الحلقة المفقودة في جولة رايس المعهودة
كانت جولة وزيرة الخارجية الأمريكية الأخيرة في إفريقيا والشرق الأوسط جولة حل الصراعات وحصد بعض النتائج من خلال دفع عملية الانسحاب من غزة، وتأييد واشنطن لتشكيل حكومة سودانية.
لكن جولة كوندوليزا رايس تركت بعدها حلقة مفقودة على مستوى جهود الإصلاح في معظم الدول العربية والحقوق المشروعة للفلسطينيين.
حاول السفير ديفيد ولش، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشرق الأدنى، لدى عودته من مرافقته لوزيرة الخارجية الأمريكية رايس في جولتها في إفريقيا والشرق الأوسط، أن يضفي صورة إيجابية على ما حققته الجولة، خاصة فيما يتعلق بالهُـدنة الهشة بين الفلسطينيين والإسرائيليين فقال:
“إن مجرّد كون هذه الجولة ثالث زيارة تقوم بها إلى المنطقة يعكس مدى الاهتمام الذي توليه إدارة الرئيس بوش للسعي إلى تسوية سلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما سعت رايس لتحقيقه هذه المرة كان حشد التأييد لضمان نجاح عملية الانسحاب الإسرائيلي من غزة، بما في ذلك من مستوطنات غزة وبعض مستوطنات الضفة الغربية”.
وأشار السفير ولش إلى أن رايس دعت الجانبين إلى التنسيق والتعاون لتحقيق انسحاب إسرائيلي ناجح، وقدمت لهما وجهة النظر والأفكار الأمريكية لضمان نجاح الانسحاب، كمقدمة لبدء تنفيذ خارطة الطريق، وإقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل، ونبهتهما إلى أن فشل الانسحاب سيؤدي إلى نتائج وخيمة.
وشرع الجانبان بالفعل في التنسيق على المستوى الوزاري ثم على مستويات أقل. ونفى السفير ولش أن تكون وزيرة الخارجية الأمريكية قد تغاضت عن توضيح الموقف الأمريكي الرافض لاستمرار النشاطات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، وقال “إنها أكدت في مؤتمر صحفي عقِـب لقائها بالسلطة الفلسطينية، ضرورة تنفيذ إسرائيل لالتزامها بعد توسيع المستوطنات، كما تقضي بذلك خارطة الطريق”.
وتطرق مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى إلى الزيارة التي قامت بها رايس إلى لبنان، فقال “إنها كانت زيارة ناجحة، وانطوت على حوار أمريكي مع القيادات الجديدة في لبنان حول مستقبل أفضل للبنان”. وأضاف “إن المطالبة بنزع سلاح حزب الله، الذي تعتبره الولايات المتحدة منظمة إرهابية شاركت في قتل الأمريكيين في الماضي وأبرياء من دول أخرى، يستند إلى المطالبة بتطبيق قرار دولي، وهو القرار رقم 1559”. وقال السفير ولش “إن الولايات المتحدة تؤمن بأن الحكومة اللبنانية يجب أن تبسط سيادتها وسلطتها على كافة الأراضي اللبنانية”.
