الحكومة المغربية الجديدة.. مخاض طويل وآمال انتكست
أدت الحكومة المغربية الجديدة برئاسة الأمين العام لحزب الاستقلال عباس الفاسي اليمين القانونية أمام الملك المغربي محمد السادس.
وتتشكل الحكومة الجديدة من 33 حقيبة، كان للنساء نصيب سبعة مقاعد، وتم فيها تغيير وزيري الاقتصاد والخارجية، مع احتفاظ وزيري الداخلية والأوقاف بمنصبيهما.
الصورة التّـذكارية التي أخِـذت يوم الاثنين 16 أكتوبر للتشكيلة الحكومة المغربية الجديدة، لم تُـغلق أبوابا كثيرة، بل فتحت في البلاد منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 7 سبتمبر، ولم تُـعط إجابات عن تساؤلات أثارتها تلك الانتخابات، خاصة ارتفاع نِـسبة العزوف والمقاطعة ومعها نسبة الأصوات اللاغية، التي لم تكن جميعها علامة جهل بنظام الاقتراع.
الصورة وما ضمّـتها من وجوه حاملي الحقائب، زاد من الأسئلة حول منهجية تدبير الشأن العام وانعكاسه السلبي على بلد كان يحلُـم بأن تشكّـل انتخاباته التشريعية الأخيرة نهاية لمرحلة الانتقال الديمقراطي وبداية لمرحلة دولة المؤسسات المُـبلورة هياكلها، والمحدّدة بالدّستور صلاحياتها واختصاصاتها.
وإذا كان المراقبون والمحلِّـلون قد توافقوا على أن النِّـسبة المرتفعة للعزوف والمقاطعة والأصوات اللاغية، موقف سياسي يتمحور في عدم القناعة في دور فاعل للمؤسسة التشريعية ومكوِّناتها وإفرازاتها من كُـتل برلمانية وأحزاب، وأن المؤسسة المَـلكية ليست هي فقط الفاعل الأول، بل هي الفاعل الوحيد، فإن حكومة عباس الفاسي وما تمّ تداوله حول منهجية تشكيلها، أكد لدى المقاطعين والدّاعين للمقاطعة صِـحة موقِـفهم ومقُـولاتهم.
ويستند هؤلاء إلى أجواء مشاورات تشكِـيل الحكومة، التي حكمت عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال منذ أن عينه الملك محمد السادس يوم 19 سبتمبر وزيرا أولا، وهو التّـعيين الذي لقِـي ترحيبا كبيرا لانسجامه مع المنهجية الديمقراطية في تعيين الأمين العام للحزب، الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات، وأنعش التعيين آمالا بعودة الحياة إلى العمل السياسي وحقن العمل الحزبي، بما يؤهِّـله ليعود إلى احتلال المكانة والاحترام التي كان يحتلّـهما لدى المواطن المغربي، وأن صندوق الاقتراع هو الحَـكم في مَـن يدبِّـر شأن البلاد.
انتكاس الآمال
الارتياح لم يدُم طويلا والآمال انتكست مرة أخرى. فبعد الإعلان عن الأغلبية الحكومية من خمسة أحزاب (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار وحزب التقدم والاشتراكية)، تعثرت المشاورات وكشف عن تنافس حاد بين الأحزاب حول الحقائب وعن صِـراع شديد داخل كل حزب من الأحزاب بين المستوزرين، أخذ بُـعدا شخصيا بعد إبلاغ الأحزاب بموقف القصر بعدم استوزار مَـن لم يفز بالانتخابات.
ولتجاوز كل عقبة وعثرة، كان الفاسي يعود للقصر الملكي شاكِـيا أو طالبا الرأي والقرار، إلى أن فوجئ بمستشار ملكي يسلِّـمه تشكيلة حكومته وطلب منه إبلاغ الأحزاب بها.
