوّل، يسعى للنهوض باستيعاب مقوِّمات القوة لدى الخَـصم مع ما ينطوي عليه هذا الخيار من مزالق التماهي مع ذلك الخصم. والثاني، يرفض الوافد ويقتدي بالماضي ويمجِّـده، مع ما تنطوي عليه هذه الإستراتيجية من خطر ارتهان الهوية في الماضي.
أما ما يتعلق بالأوضاع الراهنة، فتجدر الملاحظة أن ما حقّـقته الدول الوطنية المستقلـّة، لم يرتقِ إلى مستوى التطلّـعات، سواء ما يتعلق منها بالتنمية أو ما يهُـم إدارة الشأن العام أو ما يتعلق بتجسيم شعارات الاستقلال والوحدة والمناعة.
لم تقدر الأنظمة على إيجاد حلّ مشرّف للقضية الفلسطينية، والكثير منها بدّد ثروات الأمة وطاقاتها في النزاعات على الحدود أو على النفوذ الجهوي أو في الإنفاق والترفيه، كما تنامى الفساد مع تراجع المشروع الوطني.
في هذا المناخ، ونتيجة تغيير الأوضاع الدولية وبروز الولايات المتحدة كقوة قيادية، شكّـلت الضربة التي تلقّـتها في رمز تفوّقها وكِـبريائها (أحداث 11 سبتمبر 2001)، فرصتها لإحكام القبضة على العالمين، الإسلامي والعربي، من خلال احتلال العراق ودعم المجازِر التي يرتكبها الصهاينة، وهي في الجُـملة أوضاع ملائمة لتنامي مشاعر السخط والنِّـقمة والشعور بالمهانة الدِّينية والوطنية والاجتماعية، واعتماد المنظور الدِّيني عاملا مُـفسّـرا ومعيارا وحيدا للحكم على الأحداث وتنشيط المخيال الدِّيني الموروث وإسقاط صوره ورموزه على الحاضر.
سويس انفو: كيف تتجلّى تعبئة الموروث الدِّيني واستخدامه استخداما مُوجها في صراعات الحاضر؟
الدكتور عبد اللطيف الهرماسي: تذهب الفصائل السِّـلمية إلى أبعد حدّ في الإستراتيجية القائمة على الحطّ من شأن الخصوم ونزع كل شرعية عنهم، مقابل تمجيد ذاتها وحقيقتها الخاصّة، فهي تضع مشروعها وأفعالها تحت مِـظلة الجهاد الدِّيني، وخاصة النبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم) ضد الجاهلية والشرك، ويستحضر خطابها، وهو يهاجم الأنظمة السياسية الحالية والقائمين عليها وأعوانها، وما يتخلّل سوَر القرآن من صُـور عن طغيان فرعون وأمثاله، وعن كُـفر المشركين من العرب واتخاذهم أربابا من دون الله، كما يستذكر وهو يتوعّـد الولايات المتحدة وحلفاءها، الانتصارات التي حققها الخلفاء على الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية.
ويماثل بين الاعتداءات الإمبريالية الجديدة وغزوات الصليبيين أو التتار لديار الإسلام، ويُنعش ذاكرة النزاعات القديمة والعداوات بين السُـنة والشيعة، والسُـنة والمُحكمة (الخوارج).
ففي هذا المناخ الإيديولوجي، يصبح من الممكن تحويل ردود الفعل العفوية للجماهير المسلمة إلى إستراتيجية للمواجهة، تختزل واقعا بالغ التعقيد إلى ثنائيات متصادمة، كثنائية الإيمان/الكفر أو الإسلام/الشِّـرك ودار الإسلام/دار الحرب وإحياء مفردات الصِّـراع بين أهل الإسلام وأهل الرِدّة أو بين أصحاب الدِّين القويم والمبتدعة.
بهذا المعنى، فإن السلفية الجهادية ليست سوى التجسيد الأبلغ لانزياح الوعي الإسلامي نحو هذه الأشكال القصوى من التعارض والانقسام والعدائية والخلط بين رهانات الحاضر وصراعات الماضي.
