الحق في الماء للجميع
ارتفعت مؤخرا عدة أصوات للتذكير بمعاناة ملايين الأشخاص في العالم من أجل الوصول إلى مياه صالحة للشرب، وللتنديد بمحاولات تخصيص موارد طبيعية تعتبر ملكا للجميع.
وفي جنيف صدرت خطة العمل التي اعتمدها المنتدى البديل لمنظمات المجتمع المدني، فيما تحاول منظمة الصليب الأخضر إطلاق حملة بدعم من المغرب، لبلورة معاهدة دولية تقنن الحق في الماء.
أحيت المجموعة الدولية يوم الثلاثاء 22 مارس الماضي اليوم العالمي المخصص للماء. وهي الفرصة التي تنتهزها العديد من الهيئات والمنظمات للتذكير بالفوارق الصارخة التي لازالت تعرفها البشرية في مجال الوصول إلى هذه المادة الحيوية، ولتحذير من مغبة تحولها إلى عنصر صراعات مسلحة في المستقبل على غرار ما تعرفه منطقة الشرق الأوسط منذ عقود.
مليار نسمة بدون ماء صالح للشرب
في كلمته بمناسبة اليوم العالي، ذكر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، بأن مليار نسمة في العالم لا يتمتعون بحق الوصول إلى مياه صالحة للشرب، وأن أمراض الإسهال التي يسهل علاجها، تؤدي أسبوعيا إلى إصابة أكثر من 30 ألف شخص أغلبهم من الأطفال.
وترى منظمة الأمم المتحدة أن استثمار 11،3 مليار دولار سنويا لتحسين وصل الناس إلى مياه صالحة للشرب، قد يسمح بتوفير أكثر من 83 مليار دولار التي تنفق على علاج أمراض يتسبب فيها استهلاك مياه ملوثة.
وفي الوقت الذي تستعد فيه المجموعة الدولية لعقد قمة لمراجعة نتائج مرور خمسة أعوام على قمة الألفية التي التأمت في عام 2000، من المؤسف ملاحظة أن الحاجة لا تزال ماسة لتوعية الجمهور بالفوارق الصارخة القائمة بين بني البشر في مجال الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، وهي فوارق تتخذ أبعادا مهولة عندما نعرف أن مواطنا في سويسرا يستهلك في المتوسط 401 لتر يوميا في الوقت الذي تطالب فيه منظمات المجتمع المدني بضمان حق وصول الجميع لحوالي 50 لتر في اليوم.
المنتدى البديل 2005
ومن أجل توعية الجمهور بهذه الحقائق الصارخة في مجال الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، ولمطالبة المجتمع الدولي باتخاذ خطوات عملية، دعت منظمات المجتمع المدني السويسرية والمدعومة من قبل الحكومة المحلية لدويلة جنيف والحكومة الفدرالية، إلى عقد المنتدى الدولي البديل الثاني حول الماء في مدينة جنيف يومي 18 و19 مارس الجاري.
المنتدى الذي حضره أكثر من 1200 ممثلي من مختلف القارات، شاركت فيه شخصيات دولية مثل الرئيس البرتغالي الأسبق ماريو صواريس، والسيدة دانيال ميتران، زوجة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران.
وقد تمثلت حصيلة النقاشات التي شهدتها أكثر من 50 ورشة نقاش حول مشاكل الماء في مختلف بقاع العالم، في بلورة خطة عمل صادق عليها المجتمعون ونصت على “ضرورة الاعتراف بالوصول إلى الماء على أنه حق من حقوق الإنسان”، وعلى “الاعتراف بأن الموارد المائية ملك للجميع” ، وعلى “ضرورة الاستمرار في إدارتها من قبل المصالح العمومية وبطريقة ديمقراطية”.
ومن أجل تحقيق الأهداف الواردة في خطة العمل، وتفاديا للجوء العديد من مجتمعات العالم إلى وضع شبكات توزيع المياه بين أيدي الخواص، اقترح المجتمعون فرض “رسوم تضامنية” على استهلاك الماء في البلدان المتقدمة من أجل المساعدة على تمويل الشبكات في البلدان النامية والفقيرة.
وفي محاولة للإشراف على إدارة حكيمة وعادلة للموارد المائية على المستوى العالمي، اقترح المنتدى البديل تشكيل برلمان عالمي خاص بقضايا المياه، تتمثل مهمته في وضع القوانين الضرورية لإدارة شفافة في مجال الموارد المائية.
وقد سمحت الورش التي نظمت خلال هذا المنتدى البديل ببروز معارضة لاعتبار الماء مجرد سلعة تجارية تخضع لقوانين التجارة والسوق التي تروج لها منظمة التجارة العالمية والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي.
كما مثلت المداولات فرصة لاستعراض بعض المبادرات الناجحة في مجال تعبئة الرأي العام من أجل إشراف جماعي على الموارد المائية على غرار ما حدث في البيرو حيث تم تضمين دستور البلاد بندا ينص على “حق كل مواطن في الوصول إلى المياه الصالحة للشرب”، وهي أمثلة عرفتها كل من الهند والأرجنتين وبوليفيا وهولندا وإيطاليا.
هذا ويعتزم “المنتدى البديل حول الماء” الذي يجمع ممثلي المنظمات غير الحكومية والمثقفين والاكاديميين، والذي أسس كبديل عن “المنتدى العالمي حول الماء” الذي يضم ممثلي الحكومات وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، إقامة سكرتارية دائمة له في جنيف. كما سيتم عقد أول دورة للبرلمان العالمي الخاص بالماء في بروكسل في العام 2006.
المغرب يدعم معاهدة دولية
ومن بين المبادرات التي تم الإعلان عنها في مناسبة اليوم العالمي للماء، سعي جمعية الصليب الأخضر التي يترأسها الرئيس السوفياتي الأسبق ميخائيل جورباتشوف، إلى إطلاق حملة دولية من أجل التوصل إلى اعتماد معاهدة دولية خاصة بالحق في الماء.
وفي هذا السياق، أوضح أليكساندر ليكوتال، مدير المنظمة البيئية أن “المغرب يدعم مشروع التوصل الى معاهدة دويلة تحدد الحق في الماء”. وقال في معرض رده على سؤال لسويس إنفو حول كيفية التغلب على الغموض السائد في مجال القانون الدولي بخصوص الحق في الماء: “إن من مهام هذه المعاهدة الدولية توضيح هذا الجانب الذي لازال غامضا”.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الطريق الشاقة التي قد تقطعها محاولات التوصل الى معاهدة مماثلة بالنسبة لمادة حيوية مثل الماء فإن تحقيق هذا الهدف لن يتم على المدى القريب. لكن أصحاب المبادرة يراهنون على أن توعية الجمهور، واعتبار أننا معنيون جميعا، قد يسرع بنشر الوعي في هذا المجال. وهو ما ساهم المنتدى البديل في القيام به على مستوى جنيف على أن تسهم المنظمات غير الحكومية في نشره على مستوى أوطانها بعد عودتها.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.