كانت اللائحة، بغض النظر عن شخصياتها، إشارة عدم احترام وعدم ثقة القصر الملكي بقُـدرة الوزير الأول المُـعين وأحزاب الأغلبية على تشكيل الحكومة، ومخالفة للدستور الذي يقول الفصل 24 منه إن الملك يُـعين الوزراء بناءً على اقتراح من الوزير الأول، فلقد ضمّـت اللائحة وزراء لم يقترحهم الفاسي وحملت الأحزاب حقائب لم تطلبها واستوزر باسمها من لا ينتمي إليها ولا تربطه بها أية علاقة من قريب أو بعيد، وهو ما جعل الأحزاب تتحفّـظ عليها وتعبِّـر عن امتعاضها، إن كان من خلال صُـحفها أو مذكِّـراتٍ رفعتها للقصر الملكي، الذي راعى بلائحته الجديدة موقِـف الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال وحزب التقدم الاشتراكي، فاكتفى بمّـن رشحه كلٌّ منها وأخرج الحركة الشعبية من الأغلبية الحكومية وبعث بها إلى المعارضة، ليتقاسم مقاعدها حزب العدالة والتنمية الأصولي، وحول من أرادهم وزراء إلى التجمع الوطني للأحرار أو اكتفى بمنحهم لقب لا منتمين ليشكِّـلوا مع وزراء السيادة أغلبية مريحة في حكومة كان يُـعتقد أنها حكومة سياسية يشارك فيها تِـقنيون أو لا منتمون، فإذا بها حكومة تِـقنية أو أشرك بها سياسيون.
ولم تتعرّض حكومة في تاريخ المغرب المستقِـل من هجوم كاسح ونقد لاذع، كالهجوم والنقد الذي تعرّضت له حكومة الفاسي، والذي وصل أحيانا إلى الإساءة لمكوِّناتها، من شخصيات وأحزاب.
معارضة مختلفة
فالحكومة، وقبل التَّـنصيب الرسمي لحاملي حقائبها، كانت الأسماء المتداولة للاستيزار وحاملي حقائبها على مشرحة الرأي العام عبر الصّـحف، التي نصبت نفسها ناطقة باسمه وكانت تجد فيما تعتقده كفاءة مشكوكا فيها أو انتماءً حزبيا فرضه القصر الملكي، مادة دسمة لتحكم على الفاسي وحكومته بالفشل.
مسؤول حزبي كبير قال لسويس انفو، إن هذه الأجواء التي تلَـت إعلان نتائج الانتخابات التشريعية وسبقت التنصيب وازدادت قتامة بعد التنصيب، بقدر ما هي محبِـطة للحكومة ووزرائها، فإنها يُـمكن أن تشكِّـل دافعا لمنهجِـية جديدة في تدبير الشأن العام من خلال مُـمارسة الوزير الأول والوزراء لاختصاصاتهم، كما ينص عليها الدستور، وأن يمارسوا هذه الاختصاصات كمؤسسة وأن يقلِّـص مستشارو القصر الملكي من دورهم التنفيذي، وأن تلعب الفِـرق البرلمانية (أغلبية ومعارضة) دورا رقابيا فاعلا على الحكومة، لتحفيزها على تنفيذ وتطبيق برنامجها الحكومي الذي ستنال على أساسه ثقة البرلمان.
ومعارضة حكومة عباس الفاسي في البرلمان ستكون مختلفة عن معارضة سابقتها، التي كان يقودها ادريس جطو، وحزب العدالة والتنمية الأصولي المعتدل، الذي احتلّ المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية، يستعِـد لمعارضة شرِسة يقودها مصطفى الرميد، أحد صقور الحزب، الذي انتُـخب رئيسا لفريقه البرلماني لكي تستند من الفاسي عدم إيلاء الحزب الاهتمام الواجب لمكانة الحزب، وأيضا تستعيد للحزب مؤيِّـدين نفروا منه وساووه بأحزاب الأغلبية من حيث منهجية تَـعاطيه مع حكومة جطو، التي كانت معارضة ناعمة ولطيفة تصفع بمحبّـة وتعانق بحميمية.