وإذا ما تصفحنا أدَبيات أو خطابات الفصائل الجهادية الحالية، مشرقا ومغربا، فسنُـعاين بوضوح انزلاق التوظيف الإيديولوجي للمخيال (أو الموروث) الدِّيني من الجِـهاد أو الصِّـراع ضدّ المحتل الأمريكي أو الصهيوني إلى الصِّراع الطائفي وتكفير الخصوم الداخلين.
إنّ الجهاد هنا لا يتّـجه فقط إلى الخصم الخارجي بل يطال قسما كبيرا من المجتمع الأهلي، بدءا بالحكّـام والقائمين على الدولة وموظفيها وأنصار الأنظمة القائمة، وصولا إلى القِـوى والأحزاب العاملة من أجل التقدّم والديمقراطية وإرساء الحريات السياسية والمدنية.
فكل هؤلاء يعامِـلهم التيار السلفي الجهادي ككُـفار أو مرتدِّين، بل يعتبرهم أخطر من القِـوى الخارجية المعتدية وأولى منها بالقتال، لذلك، نبحث عبَـثا في خطاب السلفية الجهادية عن الدائرة الإسلامية الواسعة، فهذه الأخيرة تضيق لتنحصر في أهل السُـنة والجماعة، وهذه الدائرة تضيق بدورها لتنحصر في الجماعة السلفية، كما تضيق هذه الأخيرة فيُستثنى منها السلفيون الموالون للنظام الوهّـابي السعودي، بحيث لا يبقى من الأمّـة أو الجماعة المسلمة سوى دُعاة السلفية الجهادية وأنصارها، فهم الوحيدون الذين ينطِـقون بالحق ويجسِـّدون الشرعية.
سويس انفو: إذا حصرنا الحديث في منطقة المغرب العربي، فما هي في نظركم دلالات سبق الحركة الأصولية بالجزائر إلى إعلان المقاومة المسلحة ضد النظام، وحجم الصراع الذي شهدته خلال تسعينات القرن الماضي؟
الدكتور عبد اللطيف الهرماسي: هذا السؤال يضعنا أمام خصوصيات تتميّز بها الجزائر عن باقي محيطها المغاربي، وهي خصوصيات موروثة عن الماضي التاريخي البعيد والقريب. فمن ناحية، لا يوجد بالجزائر تقليد دولوي (نسبة إلى الدولة، التحرير) راسخ كما هو الشأن في تونس والمغرب الأقصى.
الجزائر الحالية لم تجتمع أطرافها كدولة مركزية جامعة، باستثناء فترات محدودة، وليس لديها تقليد الخضوع لمثل هذه الدولة أو تعظيم شأنها، فحتى الدايات العثمانيون بقيت علاقتهم بالمجتمع الجزائري خارجية، همّـها الأساسي جمع الضرائب. ولمّا أتت المركزية السياسية والإدارية مع فرنسا، فقد حصلت مقابل حرب مدمرة.
فرنسا اصطدمت في الجزائر بمقاومة عنيدة دامت نحو سبعين سنة واستعمارها للجزائر خلّـف آثارا لا تُـمحى من الذاكرة الجماعية للجزائريين، كما أنّ حرب التحرير الطويلة والمدمّرة، عمّقت هذا الجرح، وعليه، يمكن القول أنّ الحِـقبة الاستعمارية كان لها دور رئيسي في تغذية نزعة العنف والعدوانية في الشخصية القاعدية الجزائرية، وهذه العناصر بالذات وجدت أسبابا للاستمرار في ظل دولة الاستقلال، إذ من المعلوم أنّ هذه الأخيرة ولِـدت بدورها في مناخ من العنف الداخلي وبسطت سلطانها بالقوة، مما جعلها تعاني من عجز في الشرعية.
ومن المهم أن نضيف لما سبق، عاملا ثالثا يتمثل في الأهمية الخاصة التي لعبها الدِّين في سيرورة استرداد الجزائر لهويتها المسلوبة، وهي التي تعرّضت لعملية إلحاق وفرنسة لا مثيل لهما في تونس والمغرب.
لا غرابة إذن أن تكون الحركة الإسلامية بالجزائر قد أفرزت تيارات تميل إلى العُـنف المسلح في تعاملها مع السلطة، وهو ما يتجلّـى في الحركة التي قادها مصطفى بويعلي في أواسط الثمانينات، كما أنّ أسلوب الحكم في إدارة الشأن العام مَـدّ هذه الظاهرة بمبرِّرات للامتداد والتضخّم.
سويس انفو: هل تقصد توقيف المسار الانتخابي الذي أوشكت “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” على الفوز به في أول انتخابات تعددية منذ الاستقلال؟
الدكتور عبد اللطيف الهرماسي: لا أشير فقط إلى الانقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في سنة 1992، وإنما كذلك إلى المضاعفات الاجتماعية لسياسة إنمائية ضحـّت بالزراعة وبالاستقرار وأفرزت اختناقات كبيرة على مستوى الإسكان والمواصلات، وإلى نتائج سياسة ثقافية وتعليمية عمّـقت الهُـوّة بين المُفرنسين والمُعرّبين، فضلا عن ظواهر الفساد والإثراء غير المشروع وملف البيروقراطية العسكرية.
فالجزائر في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، كانت بلدا ملغوما بالتناقضات، وينبغي أخذ مُـجمل المعطيات السالِـفة في الاعتبار لكي نفهم بعضا من عوامل عودة العُـنف وانتشاره على نطاق واسع وتنامي تيار السلفية الجهادية والأشكال القصوى التي اتّـخذتها المواجهات والتّـصفيات الدامية خلال الحرب الأهلية الأخيرة.
سويس انفو: لكن خطابات وتوجّـهات الجماعة السلفية للدعوة والقتال، تُؤشّر إلى وجود اختلافات بالمقارنة مع ما كانت عليه الجماعة الإسلامية المسلحة…
الدكتور عبد اللطيف الهرماسي: هذا صحيح، ومن الممكن وضع الإصبع على مستويين من مستويات الاختلاف، بالرغم من اشتراك الفصيلين في الأرضية الإيديولوجية وتبرير اللجوء إلى العنف.
فالجماعة الإسلامية المسلحة كانت عمدت خاصة في عهد “الأمير” عنتر الزوابري إلى تكفير الشعب الجزائري في مُـجمله وارتكبت مذابح في صفوف المدنيين. ولا شكّ أنّ الإدانة الشاملة التي أثارتها تلك المجازر وانعكاساتها السلبية على “شعبية” الجماعة المسلحة كانت وراء الانقسام الذي حدث في صفوفها وتبرؤ أمراء الجماعة السلفية للدعوة والقتال منها واعتبارها من باب الزيغ والانحراف، لكن هذه الجماعة الأخيرة حافظت على عقيدة التكفير، وهي تَـعتبر النظام الجزائري مرتَـدّا عن الإسلام وتُـبرر بذلك الاستمرار في قتاله.
أمّا الوجه الثاني للاختلاف، فيتعلّق بتوسع مجال التحرّك إلى الصعيد المغاربي والشمال إفريقي، وهو يعود، حسب رأيي، إلى عاملين: أولهما، انحسار مجال النشاط المسلح في الجزائر في علاقة بالآثار المدمّـرة للحرب الأهلية، ومن جهة ثانية، خروج “تنظيم القاعدة” من منطقة تمركُـزه الأصلية بأفغانستان وتحوّله إلى شبكة لها امتدادات في مناطق عديدة، وهو ما يُـعطي للسلفية الجهادية بُـعدا عالميا، ويمكّـن فصائلها المختلفة من وسائل إضافية للعمل.
سويس انفو: في المُحصّـلة، هل تعتقدون أن السلفية الجهادية هي تعبير أقصى عن التوترات التي يعيشها الإسلام في علاقة بالحداثة؟ وما هي انعكاسات الطرح السلفي الجهادي على موقف أصحابه من القضايا الملحة لمجتمعاتنا، وبصورة أعم على علاقة الإسلام بالحداثة؟
الدكتور عبد اللطيف الهرماسي: عَـبثا نفتش في خطابات السلفية الجهادية عن اهتمام بقضايا التنمية ومكافحة البطالة والفقر ونشر المعرفة الحديثة وتبيئة التكنولوجيا ومسائل الديمقراطية الاجتماعية أو المشاركة السياسية والكفاح ضدّ الاستبداد والفساد.
ورغم أن هذه القضايا تحرّك ولاشكّ العديد ممّن ينتمون لهذا التيار أو يتعاطفون معه، إلا أنّ الخطاب يسكت عنها أو يتجاهلها، أما الحقوق السياسية والضمانات الدستورية وإرساء دولة القانون وحقوق الأقليات وحقوق المرأة وما إليها، فهي، بحكم مفهومه اللاّعقلاني لحكم الله وإلغائه لحرية البشر، مسائل مغلوطة أو باطلة، بل مدّعاة للتكفير والوصم بالجاهلية الحديثة…
سويس انفو: وكيف تُفسِّـرون ذلك؟
الدكتور عبد اللطيف الهرماسي: الخطاب السلفي الجهادي يختزل كل القضايا إلى القضية الدينية ويوسّـع صلاحيات الشريعة لتبتلع كل فضاءات الحرية، وصلاحية الدِّين لتبتلع كل القضايا الدنيوية، بدل أن يكون منظومة قِـيم تستلهمها مجتمعاتنا وتسترشد بها في معالجة التحديات العديدة المفروضة عليها، إنه يختزل التناقضات بين المجتمعات والأنظمة وبين المجتمع المدني والدولة في مسألة العمل بمقتضى الشريعة، فيرمي منافسيه أو خصومه السياسيين والمفكرين بتُـهم الردّة والكُـفر ويتوعّـدهم بالقتال، وكذلك يفعل وهو يتوجّـه إلى الحكومات الغربية والشعوب ذات الثقافات المغايرة لثقافتنا، فلا يعود من الممكن إدراك سياسات الدول الكبرى أو تدخلاتها بمنطق المصالح ولا من المتاح التمييز داخل القوى التي تصنع الرأي العام العالمي بين أنصار التقدم والسلام والعدل من جهة، وصقور الاستعمار من جهة ثانية، ولا من المُـتاح العمل على كسب أو تحييد الطرف الأول وعزل أو مقاومة الشق الثاني، فهذا الخطاب يرفض كل من يختلف مع رؤيته داخل العالم الإسلامي، كما يقود إلى مخاصمة باقي البشرية، متجاهلا ما نادى به الإسلام من الدعوة والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة، وما يتحلى به من قِـيم التعايش والسماحة.
إنه لا يفعل أكثر من تغذية الحملات العدائية والمغرضة التي تقدم الإسلام كَـدِين يُـمجِـّد العنف ويقوم على الحرب ويفرّخ الإرهاب.
أجرى الحديث في تونس : رشيد خشانة
دبي (رويترز) – دعا زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في تسجيل صوتي أذاعته قناة تلفزيون الجزيرة يوم الخميس 29 نوفمبر 2007 الدول الاوروبية الى إنهاء تعاونها العسكري مع القوات الأمريكية في أفغانستان.
وقال ان القوة الامريكية تنحسر وانه من الحكمة للاوروبيين ان ينهوا بسرعة دورهم في أفغانستان حيث تساهم دول أوروبية كثيرة في قوات التحالف المؤلفة من 50 ألف فرد والتي يقودها حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة وتقاتل حلفاءه حركة طالبان.
وقال المتحدث الذي بدا صوته كصوت ابن لادن في التسجيل الصوتي ” أذكر بأن المد الأمريكي آخذ في الانحسار بفضل الله وسيرحلون الى ديارهم وراء الاطلسي ويتركون الجيران لتصفية حساباتهم مع بعضهم فمن الخير لكم ان تأخذوا على أيدي ساستكم الذين يتفاخرون على عتبات البيت الابيض وتعملوا جاهدين على رد الظلم عن المظلومين”.
