التهديدات الأمريكية لإيــران
مع أن البيت الأبيض لم يستخدم بعد عبارة "ضرورة تغيير النظام في طهران"، إلا أن شواهد عديدة قد تتجه بالموقف الأمريكي من نظام الحكم في إيران إلى سيناريو مشابه للتعامل الأمريكي مع العراق
وكما كان الأمر بشأن الملف العراقي، يبدو أنه لا يوجد توافق داخل إدارة بوش بشأن إيران.
ما أشبه الليلة بالبارحة. حينما يقارن المراقب التصعيد الأمريكي مع إيران بالشهور الطويلة التي أمضتها الإدارة الأمريكية في التمهيد لعملية تغيير النظام بالقوة المسلحة في العراق.
فكل من إيران والعراق كانتا ضمن محور الشر الذي اخترعه الرئيس بوش في خطابه الشهير عن حالة الاتحاد الأمريكي، وجعل من كوريا الشمالية الضلع الثالث في ذلك المحور.
كما أن كلا من العراق وإيران مدرج على لائحة وزارة الخارجية الأمريكية للدول التي ترعى الإرهاب الدولي، والاتهام جاهز لإيران بالسعي لحيازة السلاح النووي، الذي يخل بأمن المنطقة ويمكن أن يتسرب إلى أيادي المنظمات الإرهابية التي تتهم واشنطن طهران بدعمها مثل حماس وحزب الله، مما قد يطال الأرض الأمريكية بالخطر كما حدث في هجمات 11 سبتمبر، حسب العقيدة الأمريكية لمحاربة الإرهاب الدولي .
وكما كان من السهل اتهام النظام العلماني العراقي السابق بإيوائه إرهابيين في تنظيم القاعدة، فإن من الأسهل دمغ النظام الإيراني الإسلامي التوجه بسمة استضافة الهاربين من تنظيم القاعدة الإرهابي.
ولكي تكتمل الصورة على غرار السيناريو العراقي، لا بأس من استضافة واشنطن لمجموعة من المعارضين الإيرانيين الذين لم يسمع بهم أحد من قبل ليعلنوا للعالم في مؤتمر صحفي أن النظام الإيراني استفاد من أخطاء النظام العراقي ولم يضع كل البيض النووي في سلة مفاعل نووي واحد يسهل تدميره بغارة واحدة كما حدث مع العراق، وإنما تعددت البرامج النووية في أكثر من موقع، من المنشأة النووية في عبالي القريبة من مدينة أصفهان، ومرورا بمنشأة نووية أخرى على بعد أربعين كيلومترا من مدينة كاشان، وانتهاء بمنشأة نووية ثالثة في آراك التي تبعد مائة وخمسين كيلومترا عن طهران وأعدت لإنتاج الماء الثقيل.
وهكذا، يوجد تشابه آخر بين هؤلاء المعارضين الإيرانيين وبعض قادة المعارضة العراقية لنظام صدام حسين في حفز الإدارة الأمريكية على ضرورة حشد الجهود لتغيير النظام الذي يشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي من خلال حيازة أسلحة دمار شامل يمكن أن تصل إلى المنظمات الإرهابية وتستخدمها في شن هجمات على الأرض الأمريكية!
واشنطن تعزف على نفس الوتر
ومع أن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول قال إنه لا توجد نوايا أمريكية لغزو إيران، إلا أنه أعرب عن القلق الأمريكي من طموح إيران النووي ودعم طهران للجماعات الإرهابية، مضيفا أن الولايات المتحدة تشجع المظاهرات الطلابية ضد نظام حكم رجال الدين في طهران.
وكان الرئيس بوش أكثر صراحة من وزير خارجيته حين قال إن خروج تلك المظاهرات شيء طيب يشكل البداية لمطالبة الشعب الإيراني بالحرية والديمقراطية.
ومثلما ساند الكونغرس الأمريكي تخصيص اعتمادات لتمويل إذاعات موجهة إلى العراق لتأليب الشعب العراقي على نظام الحكم السابق في بغداد، قاد السناتور الجمهوري سام براون باك جهدا لتمرير قرار يدعو لتخصيص 50 مليون دولار لتمويل إذاعات تطالب بالديمقراطية في إيران باللغة الفارسية تستهدف تشجيع المعارضة في داخل إيران على الإطاحة بنظام حكم رجال الدين في طهران الذي يساند المنظمات الإرهابية ويسعى لتطوير أسلحة نووية على حد قوله. ويروج السناتور براون باك لضرورة عدم استبعاد الخيار العسكري ضد إيران كملاذ أخير.
ومع الإلحاح بمثل تلك التصريحات وتصريح الرئيس بوش بأن الولايات المتحدة لن تسمح مطلقا لإيران بامتلاك السلاح النووي، وتفنن المحللين من خبراء التليفزيون الأمريكي من جناح المحافظين اليمينيين الجدد في اللعب على هواجس الأمن الأمريكي بعد هجمات سبتمبر الإرهابية، لم يكن غريبا أن يسفر أحدث استطلاع لآراء الأمريكيين عن تأييد 56% من الأمريكيين لاستخدام القوة لمنع إيران من حيازة السلاح النووي مقابل 38% عارضوا ذلك التوجه.
والتقطت الإدارة الأمريكية ذلك الخيط لممارسة ضغط مكثف على الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاعتبار إيران منتهكة لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي وقعت عليها، والدعوة لفتح كل المرافق النووية الإيرانية أمام التفتيش الدولي بلا شروط، وهو مطلب تمكن الرئيس بوش من تأمين مساندة الاتحاد الأوروبي له في ختام القمة السنوية الأمريكية مع الاتحاد الأوروبي، بل والتعهد باستخدام كل السبل المتاحة لوقف انتشار الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، وكذلك اعتراض كل الشحنات غير القانونية لأي مواد يمكن أن تستخدمها إيران لإنتاج أسلحة الدمار الشامل.
وقال الرئيس بوش “إن على إيران أن تنصاع إلى مطالب العالم الحر فيما يتعلق بالتفتيش على مرافقها النووية، وإذا لم تفعل فسوف نتعامل عندئذ مع ذلك الرفض”، وهو تصريح نظر إليه المحللون السياسيون في واشنطن على أنه يعني استعداد الرئيس بوش لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة مع إيران، غير أنهم يرون أن حكومة الرئيس بوش استقرت في الوقت الراهن على أن تتبع استراتيجية حشد الرأي العام العالمي ضد حكومة طهران، والعمل مع المنظمات الدولية لوقف البرنامج النووي الإيراني.
ومن جديد، تتشابه نغمات النوتة الموسيقية الأمريكية في التمهيد للمسيرات العسكرية التي تسبق التصعيد باتجاه الهاوية. فقد توجه وكيل وزارة الخارجية الأمريكية جون بولتون إلى مدريد للاجتماع بممثلي دول ساندت الحملة العسكرية لغزو العراق، مثل إسبانيا وبريطانيا واستراليا وبولندا وغيرها لبحث تعزيز جهود اعتراض السفن والطائرات التي يشتبه في أنها تنقل شحنات محظورة لمواد تستخدم في تصنيع أسلحة الدمار الشامل.
أصوات الاعتدال الخافتة
ويرى الدكتور ستيفن فيربانكس، المحلل الرئيسي للشؤون الإيرانية في وزارة الخارجية الأمريكية عامي 86 و99، أن حكومة الرئيس بوش لم تقرر بعد ما الذي ستكون عليه سياستها إزاء إيران. فهناك جناح المتشددين في وزارة الدفاع من أمثال دونالد رامسفلد وبول وولفويتز، يروج لضرورة اتخاذ إجراء قوي ضد نظام الحكم في طهران، بينما تسعى وزارة الخارجية الأمريكية إلى ترجيح كافة الطرق الدبلوماسية للتعامل مع إيران، ومنها الحوار الذي كان قد بدأ في سويسرا وفرنسا.
وأعرب الدكتور فيربانكس عن اعتقاده بأن الرئيس بوش بالغ في تقدير أهمية المظاهرات الطلابية في توسيع نطاق المطالبة الشعبية بالديمقراطية في إيران. فتلك المظاهرات بدأت في جامعة طهران للاحتجاج على احتمال خصخصة التعليم الجامعي، ثم تحولت فيما بعد إلى شعارات مطالبة بالديمقراطية ومساندة لحركة الإصلاحيين.
وقال الخبير الأمريكي في الشؤون الإيرانية إنه ينبغي ألا تظهر واشنطن بمظهر المساند لشخصيات أو لحركات إصلاحية معينة، وإلا فسيعاني الإصلاحيون في إيران من الاتهام بأنهم عملاء للولايات المتحدة ويفقدون مصداقيتهم في الشارع الإيراني، خاصة وأن للولايات المتحدة تجربة سابقة في التدخل في شؤون إيران الداخلية عندما أعادت شاه إيران إلى الحكم بعد أن لفظه الإيرانيون عام 1953، ومنذ ذلك الحين اعتبره الشعب الإيراني أداة في أيدي الأمريكيين.
أما المحافظون الجدد، فينتظرون بفارغ الصبر الذكرى الرابعة لقمع حركة الإصلاح التي تزعمها الطلاب الإيرانيون في 9 يوليو 1999 ويمنون أنفسهم بأن تكون تلك الذكرى شرارة البدء في انتفاضة شعبية لتغيير نظام الحكم في طهران. ومن بين هؤلاء، مايكل لادين من معهد أمريكان إنتربرايز اليميني المحافظ والذي سبق له فتح قناة اتصال سرية أمريكية مع شخصيات إيرانية في غمار فضيحة إيران- الكونترا في عهد الرئيس ريغن.
وقد أسس لادين القريب الصلة بوزير الدفاع رامسفلد ونائبه وولفوفيتز ما يسمى بالتحالف من أجل الديمقراطية في إيران لحشد التأييد الشعبي داخل إيران للإطاحة بنظام الحكم في طهران.
وقد انتقد السناتور الديمقراطي بن نيلسن من ولاية نبراسكا هذا التوجه وقال، إن مساندة الولايات المتحدة لانتفاضة شعبية في إيران أو تأليبها للشعب الإيراني ليقوم بمثل تلك الانتفاضة، سيجعل الرأي العام العالمي ينظر بمزيد من الشك والريبة إلى النوايا الأمريكية في التدخل في مختلف أنحاء العالم.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.