أسئلة تنتظر إجابات
لكن جولة كوندوليزا رايس في الشرق الأوسط لم تقدم – بشهادة المحللين السياسيين في واشنطن – إجابات محددة لأسئلة رئيسية مثل: كيف سيتوفر للفلسطينيين في غزة حرية التنقل والاتصال بالعالم الخارجي بعد تحقيق الانسحاب الإسرائيلي منها؟ ومن الذي سيدفع تكاليف إزالة أنقاض منازل المستوطنين التي ستهدمها القوات الإسرائيلية قبل الانسحاب؟ وهل سيكون الانسحاب من غزة أولا وأخيرا، وهل ستواصل إسرائيل التهام المزيد من أراضي الضفة الغربية، انتظارا لخارطة الطريق التي تكفل شارون بتأجيلها عاما بعد عام؟
التقت سويس إنفو في واشنطن بالسيد إسحق البديري، رئيس مركز الدراسات العربية في القدس، والمدير السابق لبيت الشرق الذي أغلقته إسرائيل في القدس وسألناه عن تقييمه لجولة رايس في المنطقة، فأعرب عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة ليست معنية بطموحات الشعب الفلسطيني، وخاصة فيما يتعلق بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. وقال في هذا السياق:
“إن كل ما حاولت كوندوليزا رايس تحقيقه في تلك الجولة، هو توفير فرص النجاح لانسحاب إسرائيل من قطاع غزة حتى تخرج واشنطن بعد ذلك إلى العالم وتقول “هاهي إسرائيل قد أوفت بالتزاماتها للبدء في تنفيذ خارطة الطريق”، وأخشى ما أخشاه هو أن يكون الانسحاب من غزة أولا هو الانسحاب أولا وأخيرا من الأراضي الفلسطينية، خاصة وأن الولايات المتحدة سمحت لشارون بالاستمرار في بناء الجدار العازل الذي اقتطع أراضٍ فلسطينية جديدة، وبالتالي، سمحت لشارون بأن يرسم الحدود كما يحلو له، بحيث إذا حدث ودخل الفلسطينيون ما يسمى بمفاوضات الوضع النهائي، سيكون شارون قد فرض الأمر الواقع في كل القضايا، فلا عودة للاجئين، ولا عودة للقدس الشرقية، ولا مجال للتفاوض حول الحدود، وتكون الولايات المتحدة بذلك قد أفرغت خارطة الطريق من محتواها”.
“ست أولويات”
أما السفير مارتن إنديك، المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكية والمدير الحالي لمركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكنغز في واشنطن، فيرى أن هناك ستة أولويات عمل يلزم أن تتبعها الولايات المتحدة للوصول بالتهدئة الهشة بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى إعادة إحياء لخارطة الطريق:
أولا، توفير الاستقرار لوقف إطلاق النار ووضع قواعد وإجراءات للمحافظة عليه.
ثانيا، تعزيز قدرة السلطة الفلسطينية على بسط سيطرتها على أراضيها والقيام بمهامها.
ثالثا، توفير النجاح لخطة الانسحاب الإسرائيلي من غزة من خلال تنسيق يظهر للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منافع ذلك الانسحاب.
رابعا، حشد الدعم العربي والدولي لاستئناف العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
خامسا، تعزيز قوة الوسط السياسي في كلا الجانبين من خلال خلق الظروف التي يتم بها تهميش المتطرفين، والتمهيد لحوار حول التنازلات الصّـعبة التي ستنطوي عليها اتفاقيات الوضع النهائي.
سادسا، توفير ربط دبلوماسي وقانوني واضح بين خطة الانسحاب من غزة والعملية السلمية التي ستقود إلى مفاوضات الوضع النهائي والحل الدائم.
فهل تمكنت وزيرة الخارجية الأمريكية من وضع أسس هذه الأولويات؟
نصف الكوب المملوء
طرحت سويس إنفو السؤال على الدكتور عمرو حمزاوي، الخبير بمؤسسة كارنغي للسلام والديمقراطية في واشنطن فقال:
“بمطالبة رايس إسرائيل بعدم محاصرة الشعب الفلسطيني داخل قطاع غزة بعد الانسحاب، وبتأكيدها على التزام واشنطن بتوفير وسيلة للربط بين غزة والضفة الغربية وحرية الحركة للشعب الفلسطيني، أكّـدت وزيرة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تنظر إلى الانسحاب من غزة أولا على أنه سيكون الأول والأخير، كما يتخوف الفلسطينيون والعرب عموما، وقد يكون ذلك انعكاسا أيضا لمخاوف داخل الإدارة الأمريكية من أن رؤية الحكومة الإسرائيلية في اللحظة الراهنة تعتمد على محاولة تثبيت الأوضاع بعد الانسحاب من غزة لفترة قد تطول لتُـعاود إسرائيل الحديث عن فترة انتقالية يتم خلالها استعادة الثقة ومنع الهجمات واستقرار الأمن، لذلك، حاولت رايس الإيحاء بأن الانسحاب من غزة ستتلُـوه خطوات على طريق السلام الشامل”.
