مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“التهديد الإيراني” للعلاقات الإسرائيلية – الأمريكية

في أول زيارة لمسؤول كبير في الجمهورية الإسلامية إلى الولايات المتحدة منذ عام 1979، حاضر الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي في الكاتدرائية الوطنية بواشنطن يوم 7 سبتمبر 2006 Keystone

إن ما يهمُّ إسرائيل في المقام الأول، هو الكيفية التي تدير بها عواصم المنطقة علاقاتها مع واشنطن، خاصة ما يتعلّـق بقُـدرتها على التقارب معها، فتلك المسألة تمثل أحد خطوط إسرائيل شِـبه الحمراء.

هذه المسألة – ذات الطابع الإستراتيجي – كانت دائما موضِـع نقاش ويُـمكن على أساسها تفسير الكثير مما يحدُث في المنطقة، خاصة إذا قفزت إيران على خطّ العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، وتمكّـنت من فتح قناة مُـستقلة مع واشنطن.

إحدى “قواعد الاشتباك”، التي يُـدرك كثير من السّـاسة في الشرق الأوسط أنها تحكم حركة إسرائيل في الإقليم، ترتبط بافتراض لا يخلو من بعض التعقيدات، وهو أنه لا يهم إسرائيل – كأولوية قصوى – تلك التحركات التي تقوم بها حكومات المنطقة تجاهها أو “الأقوال”، التي توجِّـهها تلك الحكومات لشعوبها بشأن إسرائيل أو حتى ما تتفق عليه دول المنطقة بشأن التعامل معها أحيانا.

فما يهمُّـها في المقام الأول، هو الكيفية التي تدير بها عواصم المنطقة علاقاتها مع واشنطن، خاصة ما يتعلّـق بقُـدرتها على التقارب معها، فتلك المسألة تمثل أحد خطوط إسرائيل شِـبه الحمراء.

يبدو الموضوع برمّـته وكأنه “إستراتيجي” أكثر من اللاّزم، لكنه كان دائما موضِـع نقاش أو اختبار ويُـمكن على أساسه تفسير الكثير مما يحدُث في المنطقة، خاصة إذا قفزت إيران على خطّ العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، وتمكّـنت من خلق قناة مُـستقلة مع واشنطن.

فقد تجمّـعت لدى إيران خلال الفترة الماضية أوراق مؤثرة، يُـمكن أن تدفع في اتِّـجاه سيناريوهين متناقضين تماما، إما حرب تكسير عظام مع الولايات المتحدة في الإقليم أو علاقة “تفاهم خاصة” توازي في قوتها أية علاقة حالية لواشنطن في الشرق الأوسط، بما في ذلك بعض مستويات علاقتها بإسرائيل.

الأفكار التقليدية

هناك فكرة سادَت في التحليلات الإقليمية عبر أكثر من نصف قرن، يمكِـن أن تُـمثل بدايةً ملائمةً لفهم تلك المسألة. فعادة ما يقال أن أحد التوجُّـهات الإسرائيلية التي تصل – وفق المفاهيم العربية – إلى حد الثوابت، هي حِـرص إسرائيل التاريخي على الارتباط بالقوة العظمى السائدة في النظام الدولي كأحد أسُـس نظرية أمنها القومي، فتلك القوة تتيح لها الدعم السياسي والإمدادات التسليحية والمساعدات الاقتصادية، وهو ما بدأ يترسَّـخ مع الولايات المتحدة خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن لم يكن من السهل أبدا فهْـمُ تلك العلاقة الإستراتيجية. فنظرية إسرائيل الأمنية تركِّـز منذ عام 1956 على قُـدرتها على حماية نفسها بقوتها الذاتية، أيّـًا كانت ارتباطاتها الدولية، ولم يستقر الفكر الأيديولوجي العربي على ما إذا كانت الولايات المتحدة هي التي تتحكَّـم في توجُّـهات إسرائيل أم أن إسرائيل هي التي تُـسيِّـر قرارات الولايات المتحدة، لكن بعيدا عن مثل هذا الجدل الذي لا ينتهي، كان هناك دائما سؤالان محددان، هما:

1. ما هي أسُـس العلاقات الإسرائيلية الأمريكية؟ ولا توجد هنا إجابة سهلة أو إجابة واحدة. فالتيار السائد في المنطقة يربطها بما تقدِّمه إسرائيل من خدمات لمصالح الولايات المتحدة في الإقليم، وتفضِّـل إسرائيل صيغة أنها علاقةٌ تستند على قِـيَـمٍ مُـشتركة لأنها دولة ديمقراطية في محيط استبدادي، بينما يسُـود تيار يؤكِّـد أنها تتعلّـق بقُـدرة إسرائيل على التأثير في عملية صنع السياسة بواشنطن. فمصالح الولايات المتحدة مع دول عربية رئيسية بالمنطقة، أكبر عمليا من مصالحها مع إسرائيل، لكن قدرة إسرائيل على التأثير في دوائر واشنطن أكبر من قُـدرة العواصم العربية، ولكل تيار منطق وانعكاسات، خاصة التيار الأخير.