برنامج حكومي لا انقلابي ولا انتقالي
ويجد حزب العدالة والتنمية إلى جانبه في المعارضة، الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، وإن كانا لن يذهبا معه بعيدا، لكن حجمهم العددي الذي يؤهِّـلهم لتقديم ملتمِـس، رقابة (سحب الثقة)، يجعل حكومة الفاسي في وضعية قلِـقة، وهي التي لا تملك أحزابها أغلبية، وستحصل على الثقة البرلمانية بدعم تكتّـل برلماني غير مشارك في الحكومة، يقوده فؤاد عالي الهمّـة، الرجل القوي في القصر الملكي وصديق العاهل المغربي.
برنامج حكومة عباس الفاسي ليس برنامجا انقلابيا أو انتقاليا بقدر ما هو برنامج تكميلي لبرامج الحكومات التي سبقتها على مدار السنوات العشر الماضية، والتي ساهمت الأحزاب المشاركة بالحكومة الحالية في وضعها، خاصة في ميدان الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وهو الميدان الأكثر إلحاحا، نظرا لانعكاس تعثُّـره على استقرار البلاد ومستقبله.
فالحكومة استُـقبِـلت، وقبل أن تنصّـب، باحتجاجات شعبية واسعة على رفع الأسعار وتقلّـص القدرة الشرائية للمواطن، ولّـد بعضها مواجهات دامية، مثل احتجاجات صفرو والبهاليل وغيرها من المدن التي لا تصلها وسائل الإعلام، إلا بعد أن ينفجِـر الوضع الأمني فيها وينتج جرحى ومعتقلين ومحاكمات.
والعاهل المغربي الملك محمد السادس حدّد للحكومة أيضا نِـقاطا محدّدة عليها انجازها في ميدان إصلاح القضاء والتعليم، وهذا الإصلاح ورشة كبيرة بحاجة إلى جُـهد ونزاهة وحَـزم، وأساسا لن يشعر المواطن بجدّية القائمين على تدبير الشأن العام.
ملف الصحراء
في الميدان السياسي، ينتظر المغرب الكثير المرتبط أساسا بالوضع الداخلي والإصلاحات المطلوبة، خاصة في قضية الصحراء الغربية وسعي المغرب لتبنّـي الأمم المتحدة لرؤيته لحلّ النزاع الصحراوي، على أساس منح الصحراويين حُـكما ذاتيا تحت السيادة المغربية في إطار مخططه لجهوية واسعة تشمل كل البلاد.
وإذا كانت المفاوضات مع جبهة البوليساريو تحت رعاية الأمم المتحدة لإيجاد حل سِـلمي للنزاع المقرّر عقد جولتها الثالثة في جنيف في ديسمبر القادم، لا زالت في بدايتها أو تتلمّـس طريقها، فإنه من الصّـعب على المفاوض المغربي أن يدافع عن مشروع الحُـكم الذاتي في إطار الجهوية المغربية والتقدم في ميدان الحريات والديمقراطية والانفتاح والإصلاح الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، فيما تفشل الحكومة في إنجاز ما التزمت به في برنامجها.
محمود معروف – الرباط
الرباط (رويترز) – قال عضو بارز بحزب المعارضة الإسلامية الرئيسي بالمغرب، إن الحكومة الجديدة في البلاد لن تكتب لها الحياة طويلا، لأنها تفتقر إلى الدعم الذي تحتاجه في البرلمان وفي البلاد. وأصبح حزب العدالة والتنمية، ثاني أكبر قوة في البرلمان المغربي بعد الانتخابات التي جرت الشهر الماضي، غير أنه ظل في صفوف المعارضة بعدما اتحدت أحزاب من الائتلاف العِـلماني الحاكم السابق لتشكيل أغلبية.
ويضم مجلس الوزراء الذي كشف عنه النقاب هذا الأسبوع ويقوده السياسي المخضرم المحافظ عباس الفاسي، تقريبا جميع الأحزاب التي شكّـلت الحكومة السابقة، فضلا عن المزيد من التكنوقراط الذين عيّـنهم القصر الملكي. وفي مؤشر على أن الحكومة تتمتّـع بتأييد البرلمان في الوقت الحالي، اختار النواب يوم الأربعاء 17 أكتوبر، رئيس التجمع الوطني للأحرار عضو الائتلاف الحاكم، رئيسا لمجلس النواب بدلا من عضو بحزب العدالة والتنمية. وأشار لحسن الداودي، نائب زعيم حزب العدالة والتنمية إلى أن شهر العسل قد لا يدوم طويلا.
وقال في مقابلة يوم الأربعاء “هذه حكومة مضحِـكة مُـبكِـية تفتقر إلى التأييد اللازم… لا يحتاج سقوطها سوى إلى امتناع بعض الأعضاء عن التصويت”، وتابع “ينبغي أن نكون مستعدّين لانتخابات مبكّـرة في غضون عامين في ظل وجود حكومة بهذا الضعف”. ويجتمع مجلس الوزراء يوم الخميس 18 أكتوبر لرسم سياساته وتخطيط ميزانية عام 2008. وحث الملك محمد السادس، الذي يُـعد الرئيس التنفيذي للبلاد وله الكلمة النهائية بخصوص السياسة، الحكومة الجديدة على التركيز على الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي.
ولم تفلح حتى الآن مشروعات كُـبرى خاصة بالبنية التحتية إلى جانب إجراءات مشجعة للأعمال، في تحسين مستويات المعيشة في البلاد البالغ عدد سكانها 33 مليون نسمة، كما أشار ضعف الإقبال على التصويت بالانتخابات، والذي تدنّـى إلى مستوى قياسي عند 37% إلى خيبة أمل واسعة إزاء النّـخبة العلمانية الحاكمة. وانسجاما مع الإصلاحات الليبرالية الحذرة التي شجع عليها الملك، تم تعيين سبع نساء في منصب وزير أو نائب وزير مقابل اثنتين في الحكومة السابقة. وقال الداودي، إن الحكومة الجديدة البالغ عدد أعضائها 33 وزيرا مترهِّـلة للغاية، وأضاف “قلنا إنه ينبغي أن يكون هناك من 20 إلى 25 وزيرا، لكن هناك عددا أكبر بكثير… سعى أناس وراء مناصب حكومية بحثا عن مكان تحت الشمس وحصلوا عليها”.
وحوّل حزب العدالة والتنمية نفسه من قوة سياسية صغيرة قبل نحو عقد من الزمن إلى قوة سياسية رئيسية، مستفيدا من الغضب الشعبي إزاء الفقر والفساد والدعوة إلى المزيد من القيم الأخلاقية في الحياة العامة، في الوقت الذي تجنّـب فيه السياسات الأصولية. ولم يفلِـح الحزب في تحقيق هدفه في أن يكون أكبر مجموعة في البرلمان خلال الانتخابات التي جرت الشهر الماضي. وأشارت النتائج إلى أن أغلب المؤهّـلين للتصويت نبذوا جميع الأحزاب، بما فيها حزب العدالة والتنمية.
وعقب إعلان النتائج، اتّـهم مسؤولو الحزب، جماعات المعارضة بشراء أصوات للتأثير في النتائج، وانتقد الداودي يوم الأربعاء منظمي الانتخابات، وقال “نعتقد أن ما لا يقل عن 300 ألف ورقة اقتراع لصالح حزب العدالة والتنمية قد أتلِـفت في مراكز الاقتراع”. ويؤيِّـد النظام الانتخابي المعقّـد في المغرب، الذي تشكل خلال عهد الملك الحسن الثاني والد الملك محمد السادس، الذي حكم البلاد بقبضة حديدية حتى وفاته، تشكيل ائتلافات كبيرة كما يصعُـب على أي قوة سياسية منفردة الحصول على الأغلبية.
وقال الداودي لرويترز “لا يمكن لبلادنا أن تتقدّم في ظل النظام الحالي. … نريد وضع حد لبلقنة السياسات الحزبية…”، غير أنه قال إن حزب العدالة والتنمية لا يأسف لكونه جزءا من التيار السياسي العام بخلاف منافسته حركة العدل والإحسان، التي تتمتع بتأييد واسع بالمناطق الفقيرة ولا يُـعترف بها كحزب سياسي، وتابع “حزب العدالة والتنمية أكثر توحّـدا اليوم من أي وقت مضى”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 17 أكتوبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.