الحليف العربي الأقرب إلى واشنطن
زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى قطر يوم الخميس هي الأولى لرئيس أمريكي لهذا البلد الذي يتطلع إلى دور محوري في العلاقات الخليجية الأمريكية.
فقطر تأوي قاعدتين عسكريتين أمريكيتين إلى جانب القيادة المركزية الأمريكية ومقر القيادة الجوية في المنطقة
تزايد دور قطر لدى الولايات المتحدة بشكل لم يكن يتوقعه كثيرون قبل سبع سنوات عند تولي قيادة سياسية درج محيطها على اتهامها أنها “تحاول لعب دور أكبر من حجمها”.
وتأتى زيارة الرئيس الأمريكي، الأولى من نوعها إلى الدوحة يوم الأربعاء، لتعلن عن “تحول في ترتيب أولويات الاستراتيجية الأمريكية في المستقبل نحو نقطة ارتكاز جديدة في المنطقة، محورها قطر والكويت وبغداد”، حسب ما يقول الدكتور محمد المسفر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر.
وكانت واشنطن قررت الشهر الماضي نقل قيادتها الجوية من قاعدة الأمير سلطان في السعودية إلى قاعدة “العديد” القطرية. كما كانت قطر قبل ذلك تأوي القيادة المركزية الأمريكية، التي سطرت وقادت الحرب على العراق من قاعدة “السيلية”، رافعة من أسهم هذا البلد الصغير والغني لدى الدولة الأقوى في العالم.
سياسة الجسور المفتوحة
ويرى المسؤولون القطريون “أن قرار الانتقال من القاعدة السعودية إلى قاعدة “العديد” القطرية، شأن أمريكي داخلي”، على أساس أن “هناك أشياء متفقا عليها منذ فترة بين البلدين، وفق ما يخدم مصالح كل منهما”.
لكن شيخة الجفيري، السيدة الوحيدة التي تمكنت من اقتلاع مقعد لها في الانتخابات البلدية القطرية الأخيرة، ترى أنه “أمر عظيم أن تحظى قطر بهذه الثقة من طرف الدول العظمى”، مشيرة بأن ذلك “شهادة رفيعة المستوى على الأمن والديموقراطية في قطر”.
وبالفعل، فقد أثبتت قطر، البلد الصغير والغني بالنفط والغاز، أنها لا تَـدّخِـر جُـهدا في دعم الولايات المتحدة، من الحرب على الإرهاب، إلى الحملة العسكرية على أفغانستان وصولا إلى الحرب على العراق.
ويعتبر الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، من أكثر المسؤولين العرب الذين يلقون الترحيب في دوائر القرار الأمريكية.
وكان أمير قطر ضيفا على الرئيس الأمريكي جورج بوش في منتصف شهر مايو، كأول قائد عربي يزور واشنطن بعد الحرب على العراق.
لكن، وفي المقابل، درجت القيادة القطرية على اتخاذ مواقف ناقدة للسياسة الأمريكية، خصوصا في عملية السلام في الشرق الأوسط، وكثيرا ما انتقد أميرها “الكيل بمكيالين” الذي تتبعه الإدارة الأمريكية في التعامل مع الفلسطينيين والإسرائيليين.
وقد تمكنت قطر من إدارة التوازنات الدقيقة في السياسة الخارجية، متبعة سياسة “الجسور المفتوحة مع الجميع”، وجامعة بين تناقضات عديدة بلغت ذروتها عندما استضافت قبل سنوات كلا من قيادات حركة “حماس” الفلسطينية، جنبا إلى جنب مع فتح مكتب للتمثيل التجاري الإسرائيلي.
ويقول الدكتور عبد الحميد الأنصاري، عميد كلية الشريعة في جامعة قطر، “إن الدافع في ذلك، هو حرص قطر على تأمين ثرواتها في منطقة متقلبة”.
ورغم أن كثيرين لم يكونوا على اقتناع بأن هذه السياسة صائبة، إلا أن قطر التي تتطلع إلى موقع ثابت في المعادلة الإقليمية المتقلبة، تمكنت من أن تُـصبح اليوم الحليف السياسي والعسكري الأقرب إلى أمريكا، في الوقت الذي ترأس فيه الدورة الحالية لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
كما تملك الدوحة قاعدة تعليمية أمريكية متقدمة تضم جامعات مرموقة، مثل “كورنيل” للطب، وكلية “فرجينيا كومنولث”، وأخيرا معهد “راند” لتحليل السياسات، وجامعة “تكساس”، مع مواصلة التفاوض على إقامة ثلاث جامعات أمريكية جديدة.
