التوقعات الاقتصادية بعد التغيير الحكومي
رحبت رابطة رجالات البنوك والمصارف ورابطة أرباب العمل بالتركيبة اليمينية الجديدة للحكومة الفدرالية، على عكس النقابات والأوساط العمّالية التي لم تهلل لها.
في المقابل يقول الخبراء إن كريستوف بلوخر وهانس رودلف ميرتس لا يستطيعان القيام بشيء ما دام الاقتصاد العالمي في خمول.
رحّبت رابطة رجالات البنوك والمصارف، خاصة رجالات أهم بنكين تجاريين في سويسرا، وهما UBS و CSGroup، ترحيبا حارّا بالحكومة الجديدة التي تضم شخصيّتين من الشخصيات اليمينية المعروفة، أي كريستوف بلوخير وهانس ـ رودولف ميرتس، على اعتبار أنه حكومة أصلب وأشد مقاومة للضغوط الأجنبية الرامية لتقويض السرية المصرفية التقليدية للبنوك السويسرية، كما تقول الأوساط اليمينية في سويسرا.
وترحب أوساط أرباب العمل بنفس هذه الحكومة، باعتبارها “خيارا عقلانيا يضمن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية لتعزيز الاقتصاد السويسري الذي فقد الكثير من طاقاته على المنافسة خلال السنوات العشر الماضية” كما قال رودلف رامساير، مدير رابطة أرباب العمل(Economiesuisse).
ولا غرابة في صدور مثل هذه المواقف بعدما كشف الاستجواب الشخصي، الذي أجرته إحدى مؤسسات استطلاع الرأي العام مؤخرا، النقاب عن أن هانس رودلف ميرتس الوزير المنتخب الجديد في الحكومة السويسرية له موقف من المال والأعمال والاقتصاد، أكثر نزوعا إلى اليمين من مواقف كريستوف بلوخر الوزير الفدرالي الجديد الآخر وزعيم حزب الشعب السويسري.
فالمعروف أن المعارضة التي ظلت قائمة حتى اللحظات الأخيرة لانتخاب كريستوف بلوخر في الحكومة الفدرالية، ترجع لحقيقة أنه ينادي بحرية الاقتصاد والأسواق وبتعزيز موقف الشركات والمؤسسات الإقتصادية السويسرية لزيادة قدراتها على المنافسة، وبخفض النفقات الفدرالية خفضا جذريا وبمعاملة المواطنة والمواطن معاملة البالغين القادرين على تحمّل المسؤوليات والواجبات.
محكوم على الجميع بالادخار والتوفير
ويعنى ذلك على الصعيد العملي، التطبيق الحازم للخطة التقشفية الرامية لإصلاح الميزانية الفدرالية التي وافقت عليها غرفتا البرلمان الفدرالي هذا الأسبوع والقاضية بتوفير 6 مليارات فرنك بين عام 2004 وعام 2006، دون خفض معاشات الوزراء الفدراليين السبعة ودون خصم شيء من الميزانية المقررة لتعزيز شبكة دور الحضانة، لتشجيع الأمهات الراغبات في العمل على الإستمرار.
عدا ذلك تقتطع هذه الخطة التقشفية حصصا ملحوظة من العلاوات الفدرالية المرصودة للتكوين والبحث العلمي، وللتأمينات الاجتماعية باستثناء التأمينات الصحية على وجه الاحتمال، ومن الدعم المقدم للفلاحين والمزارعين وغيرهم.
وفي ظل الإجماع العام بين الشركاء الاجتماعيين في سويسرا على ضرورة التقليل من المديونية الفدرالية المتصاعدة والتي تناهز حاليا 110 مليار فرنك سويسري، ترى الأوساط النقابية والعمّالية في هذه الخطة خطرا على الإنجازات التي توصلت إليها منذ الحرب الثانية، خاصة على تأمينات التقاعد وتأمينات البطالة وغيرها من التأمينات الاجتماعية التي وقعت بين فكي المقص مرارا منذ مطلع عام 2003.
لكن اليمين المتشدد لا يرى بديلا للمثل هذه الإجراءات غير الشعبية لإنقاذ النظام الاجتماعي ولتدعيم الاقتصاد كي يستعيد طاقاته على المنافسة المتصاعدة في زمن الإنترنت والعولمة وانهيار مختلف الحواجز الحمائية.
وترد النقابات العمالية على هذه التبريرات بالقول إن خفض النفقات الفدرالية لا يؤدي بأي حال من الأحوال إلى إنعاش الاقتصاد الوطني، وإنما العكس هو الصحيح، خاصة إذا ما تراجعت الاستثمارات الفدرالية في البنى التحتية العامة التي تعاني من إجراءات الادخار والتوفير منذ عقد على الأقل.
“إنقاذ ما يمكن إنقاذه”!
ويقول البروفيسور Beat Burgenmeier أحد أساتذة الاقتصاد البارزين بجامعة جنيف، إن الفشل هو مصير ما وصفه بأية سياسات اقتصادية متعمّدة أو موجّهة، لأن النموّ الاقتصادي يعتمد أولا وقبل كل شيء على انتعاش الاقتصاد العالمي، خاصة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الشريكين الرئيسيين لسويسرا.
ويلاحظ معظم المحللين الاقتصاديين أن هنالك حاجة ماسّة لتصحيح مسار الاقتصاد السويسري الذي خسر الكثير من عنفوانه خلال السنوات القليلة الماضية، إذا أرادت سويسرا مواجهة تحديات النصف الأول من القرن الحالي، ومنها الزيادات الهائلة في نسب المتقاعدين والطاعنين في السن، والتصاعد اللولبي في التكاليف الصحية والزيادات القياسية المتعاقبة في عدد العاطلين عن العمل وغير ذلك.
وريثما تتحقق الإنعطافة الاقتصادية المنشودة على الصعيد العالمي، يخشى المراقبون أن تؤدي التوجيهات اليمينيّة المتشددة للاقتصاد السويسري تحت تأثير الوزيرين الجديدين بلوخير ومِرتس، إلى إطلاق الحزب الاشتراكي المزيد من المبادرات الشعبية والاستفتاءات الوطنية للدفاع عن مواقفه، ولتحريض العمال على المزيد من الإضرابات والاحتجاجات في الشارع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المكاسب الإجتماعية التي حصل عليها العمال السويسريون منذ نهاية الحرب الثانية.
جورج أنضوني – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.