الجيل الثالث أكبر مستفيد
في خطوة مُـلفتة، وافق مجلس النواب السويسري على أهم التحويرات المقترحة من طرف الحكومة الفدرالية على القوانين المتعلقة بمنح الجنسية للأجانب
وقد أيد أغلب النواب منح الجنسية لأبناء الجيل الثالث من الأجانب بشكل آلي وتيسير الحصول عليها بالنسبة لأبناء الجيل الثاني.
بعد انقضاء العطلة الصيفية، عاد ملف حصول الأجانب المقيمين أو المولودين في الكونفدرالية على الجنسية السويسرية مجددا إلى البرلمان. وعلى الرغم من استمرار معارضة حزبين يمينيين للمقترحات الجديدة التي ضمنتها الحكومة في قانون الجنسية الجديد، إلا أن نتيجة التصويت أثبتت أن الأمور تتجه إلى ما يشبه “الحل الوسط”.
فقد حرصت الحكومة على آعتماد مبدإ حق الأرض (أي حق كل من يولد فوق الأراضي السويسرية في الحصول على جنسية البلد) في مرسوم جديد. وعلى الرغم من أنها أرفقته بشرط الإنتماء إلى الجيل الثالث من الأجانب، أي أن يكون الوالدان من أبناء الجيل الثاني، إلا أن هذا التطور في العقليات مهم جدا بالمقاييس السويسرية.
فإجراءات الحصول على الجنسية في سويسرا لا زالت – مقارنة بما هو معمول به منذ عدة أعوام في دول الجوار الأوروبي – معقّـدة وطويلة ومُـكلفة من الناحية المادية. ومع أن أن أغلب الأجانب مقيمون في سويسرا منذ فترة طويلة، إلا أن حصولهم (هم وأبناؤهم) على الجنسية ظل من أشد ملفات السياسة الداخلية إثارة للجدل والخلاف.
ومع تعدّد الدعوات الصادرة عن رجال القانون وخبراء الديموغرافيا والسياسيين المنتمين إلى تيارات اليسار بشكل خاص إلى ضرورة الإسراع بحسم الخيارات إلا أن رفض تيارات اليمين القومي وتردد بعض الأحزاب الحكومية أدى إلى تأجيل الموضوع مرة تلو الأخرى.
أوضاع جديدة
واليوم، تقول الإحصائيات الرسمية إنه يوجد في سويسرا ما بين 50 و 100 ألف أجنبي من أبناء الجيل الثالث بالإضافة إلى حوالي 800 ألف أجنبي من أبناء الجيل الثاني وهي أرقام تعني أن حوالي مليون شخص ولدوا في سويسرا أو نشأوا فيها محرومون لأسباب بيروقراطية وقانونية من الحصول على جنسية بلد لم يعرفوا غيره ولا يبدو أنهم يفكرون في مغادرته بالمرة.
هذه المعطيات، مضافا إليها تزايد الوعي في الأوساط الرسمية وداخل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بأهمية تعزيز عملية إدماج الأجانب (الذين يقارب عددهم المليوني شخص) في المجتمع السويسري، دفعت الحكومة إلى التقدم بمشروع جديد يشتمل على مراسيم دستورية وقوانين جديدة للجنسية في محاولة للإستجابة للتحديات القائمة.
فقد اتجه المشروع إلى حل أهم الإشكاليات المطروحة، فتضمن منح الجنسية بشكل آلي إلى أبناء الجيل الثالث من الأجانب المولودين لأبوين من الجيل الثاني. واقترح تيسير إجراءات الحصول على الجنسية للأجانب الذين تابعوا خمس سنوات من أعوام الدراسة الأساسية على الأقل في سويسرا.
بل ذهبت المقترحات الجديدة إلى اشتراط ثمانية أعوام من الإقامة المتواصلة في سويسرا (بدلا من اثني عشر عاما حاليا) قبل التقدم بطلب للحصول على الجنسية بالنسبة لبقية اصناف الأجانب، كما تضمنت تخفيضا ملموسا للرسوم المالية المرتفعة جدا في الوقت الحاضر.
وعلى الرغم من أن أغلبية واضحة من أعضاء مجلس النواب السويسري تؤيد ما يتردد في برن من أنه “لا توجد فوارق بين أبناء السويسريين وبين أبناء الجيل الثالث وأن علاقتهم ببلدانهم الأصلية عادة ما تكون ضعيفة”، إلا أن عددا من نواب اليمين وخاصة من حزبي “الشعب السويسري” و”الديموقراطيون السويسريون” عارضوا بشدة مسألة المنح الآلي للجنسية السويسرية مطالبين بضرورة تقدّم الأبوين بطلب رسمي للحصول عليها قبل انقضاء العام الأول على ولادة الطفل.
