“الثأر قبل العدالة” في “عراق الفوضى”
اتفقت الصحف السويسرية الصادرة صباح الأربعاء 3 يناير 2007 على أن إعدام صدام حسين بهذه السرعة كان "للثأر وليس لتحقيق العدالة"، واعتبرت أن رحيله "فرصة لعدم فتح ملفات لا تريد أطراف كثيرة أن تتطرق إليها عن فترة حكمه".
كما انتقدت تسريب تسجيل الدقائق الأخيرة قبل إعدامه، ورأت في ذلك “صورة بشعة” لعراق اليوم “الذي يعيش في الفوضى والمتعطش للإنتقام”.
قالت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ الصادرة من زيورخ، “لم يتم إعدام برئ، بل ديكتاتور يتحمل وزر عدد لا يحصي من الجرائم البشعة التي صدرت بأمر منه وتحت إشرافه”، لكن الصحيفة تعتقد بأن السرعة المتناهية في تنفيذ الحكم هي التي جعلت الجميع يصاب بالدهشة والذهول، “فمن أمروا بتنفيذ الحكم لم يراعوا موعد عيد الأضحى عند المسلمين، ولم ينتظروا صدور أحكام أخرى في قضايا مختلفة”.
وتعتقد الصحيفة أن تلك السرعة في تنفيذ حكم الإعدام ربما تعود إلى”رغبة القيادة السياسية في العراق في تقديم خبر جيد لضحايا نظام صدام، وإزاحة هذا الرجل من على الساحة بما يحمله من رمز سياسي”، لكنها في الوقت نفسه تؤكد على أن رحيل صدام لن يغير من الوضع السياسي في العراق، بل ربما يستخدمه رئيس الوزراء الراهن للبحث عن مخرج سياسي جديد للبلاد، “بوضع حقيقة رحيل البعث إلى الأبد وعدم جدوى ترقب عودته مرة أخرى، لكنه باعد بهذا الإعدام السريع بين السنة والشيعة لمسافة أخرى”.
وتعتقد الصحيفة أن التعجيل بالإعدام هو “من باب الثأر قبل أن يكون من باب الحرص على تطبيق العدالة، لأن تطبيق العدالة يقتضي النظر في بقية القضايا والجرائم التي ارتكبها نظامه، ضد الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب والسنة المعارضين في غياهب السجون وغرف التعذيب المروع”، وتتابع:”إن هناك الكثيرين الآن الذين يمكنهم الاطمئنان لأن ملفات متعددة عن فترة حكم صدام حسين لن يتم فتحها بعد رحيله، أو لأن صوته لن يظهر”.
وتقول الصحيفة إن الملاسنة التي لاحقت صدام حتى الثواني الأخيرة من حياته والتي سمعها العالم، “تعكس مدى التشرذم وعدم الثقة والكراهية التي تسود الشرق الأوسط وتمزقه”، أما على الجانب الأمريكي فترى أن الاحتلال “نجح في إزاحة النظام الديكتاتوري وتدمير مقوماته، في حين كانت كل البدائل الأمريكية إلى اليوم فاشلة في بناء نظام ديمقراطي سلمي يضمن الأمن والاستقرار”.
“دقيقتان مدمرتان”
في المقابل ركزت لوتون الصادرة بالفرنسية من جنيف على اللقطات التي تم تسريبها في اللحظات الأخيرة قبل اعدام صدام حسين، وانتشرت على مواقع مختلفة في الإنترنت، وقال لويس ليما مراسل الصحيفة في نيويورك “دقيقتان من صور الفيديو الملتقطة بطريقة القرصنة تدمران آخر الآمال في العراق”، إذ يصف تلك اللقطات بأنها أيضا “صورة الوضع الراهن في العراق، وهي الفوضى والتعطش الى الانتقام”.
