الثقة المفقودة
كشف استطلاع للآراء شمل 36 ألف شخص في 47 بلدا في القارات الست أن الثقة في أبرز الهيئات والمؤسسات قد تراجعت إلى معدلات خطيرة.
وتشير النتائج بوجه خاص إلى أن ثقة سكان المعمورة في المؤسسات الديمقراطية والشركات الكبرى الدولية والوطنية قد تراجعت إلى أبعد حد.
في الوقت الذي يستعد فيه المنتدى الإقتصادي العالمي لتخصيص دورته السنوية المقبلة (من 23 إلى 28 يناير 2003) التي تنعقد في منتجع دافوس (شرقي سويسرا) لمعالجة ملف الثقة من جميع جوانبه، نشرت في جنيف يوم الجمعة نتائج سبر آراء عالمي مثير.
هذا الإستطلاع تنجزه سنويا مؤسسة غالوب للأبحاث بالتعاون مع مؤسسة إينفايرونيكس الدولية (Environics International) تحت مسمى “صوت الناس” ويخصص للتعرف على اتجاهات الرأي حول قضية ما على المستوى الدولي.
وطبقا للطريقة الإحصائية التي آعتمدت لاستجواب 36 ألف شخص ينتمون إلى 47 بلدا تتوزع على القارات الست، وبناء على القواعد المعتمدة في العلوم الإحصائية يؤكد المشرفون على إنجاز الإستطلاع أن ما جاء فيه يعكس وجهات نظر مليار وأربع مائة مليون شخص في العالم!
هنا تكمن الأهمية القصوى للنتائج التي أسفر عنها سبر الآراء والتي أظهرت تراجعا هائلا في ثقة الناس في المؤسسات التشريعية الوطنية والشركات الكبرى مقابل حصول القوات المسلحة والمنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة على أعلى مستويات الثقة.
في أسفل الترتيب
وقد سُـئل المستجوبون في الإستطلاع في لقاءات مباشرة أو عبر الهاتف عن ثقتهم في أن مؤسسات مثل القوات المسلحة والمنظمات غير الحكومية والأنظمة التعليمية والبرلمانات والمؤسسات الدينية والشرطة ووسائل الإعلام والشركات المتعددة الجنسيات والشركات الكبرى على المستوى الوطني والأمم المتحدة والمؤسسة القضائية وغيرها تعمل من أجل تأمين أفضل المصالح للمجتمع.
وقد جاءت الأجوبة متشابهة من كافة أنحاء الكرة الأرضية، حيث عبر الجمهور “الدولي” عن ثقة متدنية جدا في الهيئات النيابية وفي الشركات الوطنية الكبرى وفي الشركات المتعددة الجنسيات وفي صندوق النقد الدولي وفي البنك الدولي، التي جاءت جميعها في أسفل الترتيب.
والغريب أن البرلمانات والمجالس النيابية وهي المؤسسة الديمقراطية الرئيسية في كل بلدان العالم قد حصلت على أدنى معدلات الثقة كما أن ثلثي المستجوبين في العالم قالوا إنهم لا يوافقون على “أن بلادهم محكومة طبقا لإرادة الشعب” وهو ما دفع خوزيه ماريا فيغوريس المدير التنفيذي للمنتدى الإقتصادي العالمي إلى القول إن مؤسساتنا تواجه ضغوطا هائلة من أجل أن تتطور مضيفا بأن هناك حاجة لتحرك جماعي من أجل إعادة بناء جسر الثقة ليس فقط بين المواطنين ومؤسساتهم ولكن بين جميع قطاعات المجتمع على حد قوله.
ثقة واسعة في القوات المسلحة
ويبدو أن نواقيس الخطر ستدق بعنف في كل عواصم العالم ومؤسساته السياسية والإقتصادية بعد أن اتضح من خلال نتائج الإستطلاع أن المواطنين يمنحون حكوماتهم (المنتخبة في الغالب) نفس القدر من الثقة التي يعطونها لوسائل الإعلام والنقابات.
وفيما يرى البعض أن ضرورات توفير الأمن والأوضاع الناجمة عن تداعيات ما أصبح يعرف بالحرب على الإرهاب تدفع أعداد متزايدة من الناس إلى منح القوات المسلحة أعلى درجات الثقة مثلما أكدت نتائج الإستطلاع، اتضح أن المنظمات غير الحكومية بمن فيها المجموعات العاملة في مجال حماية البيئة أو في الرعاية الإجتماعية تأتي مباشرة بعد المؤسسة العسكرية في الترتيب، وهو ما يحمّل هيئات المجتمع المدني مسؤوليات أخلاقية إضافية في المرحلة الحالية.
ومن مفاجآت الإستطلاع النسبة العالية من الثقة التي حصلت عليها منظمة الأمم المتحدة (حتى في الولايات المتحدة ألأمريكية) وهي نسبة وضعتها في نفس مستوى المجموعات الدينية والكنائس.
وفيما يتردد سكان الكرة الأرضية في منح ثقتهم إلى المنظمات الدولية الكبرى مثل منظمة التجارة العالمية أو صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، يجمعون على عدم الإطمئنان إلى أن الشركات الكبرى في بلدانهم أو على المستوى العالمي “تعمل من أجل المصالح العليا للمجتمع”.
لا بد من التحرك
وفيما تتسم هذه النتائج ببعض الإختلاف من قارة إلى أخرى ومن مجموعة حضارية إلى أخرى، لا يشك المراقبون في أن كبار رجال السياسة والإقتصاد والأعمال الذين سيلتقون في دافوس مفتتح العام المقبل سيركزون اهتمامهم على تشريح وتحليل الرسالة التي تضمنتها نتائج هذا الإستطلاع.
ويحذر دوغ ميللر رئيس مؤسسة إينفايرونيكس إنترناشيونال التي شاركت مع معهد غالوب في إنجاز الإستطلاع وتحليل نتائجه من انعكاسات خطيرة لتردي الثقة الشعبية في المؤسسات المنتخبة واستشهد بما حدث مؤخرا في تركيا (حيث أطاح الناخبون بكل الأحزاب القديمة مرة واحدة) ليؤكد على أن عدم التحرك لاستعادة ثقة الجمهور سيؤدي إلى مزيد من عدم الإستقرار وتنامي دور المنظمات غير الحكومية والأحزاب الجديدة” حسب رأيه.
يشار أخيرا إلى أنه باستثناء إسرائيل وتركيا في منطقة الشرق الأوسط، لم يشمل الإستطلاع أية دولة عربية لكن هذا لا يغير شبئا من نتائجه النهائية لأن المؤسسات المنتخبة بشكل ديمقراطي في المنطقة العربية لا تكاد تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
كمال الضيف – سويس إنفو
شمل هذا الاستطلاع 47 بلدا من بينها سويسرا، ولم يشمل أي بلد عربي
من بين الدول النامية التي شملها الاستطلاع، الهند، اندونيسيا، ماليزيا، باكستان، نايجيريا وجنوب افريقيا
مسألة الثقة ستبحث بإسهاب خلال المنتدى الاقتصادي المقبل في دافوس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.