المدرسة هي أساس الإندماج
ويبدو أن تركيز الحكومة على ضرورة توفر شرط متابعة المترشحين للحصول على الجنسية من أبناء الجيل الثاني متابعتهم لكل مرحلة التكوين المدرسي الأساسي (أو لخمسة أعوام منها على الأقل) في المؤسسات التعليمية السويسرية من أجل التمتع بالتسهيلات الجديدة قد جاء بثماره “السياسية” المرجوة.
فالمدرسة السويسرية المتعودة منذ زمن بعيد على التعاطي مع التعدد اللغوي والديني والعرقي لسكان الكونفدرالية تظل أفضل مكان لصياغة الأجيال الجديدة من سكان بلد بلغت فيه نسبة الأجانب حوالي عشرين في المائة. بل إن العديد من المؤشرات الواقعية تؤكد أن أبناء الأجانب الذين تابعوا الدراسة والتكوين في الكونفدرالية لا يجدون صعوبة تُـذكر (على الرغم من وجود ممارسات عنصرية أو تمييزية في بعض الأحيان) في الإندماج في النسيج المهني وفي مختلف قطاعات الحياة العملية.
وبغض النظر عن هذا الجانب، فان وزيرة العدل والشرطة روت ميتسلر قد أوجزت فلسفة التوجه الحكومي الجديد فيما يتعلق بتخفيف القيود المفروضة على منح الجنسية السويسرية بقولها: “لقد نضُـجت الظروف لانتهاج سياسة أكثر عدلا وأقل تعقيدا”. وهي فلسفة فرضتها بلا شك تحديات عديدة تواجه مستقبل سويسرا.
فقد أدى التراجع الكبير في نسبة النمو السكاني في سويسرا إلى اشتداد الحاجة للمزيد من الأيادي العاملة في العديد من القطاعات مثل الزراعة والسياحة والبناء. كما أن التغيير العميق الذي طرأ على الهرم السكاني يهدد – على المدى المتوسط – بانخرام التوازنات المالية لصناديق التأمين على المرض والشيخوخة بسبب تقلص إجمالي عدد النشطين القادرين على دفع التمويلات الضرورية لاستمرار عملها.
الطريق لا زال طويلا..
لذلك لم يعد ممكنا لا من الناحية السياسية ولا من الناحية العملية الإستمرار في تجاهل وجود مئات الالاف من الأجانب الذين تابعوا دراستهم أو تكوينهم الأساسي في سويسرا والذين تحولوا بفعل عوامل عديدة إلى شركاء حقيقيين في بناء المجتمع وصياغة بعض ملامحه المستقبلية.
وهذا ما فهمته جيدا الحكومة الفدرالية وأبرز الأحزاب المشاركة في الإئتلاف الحكومي وأغلبية أعضاء مجلس النواب. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن مشروع قانون الجنسية الجديد سيعبر بسهولة كل العقبات التي لا زالت تنتظره.
فمن جهة يُـنتظر أن يحتدم النقاش حول بعض فصوله في المرحلة القادمة داخل مجلس الشيوخ وخاصة تلك المتعلقة بحق الأجانب في التعقيب على قرارات رفض مطلب الجنسية من طرف الهيئات المحلية المعنية أو على إثر تصويت سلبي من طرف سكان بعض البلديات التي لا زالت تلتجئ إلى هذا الأسلوب لاتخاذ قرار منح الجنسية من عدمه.
ومن جهة ثانية، لن يُـفلت هذا القانون الجديد (أو بعض بنوده على الأقل) من تصويت الناخبين عليه. فقد تعهّـد حزب الشعب السويسري (يمين قومي) بإطلاق استفتاء وطني يدعو فيه الناخبين إلى رفض المرسوم الدستوري القاضي بمنح الجنسية السويسرية بصفة آلية لأبناء الجيل الثالث من المهاجرين وإلى معارضة منح الأجانب حق التعقيب على قرارات رفض الجنسية.
لا شك أن خطوة أساسية قد قطعت على طريق حصول نسبة مهمّة من الأجانب المقيمين في سويسرا على الجنسية لكن الطريق لا زال طويلا أمام تحويل النوايا الحكومية الجيدة إلى ممارسة قانونية فعلية قد تساهم في تحويل عشرات الآلاف من أبناء الجيل الثاني والثالث من الأجانب إلى مواطنين سويسريين كاملي الحقوق.
كمال الضيف – سويس إنفو
أيد مجلس النواب التحويرات المقترحة في انتظار عرضها على مجلس الشيوخ واحتمال تصويت الناخبين عليها
منح الجنسية بصفة آلية لأبناء الجيل الثالث من المهاجرين
تيسير إجراءات الحصول على الجنسية لأبناء الجيل الثاني الذين تابعوا خمس سنوات من التعليم الأساسي على الأقل في سويسرا
تقليص عدد السنوات المطلوب قضاؤها في سويسرا قبل طلب الجنسية من 12 إلى 8 أعوام بالنسبة لبقية الأجانب
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.