مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحياد مبدأ أساسي للدبلوماسية السويسرية

imagepoint

تُـعرف سويسرا بالدولة المحايدة، ويمثل الحياد مبدأً أساسيا من المبادئ الموجهة للسياسة الخارجية التي تنتهجها الكنفدرالية.

وبمحض التعريف، الدولة المحايدة تنأى بنفسها عن المشاركة في النزاعات المسلحة، لكن هذا لم يمنع سويسرا من تقديم العون والمساعدات لمناطق الحروب والنزاعات.

أصبحت سويسرا دولة محايدة منذ سنة 1516، أي بعد سنة واحدة من الهزيمة النّـكراء التي تكبّـدتها جيوش الكنفدرالية الأولى في معركة مارنيون الشهيرة ضد الجيش الفرنسي.

وبعد هذه الهزيمة، وقَّـعت سويسرا معاهدة سلام دائمة مع جارتها الكبرى، وتُـعد هذه المعاهدة المُـنطلق الأول لالتزام سويسرا بالحياد.

اتّـبعت سويسرا، واستنادا إلى تلك المعاهدة خلال أكثر من مائتيْ سنة، سياسة خارجية تميّـزت بالتحفظ. وحتى القضايا التي كانت تطرأ من حين لآخر، تعالج من خلال التحكيم، لكن، عندما زحفت الجيوش الفرنسية سنة 1789 على البلاد، تم التخلي مؤقتا على مبدإ الحياد.

وفي 20 نوفمبر من نفس السنة، أقرّت القوى الأوروبية الكبرى المُـمضية على اتفاقية فيينا بحياد سويسرا واعترفت كل من فرنسا والنمسا وبريطانيا والبرتغال وبروسيا وروسيا والسويد، بحق سويسرا في البقاء خارج دائرة النزاعات المسلحة في المستقبل، كما تلتزم تلك الدول أيضا بعدم التعدّي على الأراضي السويسرية.

الحياد مبدأ في القانون الدولي

مبدأ الحياد، أحد المفاهيم المعقّـدة في القانون الدولي العام. ولأول مرة، تضمنت اتفاقيات 18 أكتوبر 1907، التي وقّـعت في مؤتمر لاهاي الثاني، نصوصا تحدِّد حقوق والتزامات الدول المحايدة، وينص أحد بنود أن تلك الاتفاقية، على أنه لا يحق لدولة محايدة المشاركة المباشرة في نزاع مسلح أو مساعدة أحد الأطراف في النزاع من خلال تزويده بالرجال والسلاح.

ويعتبر مبدأ عدم التعدّي على أراضي الدول المحايدة حقا من حقوقها، ولكن الدولة المحايدة مدعوّة لحماية سلامة تلك الأراضي والاستعداد للدفاع عنها.

ولا يعتبر الدستور الفدرالي السويسري الحياد غاية في حدّ ذاته، بل أحد الوسائل الهادفة إلى حماية استقلال البلاد، ومن هذا المنطلق، يدعو الدستور الحكومة والبرلمان الفدرالي بغرفتيه، إلى حماية مبدإ الحياد واحترامه، مثلما يدعوهما أيضا إلى “حماية الأمن الخارجي واستقلال سويسرا وخياراتها”.

وعبر الزمن، اتّـخذ الحياد السويسري صُـوَرا وأشكالا مختلفة. وبسبب النزاعات الدولية المتكرِّرة، يُـطرح باستمرار سؤال حول الموقف السياسي الأفضل الذي يجب اتخاذه، ويتساءل البعض: ما الذي يعني عمليا، حياد إيجابي وحياد مسلّـح؟

مع نهاية الحرب العالمية الأولى، انضمت سويسرا لعُـصبة الأمم المتحدة، وعبّـرت عن استعدادها لفرض عقوبات اقتصادية مع بداية الحرب العالمية الثانية، ولقد أعادت التأكيد على حيادها من خلال إرسال فِـرق من جنودها لحراسة حدودها.

الحياد حقيقة متغيرة

بعد الحرب العالمية الثانية، ارتبط مفهوم الحياد بمفهوم التضامن الدولي، الذي يسمح بالقيام بعمليات حفظ السلام وتعزيزه في العالم، وتراقب بعثة سويسرية منذ 1953 وقف إطلاق النار على خط التماس بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية.

ومع نهاية الحرب الباردة، وجد المجلس الفدرالي نفسه مُـلزَما بإعادة النظر في مفهوم الحياد وتكييفه مع الوقائع المستجدّة على الساحة الدولية في مجالي السياسة الخارجية والأمن، كالتأكيد مثلا وبشكل متزايد على أهمية التعاون الدولي.

وهكذا، رأت الحكومة أن التعاون مع حلف الشمال الأطلسي “الناتو” ومبادرة الشراكة من أجل السلام، لا يخل بمبدإ الحياد، والتعاون لا يعني بأي حال الانضمام أو الالتزام بالمشاركة عسكريا في حالة حدوث نزاع.

لم تعد الحكومة أيضا ترى في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ما يعارض مبدأ الحياد، فهذا الأمر ممكن “ما دام الاتحاد الأوروبي لا يلزم أعضاءه بالتعاون العسكري المتبادل”.

الحياد خيار لجأت إليه سويسرا وبإمكانها التخلي عنه، وليس لهذا الموقف مدلول ثابت، بل هو متغير ومتطور باستمرار.

الأمم المتحدة نموذجا

خلال التسعينات، وجدت الحكومة الفدرالية نفسها مُـجبرة على تحديد موقف مناسب من النزاعين، العراقي واليوغسلافي، من دون المساس بصفتها كدولة محايدة.

فهل كان على سويسرا الالتزام بتنفيذ العقوبات الاقتصادية التي تمّ إقرارها؟ وهل كان من المشروع السماح لقوات أجنبية باستخدام مجالها الجوي؟ وهل يمكن إرسال قوات مسلحة إلى مناطق النزاع من أجل حفظ السلام؟

لتحديد موقف مناسب من كل هذه القضايا، اختارت سويسرا مجارات مواقف منظمة الأمم المتحدة، فالتزمت حيادا مُـطلقا خلال العمليات العسكرية التي لم تقرّها الأمم المتحدة، كالضربات الجوية التي وجِّـهت ليوغوسلافيا سنة 1999. فهي لم تسمح لأي طائرة عسكرية باختراق مجالها الجوي، لكنها شاركت في تقديم الدعم الإنساني واعتمدت موقفا آخر عندما يكون التدخل بموافقة الأمم المتحدة، فالتزمت بالعقوبات الاقتصادية التي فرضت على العراق سنة 1991، وفتحت مجالها الجوي أمام الطائرات المحملة بمواد إنسانية.

سويس انفو

حتى بدايات عقد التسعينات، كانت الدبلوماسية السويسرية متمحوِرة أساسا حول “المساعي الحميدة”، التي هي في النهاية “مساعدة طرفين على التفاوض المباشر على حلٍّ سلمي من دون أن يكون الوسيط طرفا في المفاوضات، وهذا الدور ليس حِـكرا على الدول، فيمكن أن تقوم به منظمة دولية أو حتى شخصيات عامة.

ومنذ سنة 1999، أصبح معهد هنري دونان (مركز الصليب الأحمر للتكوين والبحوث)، مركزا للحوار في المجال الإنساني المتخصص في المساعي الحميدة، ونجح خبراء هذا المركز في تحقيق وقف لإطلاق النار بين أندونيسيا ومتمردي آتشيه سنة 2002، وفي التوصّـل إلى اتفاق في دارفور سنة 2004.

كما تأوي جنيف أيضا التحالف الدولي من أجل بناء السلام (مشروع من أجل إعادة بناء المجتمعات التي مزّقتها الحروب)، وينفذ هذا التحالف برامج للمصالحة بين الأطراف المتنازعة في مناطق الصراعات السابقة، خاصة في رواندا والصومال والموزنبيق وأمريكا اللاتينية.

وتتمتع هاتان المؤسستان بدعم الحكومة السويسرية، على الرغم من طبيعتهما الخاصة.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية