الجامعة العربية.. نهج جديد أَمْ “حلاوة رُوح”؟
كثيرا ما يُـقال أن الجامعة العربية التي هي جامعة حكومات، لا تقدِّم ولا تؤخِّـر.
والدّليل، تلك القائمة الهائلة من التحدّيات التي تواجه النظام الإقليمي العربي منذ عقود طويلة مضّـت، ولم تُـفلح جهود الجامعة في حلحلة أي منها، بل على العكس، زاد الوضع العربي سوءا وارتفعت قامة التحدّيات وغاب التّـضامن واقتصر الأمر على مجرّد وجود الجامعة كمؤسسة إقليمية، هي الأقدم في العالم، ولكنها بلا حَـول ولا قُـوة، وأحيانا كثيرة، بلا نصير أو منصف لها.
هذا التقييم على إطلاقه ربما كان صحيحا في عقود مضت، وإزاء قضايا ومشكِـلات بعينها، لم تكن عربية صرفة ولم يكن للجامعة قُـدرة على التعامل الإيجابي معها. بيد أن الأمر يستحِـق نظرة جديدة لِـما يمكن أن تقوم به الجامعة أو بالأحرى ما تقوم به الجامعة بالفعل في عدد من القضايا العربية الحيوية والمعقّـدة، وذلك دون إغفال أننا أمام مؤسّـسة أعضاؤها هم الحكومات العربية، وأن تحرّكها في أي قضية كانت، ليس سوى انعكاس لما تتوافَـق عليه إرادة هذه الحكومات، سواء صراحة أو ضمنا، وأن النتائج أيا كانت هي تعبير عن حالة العلاقات العربية العربية نفسها، صعودا أو تردِّيا، وليس مجرّد تعبير عن فاعلية أو فشل المؤسسة الإقليمية نفسها.
هذه المحاذير تعني من جانب آخر، أن فعالية الجامعة هي فعالية للعلاقات العربية نفسها، والعكس أيضا صحيح.
وربما تعطي تصريحات عمرو موسى بعد لقاءات عدد من القادة العرب مع الرئيس مبارك في الإسكندرية مؤخرا، وتوقّـعه بأن شيئا إيجابيا قد يحدُث للعلاقات العربية، على خلفية التطوّرات الإيجابية بين سوريا ولبنان واتفاقهما لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة قريبا، مؤشِّـرا بأن حركة الجامعة إزاء تلك القضية أو تلك مرهون بحركة الأعضاء الكبار ومدى رغبتهم في التحاور المباشر أو غير المباشر، ومدى اتِّـفاقهم على أن تكون الجامعة في قلب الحدث أو خارجه.
نحو نهج جديد
إذا نظرنا لتحرّك الجامعة في العام الأخير، سوف نلحظ نهجا جديدا إلى حدٍّ كبير، حاول أن يتفاعل مع القضايا العربية المختلفة بروح إيجابية عبر المبادرة والمشاركة والاستقصاء والتعاون مع أكثر من بلد عربي في قضية أو أكثر، بهدف احتِـواء تعقيداتها أولا ثم حلِّـها ثانيا، وهو ما يُـمثل نهجا جديدا قِـياسا لتُـراث سابق كان سائِـدا، جعل من الجامعة مجرّد حائط صدّ وليس نُـقطة انطلاق.
كانت البداية المُـلفتة للنّـهج الجديد في ملاحقة الجامعة، تطورات الأزمة اللبنانية التي تجسّـدت في أمرين أساسيين: أولهما، جمود المؤسسات الدستورية ـ الرئاسة والبرلمان والحكومة ـ وتوقّـف التعاون فيما بينها.
والثاني، وصول العلاقة بين القِـوى السياسية اللبنانية وبعضها إلى مستوى متردٍّ، سمح باستخدام السلاح لأغراض داخلية، كما حدث فى مايو الماضي، وهي الأزمة التي استمرّت ما يقرُب من عام كامل، بدا فيه حِـرص الجامعة من خلال اجتماعات وزراء الخارجية العرب وتحرّكات الأمين العام وزياراته المختلفة لبيروت وعدد من العواصم العربية ذات الصلة بأزمة لبنان، وفي مقدمتها دمشق، ومن ورائه جهود مندوبي الدول العربية وأعضاء الأمانة، بدا الحِـرص على أن يتِـم تطويق التداعِـيات السلبية، التي أخذت تفت في عضد الدولة اللبنانية، وبعد الاحتواء، تقديم حلول من أجل إعادة ترميم الوضع السياسي والدستوري اللبناني.
مبادرة عربية ودور مُـمتد
هذا الأمر هو الذي تجسّـد عمليا فيما عُـرف بالمبادرة العربية والتي شكلت أساس اجتماع الدوحة بين كافة الفرقاء اللبنانيين وما تمخّـض عنه من خطّـة عمل لانتخاب الرئيس التوافقي وتشكيل حكومة ائتلافية، وفق توزيع معيَّـن، وثالثا، إطلاق حوار وطني برعاية الرئيس المنتخب للتوصّـل إلى إستراتيجية توافُـقية للدولة اللبنانية، بما في ذلك ما يخصّ الأمور الدفاعية، وعلاقتها بسلاح حزب الله.
ويبدو أن دور الجامعة لن يتوقّـف عند ما جرى في لبنان بالفعل. فهناك إشارات بأن دورها سيستمِـر وستكون مشاركة في مؤتمر الحِـوار الوطني اللبناني – اللبناني، الذي سيعالج إستراتيجية لبنان الجديدة في المجال الدفاعي، وهو ما أوضحه رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة بعد لقائه الرئيس مبارك وعمرو موسى، أمين الجامعة العربية بالإسكندرية مؤخرا، بكون الجامعة كانت مشاركة في مؤتمر الدوحة ولأن الإستراتيجية الدفاعية اللبنانية، تهم العرب كما تهُـم اللبنانيين.
عنصر توازن داخلي
ويُـمكن أن نضيف بأن وجود الجامعة في مثل هذا المؤتمر، المفترض أنه لبناني ويعالج قضايا داخلية بالأساس، من شأنه أن يضفي نوعا من التوازن فيما يُـمكن أن يتوصل إليه اللبنانيون أنفسهم في قضايا كبرى، تتقاطع بصور شتى مع قضية الحرب والسلام والاستقرار الإقليمي، وهي القضايا التي تتجاوز قُـدرة لبنان بمفرده.
هذا الأمر يعني أن لبنان يقدِّم سابِـقة في أن يجعل الجامعة العربية، التي تعبِّـر عن مجموع العرب، جُـزءا من تفاهماته الداخلية وعنصرَ توازن بين مكوِّناته السياسية.
واللافت للنظر هنا، أن ثمة قبول لبناني، ولو ضِـمني من الفرقاء كافة بهذه المشاركة، وتلك علامة جديدة من علامات تطوّر الجامعة بالعديد من الدول العربية.
نموذج موريتانيا والحالات الملتبِّـسة
رُبما كان النموذج اللبناني بالشكل المُشار إليه، أكثر تقدُّما من نماذج عربية أخرى في علاقاتها مع الجامعة، ونُـشير هنا إلى حالة الصومال التي يتعثَّـر فيها الدّور العربي عموما لأسباب صومالية بالدّرجة الأولى، لكن يُـلفت النظر أن هناك حالات أخرى تَـشي بقدر من الإيجابية.
فالحالة الموريتانية التي تعرضت لانقلاب عسكري ضدّ الرئيس المنتخب، وجدت نوعا من الانتظار العربي شبه الجماعي في الاعتراف بالانقلاب أو رفضه، في حين كانت الجامعة سبّـاقة في إرسال وفْـد للاطِّـلاع على مجريات الأوضاع وتقديم تقرير تفصيلي حول ما جَـرى سيكون مطروحا بدوره أمام دورة سبتمبر لوزراء الخارجية العرب.
هذا التطور يعني أنه في الحالات المُـلتبسة، تكون الجامعة بمثابة المُـبادر لطرح صيغة قرار عربي جماعي مقبول.
نفس الأمر تمّ توظيفه في الحالة العراقية بعد سقوط بغداد وإلى أن وضحت صيغة لعملية سياسية بعد ذلك بعدة أشهر، فكانت الجامعة هي بوابة الموقف العربي الجماعي المتقارب مع العراق الجديد شيئا فشيئا.
الحالات الملتبسة تجعل دور الجامعة العربية مُـهما لمجموع البلدان العربية، من حيث إيجاد مؤشر للتحرك المستقبلي وإبعاد نِـقاط الاجتهاد الفردية عن أن تكون مصدرا لفرقة عربية.
السودان.. حالة غير خلافية
أما في الحالات التي لا خِـلاف على توصيفها، فإن دور الجامعة يكون أكثر وضوحا. نرى ذلك في الحالة السودانية، لاسيما بعد توجيه المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، عريضة اتهام للرئيس البشير بارتِـكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.
ما يُـلفت النظر في تحرّك الجامعة، أنه جاء شاملا، وفي البداية، أثار عمرو موسى قضية حَـصانة الرؤساء وتأثير عريضة الاتِّـهام على حالة ومستقبل السلام في دارفور، وبعد ذلك، تطوّر دور الجامعة إلى أن تكون شريكا للحكومة السودانية، بعد التشاور معها لوضع خطّـة عمل ومواجهة شاملة، وبالتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، الذي أبدى حِـرصا على متابعة مفاوضات سلام في دارفور، وقلقا من تأثير عريضة الاتهام على دور القوات الإفريقية والأممية في الإقليم، في حالة توجيه المحكمة الجنائية اتِّـهاما للرئيس البشير بارتكاب جرائم حرب.
يأتي تحرّك الجامعة العربية، سودانيا، كتعبير عن موقف عربي جماعي شامل، وثانيا، أنه يتم بالتنسيق مع الحكومة السودانية نفسها، وثالثا، أنه يتم بالتنسيق أيضا مع المنظمة الدولية الأم والمنظمة الإفريقية معا، ولكل مجال حركة تختلف عن الآخر. ورابعا، لا يتوقّـف عند حدّ وقف أو تعليق العمل بعريضة الاتِّـهام، ولكنه يتجاوز ذلك إلى مساعدة الحكومة السودانية على اتِّـخاذ عدّة خُـطوات بشأن تطوير أسلوب القضاء الداخلي السوداني لكي يتوافق مع المعايير القانونية الدولية، لاسيما في مجال محاكمات منتهكي حقوق الإنسان والمتّهمين بجرائم حرب في حدود نِـطاق الاختصاص السوداني نفسه، مع عرض تقديم خِـبرات قانونية عربية، لتكون في خدمة السودان، إن قبل، وخامسا، المساهمة في دفع عملية السلام في إقليم دارفور.
حسابات محلية
حزمة الحلّ على هذا النحو، تُـعدّ بمثابة تحرك شامل متعدّد المستويات، يجمع بين تحرك داخلي وآخر خارجي.
وإذا كانت الحكومة السودانية قد أبدت تحفّـظها على بعض مقترحات الجامعة أو ما يُـعرف بحزمة الحلّ، حسب ما أوضح د. مصطفى عثمان إسماعيل، مستشار الرئيس البشير بعد لقائه عمرو موسى بالقاهرة، طالبا المزيد من المشاورات حول بعض النقاط، فهذا يؤكِّـد أن اجتهاد الجامعة، ليس بالضرورة أن يكون مقبولا تماما من الدولة المعنية، فدائما ما توجد حسابات محلية تُـخفف من حركة الجامعة أو تقيِّـد من طموحها، والأمر هنا ليس مسؤولية الجامعة التي تحاول الاجتهاد، بقدر ما هو حسابات الدولة العربية المعنية.
د. حسن أبو طالب – القاهرة
بحسب المادة الثانية عشر من ميثاق جامعة الدول العربية، يتم تعين أمين عام للجامعة بموافقة ثلثي أعضائها. وهو الممثل الرسمي للجامعة في جميع المحافل الدولية.
ومنذ إنشاء جامعة الدول العربية في مارس 1945 تولي رئاسة الأمانة العامة عدد من الشخصيات العربية المرموقة وهم السادة:
عبد الرحمن عزام (مصري) من 1945 إلى 1952
محمد عبد الخالق حسونة (مصري) من 1952 إلى 1971
محمود رياض (مصري) من 1971 إلى 1979
الشاذلي القليبي (تونسي) من 1979 إلى 1990
أحمد عصمت عبد المجيد (مصري) من 1991 إلى 2001
عمرو موسى (مصري) من 2001 حتى الآن.
القاهرة – وكالات – حذر الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى من استمرار حالة الانقسام الفلسطيني التي تعد عنصرا قاتلا للقضية الفلسطينية مؤكدا اعطاء كافة القوى الفلسطينية فرصة اخيرة للحوار ووحدة الصف.
وقال موسى في حوار تنشره غدا مجلة (أكتوبر) الاسبوعية ان مصر تقوم بجهود لوحدة الصف الفلسطيني بدعم عربي وأن وزراء الخارجية العرب سيناقشون في دورتهم التي ستعقد قبل منتصف شهر سبتمبر المقبل كل السبل التي تصحح مسار التسوية للقضية الفلسطينية.
وذكر أن وزراء الخارجية العرب سيبحثون مجمل الملفات العربية خاصة ملفات السودان والعراق والاوضاع في موريتانيا وتطورات الاعداد للقمة الاقتصادية التنموية التي من المقرر أن تستضيفها دولة الكويت اوائل العام المقبل.
وعما اذا كانت قمة الكويت المرتقبة ستكون بمثابة منتدى عربي على غرار منتدى (دافوس) بين موسى أن القمة ستعقد وفق ملفاتها المتفق عليها على ان يعقد منتدى (دافوس العرب) للقطاع الخاص قبل ايام من بدأ القمة.
وفي ضوء لقائه الاخير مع وفد العشائر العراقية اكد موسى استمرار الاتصالات مع الحكومة العراقية معتبرا ان الباب مفتوح امام القوى العراقية التي ترغب في عرض مواقفها بشأن العراق.
وأشار الى تغير الاوضاع العراقية الى الافضل من الناحية الامنية والرغبة في عبور هذه المرحلة القلقة في تاريخ العراق الى المصالحة وان هناك بلورة للفهم او لقبول منطق الجامعة العربية الذي بادرت اليه منذ سنوات وذلك من خلال المصالحة.
وقال موسى ان المصالحة لا تعني اغلاق الباب وانتهاء الامر ونسيان ما فات وانما ان يكون هناك جيش وطني يمثل الجميع ولا يقوم على الطائفية ولا العرقية موضحا أن العراق افضل عما كان عليه في نفس الوقت من العام الماضي.
ووصف موسى موضوع مدينة كركوك العراقية بأنه دقيق وحساس للغاية مؤكدا أهمية النظر الى الاكراد على “أنهم جزء من النسيج العراقي بل جزء من النسيج العربي والاسلامي وكركوك مدينة عراقية مثل بغداد والبصرة”.
(المصدر: وكالات الأنباء بتاريخ 23 أغسطس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.