2. هل تقلّـصت أهمية إسرائيل في الإستراتيجية الأمريكية؟ ويُـطرح هذا السؤال منذ انهيار الإتحاد السوفييتي، وحِـرص الولايات المتحدة على إبعاد إسرائيل عن ائتلافات الحرب التي شكّـلتها ضدّ العراق عامي 1991 و2003، لدرجة أنها بدَت أحيانا كعِـبء إقليمي، وانتقال قوات الولايات المتحدة ذاتها إلى المنطقة لتستَـقِـرّ داخل العراق، لكن لم يبدُ أبدا أن التزام الولايات المتحدة تُـجاه إسرائيل يتقلّـص في أي مرحلة، على الرغم من بُـروز أصوات في واشنطن، أحيانا توجِّـه انتقادات انتحارية لتلك العلاقة. وعلى الرغم مما شهدته العلاقة من أزمات فى بعض الفترات، وهو ما رجّـح دائما نظرية “التأثير الإسرائيلي داخل واشنطن”.

نظرية المثلث

كل تلك التّـعقيدات كانت مُـثارة دائما داخل دوائر صُـنع القرار في المنطقة. فقد كانت هناك دعوات، حتى من جانب الجامعة العربية، لدعم وجود لوبي عربي في الولايات المتحدة، وأشار كثيرون إلى أن الرئيس المصري السابق أنور السادات قد حاول أن يتحرّك في اتجاه التأثير داخل واشنطن، وتمكّـن جُـزئيا من القيام بذلك، دون استفزاز إسرائيل بشدّة، وكان معروفا أيضا أن للمملكة العربية السعودية نفوذا واسعا داخل دوائر البيت الأبيض والبنتاغون والشركات الكبرى، مما أثار الدوائر الموالية لإسرائيل أحيانا، كما أن دولا عربية أخرى “أصغر حجما” قد مارست لُـعبة الاقتراب من واشنطن بطُـرق شديدة الإيحاء في أحوال كثيرة، جرى بعضها عبر تفاهُـمات أو تنسيق مع إسرائيل.

كانت هناك مشكلة بالنسبة لإسرائيل فيما يتعلق بمحاولات الدول الأخرى في المنطقة للاقتراب من “أذن واشنطن”، وتشهد ملفات تلك العلاقات ضربات حادة “تحت الحزام” وجّـهتها إسرائيل لعدد من الدول العربية عبر ضغوط سياسية أو تقديرات معلوماتية أو احتجاجات داخلية وتفاهمات ثنائية، بحيث تمكّـنت إسرائيل، نِـسبيا، من إرساء قاعدة اشتباك شهيرة، احتجّـت عليها بعض العواصم العربية أحيانا، وهى أن علاقات الولايات المتحدة بدول المنطقة ليست “ثنائية” وإنما “ثلاثية”، يُـفترض أن يُـنظر إليها على أنها علاقة أمريكية – عربية – إسرائيلية، أي أنه يجب مُـراعاة رُؤية إسرائيل بشأن ما يدور عادة.

كان المعنى الحاد لتلك النظرية، هو أن علاقات العواصم العربية بواشنطن تمرّ عبر تل أبيب، وقد تعاملت بعض عواصم المنطقة مع تلك المسألة على أنها أمر واقع، وسعى بعضها لاستخدام القناة الإسرائيلية أحيانا أو على الأقل لتجنّـب الفيتو الإسرائيلي، إلا أن الأمور لم تكن بتلك الحدّة في بعض الأحوال. فقد حرِصَـت بعض الدوائر الأمريكية على إقامة علاقة مُـستقلة على بعض المُـستويات المحدّدة، السياسية أو الأمنية أو العسكرية أو المالية أو النفطية مع بعض الدول العربية، وأظهر بعضها ضجرا مُـعلنا من تلك التقديرات الإسرائيلية المُـتتالية بشأن نشاطات تتعلّـق بالعراق أو إيران أو سوريا أو مصر أو السعودية، والتي لم تكن دقيقة أو كانت تهدف إلى تأليب واشنطن ضدّ تلك الدول، لكن نظرية المثلث ظلّـت تعمل بفعالية.

الاختبار الإيراني

وتخضع تلك النظرية في الوقت الحالي إلى أحد الاختبارات المُـزعجة بالنسبة لإسرائيل. فقد عمل المثلث الأمريكي – الإيراني – الإسرائيلي بشكل مُـريح بالنسبة لتل أبيب في عهد شاه إيران، الذي كان حليفا قويا أيضا للولايات المتحدة في المنطقة، ولم تكن هناك “تحديات إيرانية” بهذا الشأن تُـواجه إسرائيل إثر قيام الثورة الإيرانية، التي تحولت الولايات المتحدة بعدها إلى “شيطان أكبر” بالنسبة لطهران وتحولت إيران إلى دولة مارِقة بالنسبة لواشنطن، وعندما كانت المصالح السرية للطرفين تقتضي إبرام بعض الصفقات كـ “إيران-كونترا”، كانت إسرائيل على الخط، لكن بعض التعديلات بدأت في الظهور خلال الفترة الأخيرة.

