التنمية البشرية رهينة آليات التعاون الدولي
تطرق تقرير التنمية البشرية لعام 2005 إلى لب المشاكل التي تعترض تحقيق التنمية البشرية والتي تكمن في تصحيح قواعد التجارة الدولية من أجل تحقيق تنمية للجميع.
كما يشير التقرير الصادر عشية انعقاد “قمة الألفية + خمسة”، إلى تراجع عدة دول عن مستويات التسعينات مناديا بضرورة تعزيز المساعدات المقدمة في مجال التنمية.
يأتي تقرير التنمية البشرية لعام 2005 الصادر يوم 7 سبتمبر تحت شعار “التعاون الدولي على مفترق الطرق”، قبل أسبوع واحد من افتتاح قمة الألفية التي ستعقد في نيويورك لتقييم مدى تحقيق أهداف الألفية التي حددت في قمة عام ألفين.
وتؤكد النتائج التي توصل إليها من خلال ترتيب دول العالم حسب معايير التنمية البشرية وليس حسب القوة الاقتصادية ما تردد طوال الأشهر الأخيرة من ضرورة بذل مجهود أكثر لتمكين المجموعة الدولية من إنجاز أهداف الألفية في مطلع عام 2015 والمتمثلة في تخفيض مستوى الفقر والقضاء على بعض الأمراض وتعميم التعليم وتحقيق المساواة بين الجنسين.
تراجع في ترتيب العديد من الدول
يشير تقرير التنمية البشرية الى أن بعض الدول قد أكدت تقدمها في مجال التنمية البشرية بحيث احتفظت بالرتب الأولى. ونجد في مقدمة الترتيب الدولي النرويج متبوعة بإيسلندا ثم استراليا فاللكسمبورغ وكندا ثم السويد.
وتحتل سويسرا المرتبة السابعة وهو ما جعلها تتقدم بأربع نقاط عن المرتبة الحادية عشرة التي كانت فيها في عام 2004. ومن بين نقاط الضعف التي يشير إليها التقرير بالنسبة لسويسرا والتي تجعلها تتخلف عن ركب الأوائل)، ضعف عنصر تعميم التعليم.
من جهة أخرى، نجد دولا قوية اقتصاديا تأتي بعد سويسرا في الترتيب، مثل الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة العاشرة واليابان في المرتبة الحادية عشرة وفرنسا في المرتبة السادسة عشرة، وألمانيا في المرتبة العشرين.
التقرير أشار أيضا إلى أن ثمانية عشرة دولة تراجعت في ترتيبها عما حققته في التسعينات من تقدم وتنمية بشرية. وهذه الدول التي تأوي أكثر من 460 مليون نسمة تقع ثلاثة عشرة منها في القارة الافريقية. ومن بين الأمثلة تراجع جنوب افريقيا في الترتيب عما كانت عليه في عام 1990 بحوالي 35 رتبة (!!).
ومن الدول التي حققت تقدما ملحوظا فيتنام التي استطاعت تخفيض نسبة الفقر في صفوف سكانها من 60 الى 30% مقارنة بما كان عليه في عام 1990.
دول عربية في المستوى المتوسط
أول بلد عربي في ترتيب التنمية البشرية كانت دولة قطر التي أتت في المرتبة 40، أما عدد الدول العربية التي صنفت ضمن الدول المحققة لمستوى تنمية بشرية عالية فهو يقتصر على أربعة وهي دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة الكويت إضافة الى دولة قطر.
في المقابل، جاءت أغلبية الدول العربية ضمن خانة الدول المتوسطة النمو البشري بحيث نجد أن الأولى منها (أي ليبيا) تحتل المرتبة الثامنة والخمسين (58) في الترتيب العام بينما تحتل الأخيرة منها أي السودان المرتبة 141.
وفي الخانة الثالثة أي الدول التي لم تحقق سوى مستوى تنمية بشرية ضعيف، نجد كلا من جيبوتي واليمن وموريتانيا. أما آخر بلد في ترتيب التنمية البشرية لعام 2005 فهي جمهورية النيجر التي احتلت المرتبة السابعة والسبعين بعد المائة (177).
انتقادات بالجملة .. و مقترحات عملية
لم يكتف تقرير التنمية البشرية للعام 2005 بتشخيص المرض بل حاول تقديم بعض الاقتراحات والحلول. ففيما يتعلق بالعراقيل التي تحول دون تحقيق تنمية مستديمة، تطرق التقرير الى العراقيل الموجودة في نظام التجارة الدولية وشدد على ضرورة الاستفادة من المفاوضات الجارية في إطار جولة الدوحة للتخفيض من مستوى الفقر في العالم.
كما حذر التقرير من مغبة فشل المؤتمر الوزاري القادم لمنظمة التجارة العالمية في هونغ كونغ ومن الاستمرار في فرض رسوم مرتفعة على صادرات الدول الفقيرة نحو أسواق الدول الغنية حيث أوضح بأن الرسوم المفروضة على بضائع الدول الفقيرة المتوجهة إلى أسواق الدول الغنية أعلى بكثير مما هو مفروض على المبادلات بين الدول الغنية.
كما انتقد التقرير سياسات الدعم التي تمارسها حكومات الدول الغنية وبالأخص الدعم المقدم في الميدان الزراعي. وبلغة الأرقام أشار التقرير الأممي الى “أن الدعم الذي تقدمه الدول الغنية للقطاع الزراعي في الدول الفقيرة لا يتجاوز مليار دولار سنويا، بينما تقدم هذه الدول الغنية دعما لقطاعها الزراعي بمقدار مليار دولار يوميا أي حوالي 350 مليار سنويا”. وأشار التقرير إلى أن هذه السياسة التي تنتهجها الدول الغنية في دعم قطاعاتها الفلاحية “تفقد الدول الفقيرة حوالي 24 مليار دولار سنويا”.
ويقترح تقرير التنمية البشرية تحديد سقف لا يتجاوز 10% من حجم الإنتاج بالنسبة للدعم المقدم للقطاع الفلاحي في الدول المتقدمة (من الآن وإلى عام 2010)، كما يدعو إلى تحديد سقف الرسوم الجمركية بالنسبة للواردات في حدود 10%، مع تقديم تعويضات للدول المتضررة من دعم إنتاج السكر والقطن.
ومن الملفت أن التقرير حاول أن يترك مجالا لتنفس اقتصاديات الدول النامية بترك إمكانية الحد من مطالبة الدول الغنية بالدخول الى أسواق الدول الفقيرة او النامية في قطاعات أخرى غير المنتجات الزراعية، مع احتفاظ هذه الأخيرة بحق فرض إجراءات وقائية لتأمين أمنها الغذائي.
المطالبة بجدول لزيادة حجم المساعدات
ومع اقتراب موعد “قمة الألفية + خمسة”، يقترح تقرير التنمية البشرية تحديد جدول زمني تتعهد فيه الدول بتحسين مستوى الدعم المقدم في مجال التنمية بغرض تمكين المجموعة الدولية من تحقيق الأهداف المرسومة للألفية.
ومع أن قيمة المساعدات الرسمية المقدمة في مجال التنمية بلغت حوالي 78 مليار دولار في العام الماضي (أي بزيادة تقدر بحوالي 12 مليار عن عام 2003)، إلا أنها لا تمثل سوى 0،25% من إجمالي الناتج القومي للدول الصناعية.
وسعيا للوصول الى تحقيق الهدف المنشود (أي بلوغ قيمة المساعدات التنموية سقف 0،7% من الناتج القومي العام)، اقترح التقرير تحديد مرحلة بينية في العام 2010 يجب الوصول فيها بالمساعدات الى مستوى 0،5% على أن يتم تحقيق نسبة 0،7% في العام 2015.
ولم يكتف التقرير بالمطالبة بضرورة مراجعة الشروط المرافقة المفروضة على كيفية صرف تلك المساعدات (بعد أن أقر بوجود سلسلة من الشروط المجحفة)، بل نصح بضرورة إلغاء المساعدات المشروطة من هنا وحتى عام 2008. وطالب التقرير بضرورة تحسين التنسيق بين الدول المانحة لتفادي عراقيل إضافية في طريق التنمية.
يبقى إذن معرفة ما إذا كانت “قمة الألفية + خمسة” التي ستعقد في نيويورك ما بين 14 و 16 سبتمبر الجاري، سوف تجد آذانا صاغية لكل هذه التحذيرات والنداءات والتوصيات في وقت يشتد فيه الجدل حول مجرد الإشارة الى أهداف الألفية في نص البيان الختامي للقمة.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.