ثلاثون مليار دولار
ولا يبدو البعدان، العسكري والسياسي، أكثر تطورا من البعد الاقتصادي في العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر. فحسب تصريحات الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى قناة CBS الأمريكية في شهر مارس الماضي، فإن “الاستثمارات الأمريكية في قطر ارتفعت خلال العشرية الماضية من 300 مليون دولار إلى 30 مليار دولار”.
وينظر المراقبون إلى هذا الرقم بفضول، خصوصا عندما يقارنونه بحجم الاستثمار الخارجي الإجمالي في قطر والذي يصل إلى زهاء 40 مليار دولار، حسب إحصائيات غرفة صناعة وتجارة قطر.
وتشير وثائق وزارة الاقتصاد والتجارة في قطر إلى أن أعلى الاستثمارات الأمريكية تأتي في إطار التعاون بين المؤسسة العامة القطرية للبترول، وعدد من الشركات الأمريكية التي ساعدت في عمليات الاستكشاف والتنقيب عن موارد الطاقة من نفط وغاز.
كما تشير بيانات السجل التجاري بوزارة الاقتصاد والتجارة القطرية إلى أن “الاستثمارات الأمريكية في السوق القطري وصلت عامي 1999 و2000 إلى 31 شركة برأسمال 1084 مليون ريال قطري، تعمل في مجال الغاز والبترول.
وعدا الوكالات التجارية الأمريكية المسجلة في قطر، والتي بلغ عددها 688 وكالة في نهاية عام 2000، تُـفيد إحصائيات رسمية قطرية حديثة أن إجمالي حجم التبادل التجاري بين قطر والولايات المتحدة في الفترة ما بين عامي 1999 و2001 قد بلغ أربعة بلايين ريال قطري (حوالي 1،1 بليون دولار أمريكي).
ويذكر أن الريال القطري يرتبط بسعر صرف ثابت بالنسبة للدولار منذ منتصف عام 1980 (3،65 ريال قطري للدولار الواحد)، مما يجنب المستثمرين في السوق المحلي مخاطر التعرض إلى تقلبات سوق الصرف.
وفي الأثناء، يجري التفاوض حول حزمة مشاريع صناعية لدى بنك قطر للتنمية الصناعية، أبدى المستثمرون الأمريكيون اهتماما بها، بما سوف يزيد على المدى القريب في حجم الاستثمارات الأمريكية في هذا البلد الصغير، الذي تشير زيارة الرئيس بوش له إلى أنه أصبح الأقرب إلى قلب وعقل واشنطن في المنطقة.
اختيار و”زوابع”
ويتوقع الدكتور محمد المسفر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، أن “يثير ذلك، الزوابع الإعلامية والسياسية من حول قطر”. لكن الدكتور عبد الحميد الأنصاري يرى أن “الأمر لا يخلو من الغيرة”، مضيفا “حتى الذين يحرقون الأعلام الأمريكية يريدون في الواقع لفت أنظار واشنطن إليهم”.
وفي حين يرى المسفر أن “العلاقة الحميمة بين الدوحة وواشنطن تصبح إيجابية عندما يتم الأخذ بعين الاعتبار المواقف القطرية في السياسة الأمريكية”، يعتقد الدكتور الأنصاري أن ذات العلاقة المتميزة “تؤهل قطر لكسب تعاطف أمريكي مع القضايا العربية”، مستشهدا بـ “تفرد إسرائيل باستغلال هذا الجانب لصالحها”.
وبين هذا وذاك، يظهر واضحا أن قطر قد اختارت طريقها بوضوح شديد، وهي ماضية فيه دون تردد بقطع النظر عما يخبِّـئه المستقبل الإقليمي من مفاجآت قد تطرأ على التوازنات الخليجية.
فيصل البعطوط – الدوحة
معلومات أساسية عن قطر:
رئيس الدولة: الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني
المساحة: 11.437 كلم مربع
عدد السكان: حوالي 750 ألف نسمة من بينهم أكثر من نصف مليون من الأجانب (2001)
الموارد الطبيعية: النفط، وثالث احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم
الناتج الداخلي: 17 مليار دولار(2001)
الدخل الفردي: 25 ألف دولار
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.