عندما انفجرت مُـشكلة البرنامج النووي الإيراني، كانت إسرائيل في قلب المشكلة. فقد حول الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إسرائيل إلى هدف، مثيرا كل القضايا المستفِـزّة بالنسبة لها، كوجودها على الخريطة ومسألة الهولوكوست، وهدّدت إسرائيل بضرب المرافق النووية الإيرانية، إذا اقتربت إيران من العتَـبة النووية العسكرية.

وكان ثمة تفسير مُـختلف عمّـا يعلن لسلوك الطرفين. فهناك من يؤكِّـد أن “أحمدي نجاد” يَـعتبر إسرائيل أحد أوراق المُـساومة مع واشنطن، وأن إسرائيل توجِّـه تهديداتها للبيت الأبيض – ليقوم بالمُـهمة – وليس لطهران، فقصّـة الصراع على واشنطن تتكرّر حسبما يبدو مرة أخرى، إلا أن المشكلة الحقيقية اندلعت عندما بدا لإسرائيل أن ثمة قناة مستقلة على وشك أن تنشأ بين الطرفين.

إذ تأكّـد لتل أبيب أن تقديراتها الخاصة باقتراب إيران من امتلاك القنبلة لا يتِـم التعامُـل معها كما يجب في واشنطن، وأن تقييم واشنطن لأدائها في حل مشكلة حزب الله خلال حرب لبنان جاء سلبيا، وأن الولايات المتحدة تتساهل فيما يتعلق بالجداول الزمنية والمطالب الفعلية مع إيران، وأنها لا تسمح فقط للرئيس الإيراني بزيارة الأمم المتحدة، بل أنها تبدأ حوارا غير مباشر معها عبر جولة للرئيس السابق خاتمي في واشنطن، ولقاء لأحمدي نجاد مع العاملين بمجلس العلاقات الخارجية بنيويورك، وأنها قد استبدلت صيغة الشرق الأوسط الجديد بتحالف المعتدلين “العرب”، كما تبدو قلقة – مثل دول أخرى في المنطقة – ممّـا يُـثار عن صفقة أمريكية إيرانية قادمة.

هنا، يمكن الاستمرار في تحليل ما قد يحدُث إلى ما لا نهاية. فهناك من يرى أن احتمالات المواجهة لا تزال أكبر من احتمالات التعاون، وأن أية صفقة قادمة لن تُـسفر سوى عن “نموذج ليبي” آخر، يتِـم في إطاره حلّ المشكلات دون تدعيم العلاقات، خاصة وأن البُـعد الأيديولوجي في سياسة إيران لا يزال مؤثرا.

لكن ثمّـة تصورا بأن هناك أسُـسا حقيقية لما قد يشكِّـل “وفاقا” أمريكيا – إيرانيا تدفع ثمنه عدّة دول في المنطقة، بينها إسرائيل، لذا تكشف كل الأطراف ذات العلاقة بالولايات المتحدة أوراقها حاليا على الساحة الإقليمية، فيما يشبه “الحوار” مع واشنطن حول ما هو قادم، لكن يظل وضع إسرائيل خاصّـا للغاية، فهل ستتمكن من إدخال إيران إلى إطار “المثلث” أم أنها ستكون بداية النهاية لتلك النظرية من الأساس؟

د. محمد عبد السلام – القاهرة.

“… هل حانت ساعة الصفقات العلنية والمباشرة بين إيران وأميركا؟

هذا السؤال الذي كان شبه مستحيل طيلة السنوات الثلاث الماضية حين اجتاحت القوات الأمريكية بغداد وهددت بطرق أبواب طهران، لم يعد كذلك الآن، بعد أن تعثرت قدما واشنطن في بلاد الرافدين وباقي أنحاء الشرق الأوسط.

أوراق التفاوض باتت الآن فوق الطاولة، وهذه المرة بتصفيق حماسي (وإن متباين) من الطرفين.

إيرانياً، انطلقت الإشارات الأولى لهذا التطور مع رسالة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى الرئيس الأمريكي بوش التي، وبرغم لهجتها الخطابية المعادية للسياسات الأمريكية، فهمت بعد حين في العاصمة واشنطن كما يجب أن تُفهم: استعداد إيراني صريح للتفاوض مع “الشيطان الأكبر” علناً وللمرة الأولى منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

أمريكياً، بدا خلال الأسبوعين الماضين أن وجهة النظر الداعية إلى استخدام الجزرة الاقتصادية قبل تحريك العصا الدبلوماسية والعسكرية، إضافة إلى العصا الاقتصادية، تغلبت على وجهة نظر الصقور بقيادة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني الداعية إلى مواصلة عملية الخنق والحصار..”.

(مقتطف من تقرير للكاتب والمحلل سعد محيو نشر يوم 12 يونيو 2006 على موقع سويس انفو بعنوان: “إيران وأمريكا نحو حلقة مفرغة”؟)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية