الجزائر: “نعم للتعاون مع الآليات لكن بدون تشكيك في خيار الشعب”
لدى مناقشة تقرير الجزائر أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان، قدم الوفد الحكومي بقيادة وزير الخارجية مراد مدلسي توضيحات بخصوص الإصلاحات التي أدخلتها الجزائر في مجالها القانوني رغم ظروف عشرية العنف التي عرفتها وفند ادعاءات البعض بوجود مراكز اعتقال سرية.
وإذا كان التقرير قد قوبل بامتداح البعض لإنجازات الجزائر ودور دبلوماسيتها في بناء مؤسسات مجلس حقوق الإنسان، فإن عدة دول طرحت تساؤلات بخصوص ملف المفقودين وقانون المصالحة الوطنية وحرية الدين والمعتقد والعنف والتمييز ضد المرأة.
قدمت الجزائر صباح الاثنين 14 أبريل في جنيف تقريرها كرابع دولة عربية أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمجلس حقوق الإنسان، حيث استعرض وزير الخارجية مراد مدلسي أهم المحاور التي تضمنها التقرير المكون من 21 صفحة.
وعلى غرار الدول التي سبقتها، استعرض التقرير أهم المعاهدات الدولية التي انضمت إليها الجزائر وأبرز مشاريع الإصلاح التي تعرفها القطاعات المختلفة مع تركيز خاص على مخلفات سنوات العنف والإرهاب التي شهدتها البلاد في التسعينات وبداية الألفية الثانية.
وقد خصص التقرير فقرة هامة لميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي تم اعتماده في عام 2006 عبر استفتاء شعبي، لينتهي إلى عرض ملخص للإصلاحات القانونية التي يجري إعدادها في الوقت الحاضر.
نفي لوجود مراكز اعتقال سرية
وزير الخارجية مراد مدلسي الذي ترأس الوفد الجزائري أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمجلس حقوق الإنسان، أكد أن لدى بلاده أولويتين تتمثل الأولى في تعزيز السلم بعد عشرية العنف والإرهاب التي “كانت مرحلة مؤلمة استخلصنا منها الكثير من الدروس”، على حد تعبيره، وتتلخص الثانية في تعزيز الإصلاحات القانونية والمؤسساتية وهي “تتضمن انجازات شتى في مجال حقوق الإنسان مثل تنظيم انتخابات حرة وشفافة، وتعددية التمثيل داخل البرلمان، والتسيير الديمقراطي للمؤسسات، وحرية التعبير والرأي، والتنمية الكبرى في مجال الصحافة وفي القطاع الجمعاوي”، حسب ما جاء في مداخلته.
ومن الإصلاحات الحديثة التي عددها الوزير، توقيع الجزائر في عام 2007 على معاهدة مناهضة الاختفاءات القسرية، وعلى معاهدة حماية الأشخاص المعوقين.
وأشار الوزير الجزائري إلى أنه، في إطار تعزيز “دمقرطة المجتمع” ومواصلة الإصلاحات في مختلف قطاعات الحريات من تجمع وتعبير وصحافة ورأي، “تم استبدال المرصد الوطني لحقوق الإنسان، باللجنة الوطنية الاستشارية لنشر وحماية حقوق الإنسان التي تضم 16 سيدة من بين 44 عضو”.
وشدد الوزير مراد مدلسي على اهتمام الدولة بموضوع العنف ضد المرأة، الأمر الذي يتجلى في تأسيس مجلس الأسرة الذي قال إنه “سيعمل على تعزيز مطالب المرأة، ويسهم في تحسيس المؤسسات الحكومية، وتعزيز تغيير العقليات”.
وبعد أن تطرق الوزير إلى مختلف المشاريع التنموية بالمناطق المختلفة وجهود محاربة البطالة والفقر، عدد الانجازات التي تم تحقيقها في مجالات الصحة والتعليم والطفولة، ليصل الى خاتمة مفادها أن “الجزائر مطمئنة لتحقيق أهداف الألفية من هنا حتى العام 2015”.
وفيما يتعلق “بإدعاءات وجود مراكز اعتقال سرية في الجزائر”، أوضح الوزير مدلسي بأن “الوفد الجزائري يفند هذه الادعاءات بشكل قاطع، لأنه لا توجد مراكز اعتقال خارج سلطة القضاء” في البلاد.
وبخصوص قانون الطوارئ، أوضح السيد مدلسي بأن “الجزائر التي عانت من عشرية العنف والإرهاب اتخذت إجراءات طارئة لمواجهة هذا العنف”، أما عن احتمال اتخاذ السلطات قرارا برفع حالة الطوارئ المفروضة منذ عدة سنوات، فقال وزير الخارجية “إن فرضها لم يمنع العديد من الجزائريين من التنقل والسفر والتعبير، وأن رفعها سيتم عندما تتوفر الظروف لذلك وبعد القضاء على بقايا الإرهاب”.
تساؤلات بخصوص ملفات شتى
إذا كانت تدخلات العديد من الدول قد اقتصرت على التذكير بالانجازات التي حققتها الجزائر في إطار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد ركزت عدة دول وأغلبها غربية، على إثارة ملفات لها علاقة بالحقوق السياسية والمدنية وبالحريات عموما.
فقد أثارت إيطاليا موضوع عقوبة الإعدام مقدمة توصية بأن تعمل الجزائر على إلغائها وفقا لرغبة المجتمع المدني. وهو ما رد عليه أعضاء الوفد الجزائري بالقول: “إن عقوبة الإعدام لم تنفذ في الجزائر منذ عام 1993 وأن المراجعة ستتم في إطار الإصلاحات القانونية الحالية”.
بريطانيا وألمانيا أثارتا موضوع عدم سماح الجزائر بزيارة المقررين الخاصين المكلفين بمناهضة التعذيب والاختفاءات القسرية، وهو ما رد عليه الوزير مدلسي في تدخله بقوله: “لقد تعهدت الجزائر منذ سنوات باستقبال ممثلي الآليات الخاصة واستقبلت بعضا منهم. وإذا لم تستقبل الجميع فلأنها كانت منهمكة في مسار حساس للغاية أفضى في نهاية المطاف الى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية”. وأضاف الوزير “وبما أن تحديد فترة الزيارة هي من صلاحيات الدولة المعنية، فإنه من الممكن إعادة النظر في بعض الزيارات في الظروف الحالية شريطة ألا تؤدي مرجعية مهمتها الى التشكيك في القرار السيادي للشعب الجزائري”، في إشارة إلى تشكيك البعض في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.
وكانت كندا قد أثارت بعض التحفظات بخصوص ميثاق السلم والمصالحة الوطنية حيث أشارت إلى أن “هذا الميثاق اعتُمد في فترة لم يكن البرلمان مجتمعا فيها”، مطالبة “بمراجعة هذا القانون وتقديم مرتكبي الانتهاكات للعقاب”. وهو ما دفع رئيس الوفد الجزائري للرد بقوله: “إن ميثاق المصالحة الوطنية ميثاق وطني ولا يمكن تلخيصه في محاولة للإفلات من العقاب”، واعتبر أنه يمثل “ردا على كل المشككين الراغبين في مواصلة الصراع”.
ممثلو الفاتيكان وبعض الدول الأخرى أثاروا موضوع حرية المعتقد والدين على ضوء إصدار مرسوم عام 2006 حول تواجد مؤسسات تعنى بالترويج لديانات أخرى غير الإسلام، وقد اعتبر ممثل الفاتيكان أنه “يحد من حرية الدين والمعتقد” وتساءل “كيف الجزائر توفق بين ما جاء في الدستور من اعتراف بحرية الدين والمعتقد وما جاء في هذا المرسوم”؟.
هذه التساؤلات رد عليها وزير الخارجية الجزائري وأعضاء الوفد بالقول: “إن الإسلام مُقنن في الجزائر منذ العام 1966 للسماح بفهم صحيح للدين. وهذه القوانين المطبقة على الإسلام الذي يمثل ديانة أكثر من 99% من السكان، تم تمديد تطبيقها في فبراير 2006 الى ديانات أخرى غير الإسلام لضمان وتأمين طريقة تطبيقها بنفس الطريقة التي يقنن بها الإسلام”.
المجتمع المدني.. اهتمام بالمفقودين والتمييز ضد المرأة
موضوع المفقودين والتمييز ضد المرأة كان محط تساؤلات من قبل عدد من الدول، لكن منظمات المجتمع المدني الجزائرية هي التي ركزت عليه بشكل أكثر في لقاء مع الصحافة عقد على هامش استعراض تقرير الجزائر.
وكانت بعض الدول قد أثارت بطريقة أو بأخرى موضوع المفقودين أو الاختفاءات القسرية مثل فرنسا التي تساءلت عن سبب تأخر الجزائر في التصديق على معاهدة مناهضة الاختفاءات القسرية التي وقعت عليها، أو المكسيك الذي طرح تساؤلا حول “كيفية اعتزام الجزائر مواجهة تحدي الاختفاءات القسرية”؟.
لكن السيدة نصيرة ديتور، الناطقة باسم تجمع عائلات المفقودين في الجزائر اعتبرت أن التساؤل عن المختفين “لم يجد اية أجوبة لا في تقرير الجزائر ولا من قبل أعضاء الوفد الجزائري”، وأشارت إلى أن منظمتها لم توجه لها الدعوة للمشاركة في إعداد التقرير الجزائري “لأنهم يعتبروننا من المعارضين ولأنهم يرغبون في طي ملف المفقودين”، حسب قولها.
وعن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية قالت السيد ديتور: “إن من أشادوا بميثاق السلم والمصالحة الوطنية على أنه ميثاق ديمقراطي عمل على جلب السلم والاستقرار، هل راعوا أن المادتين 45 و 46 يمنعان أيا كان من تقديم شكوى ضد أعوان الدولة من شرطة وجيش ويحيلان على المحاكمة وعقوبة السجن والغرامة المالية من يُتّهم بتشويه صورة الجزائر”؟.
أما زميلتها نادية آيت زاي من منظمة “تجمع 95” (وهو تجمع مغاربي للدفاع عن حقوق المرأة والطفل في بلدان المغرب العربي)، فقد أوضحت بأنه “تمت استشارتها الى جانب خمس منظمات غير حكومية أخرى أثناء اعداد التقرير”، لكنها تجد أن “التوصيات التي تقدمت بها منظمتها لم تجد مكانا في التقرير”، قبل أن تضيف “لربما لأن التقرير يكتفي بالعموميات بينما قدمنا نحن حالات مفصلة”.
وترى السيدة آيت زاي أن القضايا التي كانت ترغب في طرحها كممثلة مدافعة عن حقوق المرأة “قد طرحتها الدول على ممثلي الدولة الجزائرية في مجال العنف ضد المرأة”، وأضافت قائلة: “لكننا نرغب في ألا يكتفي الأمر بالتطرق بشكل عام لموضوع العنف ضد المرأة بل أن تتخذ خطوات لتجريم ذلك”. كما أشارت إلى طرح موضوع قانون الأسرة وبالأخص عدم وجود “مساواة بين الرجل والمرأة في مجالات الطلاق والميراث والشهادة”، واعتبرت أن الأجوبة على بعض التساؤلات لم يقدمها الوفد الحكومي خصوصا فيما يتعلق برفع التحفظات الخاصة بالمادتين 2 و 16 من معاهدة مناهضة التمييز ضد المرأة.
واختتمت السيدة نادية آيت زاي تصريحاتها بالقول: “أملي في أن لا أُضطر للقدوم إلى جنيف لكي تطرح دول أخرى تساؤلاتي على ممثلي بلدي، بل أن يتم ذلك في الجزائر وهو ما نحاول القيام به، ولكن يجب أن نجد آذانا صاغية من طرف ممثلي الدولة”.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
مراد مدلسي وزير الخارجية الجزائري:
“فيما يتعلق بإدعاءات وجود مراكز اعتقال سرية في الجزائر، يفند الوفد الجزائري هذه الادعاءات بشكل قاطع، لأنه لا توجد مراكز اعتقال خارج سلطة القضاء”.
“إن ميثاق المصالحة الوطنية ميثاق وطني ولا يمكن تلخيصه في محاولة للإفلات من العقاب… وهو رد على كل المشككين الراغبين في مواصلة الصراع”.
جولي غروملون ، ممثلة الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان لدى مقر الأمم المتحدة:
“ما نلاحظه مرة أخرى هو أن المجلس انقسم الى كتلتين: كتلة الأوروبيين وبلدان أمريكا اللاتينية التي طرحت تساؤلات هامة مرتكزة على تقارير منظمات المجتمع المدني والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وكتلة أخرى مشكلة في معظمها من الدول العربية ودول منظمة المؤتمر الإسلامي التي حاولت مرة أخرى، مثلما وقع أثناء تقرير تونس (ولو ان مواضيع حقوق الإنسان طرحت هذه المرة بصورة أحسن)، احتكار وقت طرح الأسئلة وتجنب طرح القضايا الهامة المتعلقة باحترام حقوق الإنسان وبالأخص قضايا الإفلات من العقاب أو الاختفاءات القسرية، والتي حاولت، بطريقة مغالطة، تحويل الاهتمام من ميدان الحقوق السياسية والمدنية إلى ميدان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
نصيرة ديتور، الناطقة باسم تجمع عائلات المفقودين في الجزائر:
“لا يمكنني القول أنني صدمت لما دار من نقاش بخصوص تقرير الجزائر لأنني أصبحت متعودة على اللغة الدبلوماسية، ولكن ما وجدته مؤسفا، هو تعمد بعض الدول استغلال الوقت المخصص الأسئلة من اجل الإشادة بالتقرير وبالوفد وكأننا أمام تسليم جائزة نوبل للسلام في وقت ما زالت الجزائر تعرف اعتداءات انتحارية”.
نادية آيت زاي، “تجمع 95”:
“البعض تحدث عن وجود مساواة بين الرجل والمرأة في وقت مازلنا نستخدم فيه نظام الكوتا أو الحصص أو نظام التمييز الايجابي”.
“أملنا أن تتضمن التوصيات النهائية هذه التساؤلات التي طرحت اليوم على شكل توصيات الأمر الذي سيسمح لنا في الجزائر بمواصلة طرحها والعمل من أجل تحقيقها”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.