ويقول ليما “إن هذه اللقطات ليست فقط مناظر مرعبة بالنسبة للسنة في العراق وخارجه بل أيضا بالنسبة للإدارة الأمريكية التي أرادت ميلاد عراق ديموقراطي جديد على قبر الديكتاتور السابق”. ثم يصف الوضع الراهن بأنه “سلسلة بدأت بحكم متعجل وإهانة دينية وديكتاتور سابق يتحول إلى شيطان بحجم كبير، ليحصل اليوم على المقومات التي تجعل منه شهيدا، في حضور قومية سنية لا تؤمن بعد اليوم بالحماية الأمريكية ورئيس وزراء عراقي يثبت ضعفه وقلة حيلته أمام المليشيات المسلحة”.
ومن جنيف أيضا تقول لا تريبون دو جنيف إن اعدام صدام حسين حوله إلى شهيد، بعد أن أظهرت المشاهد التي تم تسريبها قبل إعدامه عن المذهبية، “فالهتافات التي تعالت بإسم الصدر تعني الإمام الشيعي المتطرف مقتدى الصدر، نفس الشخص المسئول عن الكثير من التجاوزات في حق الطائفة السنية”، حسب الصحيفة.
“حكم يجب إحترامه”
وعلى العكس يرى لورانتس كومر في دير بوند الصادرة من برن، أن لتنفيذ حكم الإعدام “مبررات يمكن فهمها؛ فهو صادر عن محكمة عراقية بالنظام القضائي المعمول به في البلاد ومطابق للدستور، وصدقت عليه الحكومة ولذا وجب احترامه، لأنه حدث في أجواء يمكن القول أنها ديمقراطية، وهو أمر نادر في المنطقة”.
ويقول الكاتب تحت عنوان ثأر عوضا عن عدالة “لن يذرف الكثيرون الدمع على صدام حسين، فهو من أعتى جبابرة القرن العشرين، حكم بلاده بالحديد والنار فدمرها رغم ثرائها”، ورغم ذلك فقد اعتبر كومر أن إعدام صدام بعد أول محاكمة له لم تنته بشكل كامل هو نوع من “نقص الذكاء السياسي، لأن ذلك “سيمنع إلقاء الضوء على العديد من الجرائم التي ارتكبها بحق العراق وشعبه، ولن يفسح المجال للكشف عن بقية الأخطاء الفادحة، بل سيجعل الأمر معقد للغاية لاسيما جرائمه ضد الأكراد، وربما يكون هذا من مصلحة الأمريكيين والشيعة على حد سواء، الذين لا يريدون إلقاء الضوء كاملا على حقبة صدام حسين”.
ولا يجد كومر علاقة بين إعدام الرئيس العراقي السابق وحالة العنف السائدة في البلاد، “لأنها ستتواصل فهي عمليات ليست مرتبطة بأنصار صدام حسين، بل صراع بين المليشيات المتناحرة من السنة والشيعة على حد سواء ومن يقف ورائهم في العراق وخارجه”، وللخروج من دائرة العنف تلك ينصح الكاتب الولايات المتحدة بأن “تقبل بالجلوس على طاولة المفاوضات مع ألد أعدائها، فإذ كان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد وصف إعدام صدام بأنه علامة فارقة في تاريخ العراق، فإنه قد أخطأ في هذا التعبير أيضا، لأن العلامات الفارقة في العراق ليست عن طريق الحلول العسكرية، وإنما عبر طرق أخرى جديدة، يجب البحث عنها والدخول فيها قبل فوات الأوان”.
“رحل .. ليتم إغلاق الملفات”
أما تاغس أنتسايغر الصادرة من زيورخ، فقد ركزت على معاناة العراق من ارث الحقبة الصدامية، لاسيما وأن بلاد الرافدين تحولت رغم ثرائها الشديد إلى واحدة من افقر الدول النامية، فضلا عن الانشقاق الكبير بين طوائف العراق المختلفة، وما خلفته معاناتهم من جروح تحتاج إلى علاج طويل الأمد.
لكن مراسل الصحيفة في واشنطن مارتين كيليان كتب يقول ” لقد رحل صدام ومعه اسرار علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية، من دون أن يعرف العالم الدور الحقيقي الذي لعبته واشنطن في خلق هذا الديكتاتور، والدور الأوروبي في تنشيط التعامل التجاري مع بغداد في عهد صدام”.