وفيما يتعلق بأولوية دعم السلطة الفلسطينية، أعرب الدكتور حمزاوي عن اعتقاده بأنه فيما لم تمارس رايس أي ضغط على الجانب الإسرائيلي، فإنها شدّدت على ضرورة أن يُلاحق محمود عباس الحركات الإسلامية ويتعامل بشدة مع من ينتهكون التهدئة الهشة مع إسرائيل، بالتالي، فإنها وضعت المزيد من الضغوط على رئيس السلطة الفلسطينية في وضعٍ يزداد وضعه حرجا في الداخل، حيث لا يعتبر الفلسطينيون الانسحاب من غزة جائزة كبرى لنضالهم الطويل أو إنجازا هاما على طريق السلام الذي طال انتظاره.
وأشار الدكتور حمزاوي إلى أن رايس حاولت على الجانب الآخر، استعادة المشاركة العربية والدولية في الإطار الأوسع لمنافع السلام من خلال الترحيب بالدعوة لعقد مؤتمر دولي متعدد الأطراف حول الشرق الأوسط.
واتفق الدكتور حمزاوي مع تقييم السيد إسحق البديري، رئيس مركز الدراسات العربية بالقدس، في أن الولايات المتحدة، من خلال جولة رايس، لم تقترب كثيرا من آمال وطموحات الشعب الفلسطيني، واقتصرت مطالبها من شارون على فتح الممر بين الضفة والقطاع، وعدم اتخاذ إجراءات أُحادية الجانب. لكن ما يحدث على أرض الواقع هو أن شارون يواصل بناء الجدار العازل، ويعيد ترسيم الحدود على هواه متجاهلا خطوط عام 1967، ويواصل تهويد أماكن إضافية في القدس وما حولها، ويفرض أمرا واقعا جديدا، فيما تشارك الدول العربية والاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة في السلبية والصمت.
الحقلة المفقودة..
وخلص الدكتور حمزاوي، إن جولة رايس الماضية في المنطقة كانت لدفع عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي، وتركت بعدها حلَـقَـة مفقودة هي أن معظم جماعات وأحزاب المعارضة العربية لم تر أي مردود لتلك الجولة فيما يتعلق بجهود الإصلاح في معظم الدول العربية.
وكانت جولة رايس الأخيرة في المنطقة جولة حل الصراعات وحصد بعض النتائج من خلال دفع عملية الانسحاب من غزة، والتأييد الأمريكي لتشكيل حكومة سودانية جديدة أصبح فيها جون قرنق نائبا للرئيس، والتلويح بجزرة استئناف العلاقات الدبلوماسية إذا ما تم إحراز تقدم وتخطّـي ما وصفته رايس بمشكلة المصداقية في دارفور.
وعلى الصعيد اللبناني، كانت رسالة رايس للأطراف اللبنانية هي أن الولايات المتحدة بعد ضغطها على سوريا وتحقيق الانسحاب السوري من لبنان، أصبحت واشنطن لاعبا أساسيا، وبالتالي، طالبت من جديد بنزع سلاح حزب الله، وأثارت مسألة وجود دم قديم بين الحزب وبين الولايات المتحدة، ووعد رئيس الوزراء اللبناني الجديد فؤاد السنيورة ببدء حوار جدّي حول الموضوع.
وكانت الحلقة المفقودة في جولة رايس الأخيرة هي ما كان يصبو إليه الفلسطينيون من دور أمريكي يقترب، ولو قليلا، من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.