وبثت الجزيرة التي لم تقل كيف حصلت على التسجيل الصوتي مقتطفات منه أشار فيها المتحدث الى ان حلفاءه في طالبان لم يكن لديهم علم بخطط هجمات 11 من سبتمبر ايلول 2001 وهي السبب الرئيسي لغزو افغانستان بقيادة الولايات المتحدة.
وقال “الحقيقة كما ذكرت سابقا ان أحداث مانهاتن كانت ردا على قتل التحالف الامريكي الاسرائيلي لأهلنا فى فلسطين ولبنان فانني انا المسؤول عنها وأؤكد ان جميع الافغان حكومة وشعبا لا علم لهم البتة بتلك الأحداث”.
وفي واشنطن قال مسؤول مكافحة ارهاب امريكي ان صوت المتحدث على الشريط الصوتي الذي أذاعت قناة الجزيرة مقتطفات منه يبدو كصوت بن لادن. ولم يتضح على الفور متى تم تسجيل الشريط الصوتي.
وقادت الولايات المتحدة غزو أفغانستان لاسقاط حكومة طالبان في أواخر عام 2001 بعد ان رفضت طالبان تسليم ابن لادن وزعماء آخرين في القاعدة. وأرسلت العديد من الدول الاوروبية مساهمات ضمن قوات حلف شمال الاطلسي وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في افغانستان.
وقال المتحدث في التسجيل الصوتي “فأمريكا تعلم ذلك ولقد وقع بعض وزراء طالبان أسرى بيدها وتم التحقيق معهم وتم معرفة ذلك. ولذلك طلبت حكومة طالبان من أمريكا سابقا اظهار الادلة على صدق دعواها قبل الغزو فلم تقدم أي دليل وانما اصرت على الغزو وسارت خلفها أوروبا في ذلك وليس أمامها الا ان تكون لها تبعا ويكفي للتدليل على هذا دخولكم في الحرب وكذلك اعفاء الجنود الامريكيين من المحاسبة امام المحاكم الاوروبية ولذلك كان خطابي هذا لكم وليس لساستكم”.
وتحث الولايات المتحدة حلفاءها في حلف الاطلسي على ارسال المزيد من القوات الى افغانستان لكن الدول الاوروبية مازالت عازفة عن التعهد بارسال مزيد من التعزيزات.
ومن بين الدول الاوروبية التي لها قوات في افغانستان بريطانيا وألمانيا وفرنسا. ويقول الغرب ان قوات التحالف تهدف الى المساعدة في احلال الامن لتسهيل اعادة الاعمار بعد عقود من الحرب لكن افغانستان شهدت تصاعدا في اعمال العنف منذ عادت طالبان لشن هجمات للاطاحة بالحكومة المؤيدة للغرب واخراج القوات الاجنبية التي يزيد قوامها على 50 الف فرد.
واتهم ابن لادن القوات الاجنبية بارتكاب فظائع في افغانستان.
وفي المقتطفات أشار ابن لادن الى انتهاك دول التحالف بأفغانستان لاداب الحروب قائلا “انكم في هذه الحرب لم تلتزموا بأخلاق الحروب وادابها فمعظم ضحاياكم نتيجة القصف من الاطفال والنساء عن عمد وتعلمون أن نساءنا لا يقاتلون وانما تستهدفونهم حتى في أيام الافراح عن علم واسراف رغبة في كسر معنويات مجاهدينا وهذا لن يسدي لكم نفعا”.
والتسجيل الكامل لم يبثه بعد موقع اسلامي على الانترنت قال يوم الاثنين 26 نوفمبر 2007 إن ابن لادن سيتحدث الى شعوب اوروبا في رسالة تبث على الانترنت “قريبا”.
واتهم انصار القاعدة في السابق الجزيرة بحذف اجزاء مهمة من تسجيلات ابن لادن. وبثت اخر رسالة لابن لادن يوم 22 من أكتوبر تشرين الاول وفيها دعا الى الوحدة بين المسلحين السنة في العراق.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 نوفمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.