ويرى كيليان، إن هناك شيء خفي في علاقة الولايات المتحدة بصدام حسين فصعوده بهذه السرعة وقضائه على أعدائه ومن يقف في طريقه كان في نظر الغرب عادي، ورغم أنه شن حربا على إيران إلا أنه بقي الصديق والحليف، وفي هذا سر لا يريد الكثيرون الكشف عنه لا في الغرب ولا في الشرق.
كما يعتقد أن رحيل صدام لن يكشف أيضا عن دور الدول العربية في دعمه أثناء الحرب على إيران والوساطة التي لعبها الزعماء العرب بين واشنطن وبغداد أثناء تلك الحرب، ويؤكد على أن إعدام صدام “قد أغلق جميع الملفات المثيرة وسيتم التعتيم عليها لفترة زمنية طويلة”.
سويس انفو – تامر أبوالعينين
اهتمت الصحف السويسرية بشكل واسع بإعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وأفردت مساحات واسعة للحديث عنه، في تقييم للحقبة التي حكم فيها البلاد، والإنعكاسات المحتملة للأوضاع في العراق فيما بعد.
وإذا كانت الصحف قد اتفقت على أن جرائم صدام حسين لا تعد ولا تحصي، فهي لا ترى في ذلك مبررا لتنفيذ حكم الإعدام بتلك العجالة، إذ أن رحيله سيغلق الباب أمام فتح ملفات كثيرة ومعقدة تتعلق بعلاقة العراق بالغرب وبالولايات المتحدة على وجه الخصوص.
لكن الملاحظ هو أن الصحف السويسرية لم تندد بحكم الإعدام في حد ذاته، على عكس ما تفعل عادة عند تعليقها على أحكام الإعدام بشكل عام، إذ تعتبرها انتهاكا لحقوق الإنسان ونوع من الوحشية والهمجية.
نقل عن مسؤول امريكي كبير في بغداد قوله يوم الاربعاء 3 يناير 2007 ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كان قلقا بشأن افلات صدام حسين من حكم الاعدام بطريقة ما اذا لم يتم تنفيذ العقوبة سريعا.
وقال المسؤول لصحيفة نيويورك تايمز أن المالكي الذي سارع باعدام صدام بعد أربعة أيام فقط من تأييد محكة التمييز العراقية حكم الاعدام الصادر بحقه لادانته بارتكاب جرائم ضد الانسانية اعتراه القلق من قيام مسلحين بعمليات خطف واسعة النطاق واستخدام المخطوفين كورقة مقايضة لتأمين اطلاق سراح صدام.
وقال المسؤول “كان الامن هاجسه وأنه…ربما كانت ستقع حوادث خطف واسعة النطاق للمقايضة باطلاق سراح صدام حسين”، واضاف “كان قلقا من أنه بشكل ما قد يطلق سراحه”.
وعقب الاطاحة بصدام بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق احتجزت القوات الامريكية فعليا الرئيس المخلوع في سجن قرب مطار بغداد وسط اجراءات أمنية مشددة. وتم تسليمه للمسؤولين العراقيين قبل الاعدام فجر يوم السبت 30 ديسمبر 2006.
وأحجم مسؤول بالسفارة الامريكية في بغداد عن التعليق.
وظهر في فيلم فيديو صور بشكل غير رسمي بهاتف محمول فيما يبدو مسؤولون شيعة وهم يستفزون صدام بعبارات مهينة لحظة اعدامه مما أثار غضب العرب السنة وهي الطائفة التي ينتمي اليها الرئيس السابق. وقالت الحكومة العراقية انها شكلت لجنة خاصة للتحقيق في السلوك المسيء للشهود.
وقال مسؤول بالمحكمة انه أوشك على وقف عملية الاعدام حينما استفز مؤيدون لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الرئيس السابق لدى وقوفه على منصة الاعدام وهو ما أثار حفيظة المعتدلين من الشيعة والاكراد في ائتلاف المالكي الحكومي وألهب المشاعر الطائفية في دولة تقف بالفعل على شفا حرب أهلية. (المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 3 يناير 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.