الخطوط الحمراء للديموقراطية!
أثارت توضيحات المحكمة الفدرالية لتعليل حكمها الرافض منح الجنسية عن طريق التصويت الشعبي ارتباك مختلف الأحزاب والتشكيلات السياسية في سويسرا.
وتقول المحكمة في تبريرها لهذا الحكم، إن الديمقراطية المباشرة أو شبه المباشرة لا بدّ وأن تحترم الدستور الفدرالي.
توصف الديمقراطية السويسرية بـ”الديمقراطية المباشرة”، أو “الديمقراطية شبه المباشرة”، لأنها تعتبر أن كلمة الشعب هي الحاسمة والأخيرة في كل القرارات الحيوية والهامة.
ويُُعتبر الدستور الفدرالي القاعدة الأساسية التي يقوم عليها النظام الفدرالي، الذي لا يضمن ديمقراطية صنع القرار المشترك في عدد من المجالات المعيّنة على مستوى الكانتونات الستة والعشرين فحسب، وإنما على مستوى البلديات أيضا داخل حدود الكانتون وخارج هذه الحدود على المستوى الوطني العام.
فالطريقة المتبعة حتى الآن في منح الجنسية السويسرية للأجانب، تقوم باختصار على مجموعة من القواعد الأساسية العامة التي تتعلق بسنوات الإقامة وبالوضع المالي، لكنها تشترط أولا على موافقة المحافظة التي يقيم فيها الأجنبي على القبول به كأحد المواطنين في البلدية.
وبدون هذه الموافقة، تنقطع الطريق على أي أجنبي راغب في الجنسية السويسرية، لأنه لا يستطيع رفع طلبه بعد ذلك إلى سلطات الكانتون الذي يعيش فيه، وإلى السلطات الفدرالية في وقت لاحق.
وعندما يُقدّم الأجنبي طلب الجنسية للبلدية المضيفة له، تنظر لجنة من الأهالي تضم أعضاء من المجلس البلدي عادة في طلبه وترد عليه ردا إيجابيا أو سلبيا دون أن تكون ملزمة في أية حالة من الحالتين بتبرير ذلك الرد.
لكن عددا قليلا جدا من البلديات قرر في تصويت شعبي ديمقراطي على المستوى المحلي طرح طلبات الحصول على الجنسية بالذات للتصويت الشعبي المحلي، مما أدى خلال السنوات القليلة الماضية لرفض دفعات من الأجانب بطريقة استرعت اهتمام الرأي العام السويسري عموما، وانتباه السلطات الفدرالية المسؤولة على وجه الخصوص.
قضاء ديمقراطي أم استفزاز سياسي؟
وفي حالة الرفض الجماعي لطالبي الجنسية، قرر محامو الأجانب المعنيين بالأمر رفع القضية للقضاء وصولا إلى المحكمة الفدرالية التي أدانت يوم 9 يوليو طريقة منح الجنسية في تصويت شعبي محلي.
لكن الأهم من ذلك أن المحكمة الفدرالية قد أوحت في نفس السياق دون تبرير الحكم حينذاك بحق طالبي الجنسية في معرفة سبب الرفض، مما يفرض على الجهات البلدية الرافضة لمثل هذه الطلبات تبرير رفضها في المستقبل. وقد أكدت المحكمة الفدرالية في 24 يوليو هذين الحُكمين الأساسيين بالنسبة لطالبي الجنسية السويسرية في المستقبل.
وبررت المحكمة هذين القرارين بالقول، إن الديمقراطية المباشرة لابد وأن تحترم الدستور الفدرالي، وأن منح الجنسية ليس على قدر من الأهمية والحيوية بشكل يؤهله للتصويت الشعبي، حتى على المستوى المحليّ.
لكن هذا الحكم يربك معظم الأحزاب والتشكيلات السياسية، لأن الدستور الفدرالي يضمن استقلالية البلديات من جهة، وتطالبها المحكمة الفدرالية بمطالب تحِدّ من هذه الاستقلالية من جهة أخرى.
وهذا ما أعرب عنه الوزير الفدرالي السابق، Arnold Koller الذي يُـُعتبر الأب الروحي للدستور الفدرالي الحالي بالقول، إنه “يأسف لطغيان الجانب القضائي على الجانب السياسي”.
علاوة على ذلك، وصف زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي قرار المحكمة الفدرالية بأنه قرار استفزازي، وأعرب حزب الشعب اليميني على نية طرح بادرة شعبية ضد قرار المحكمة، في حين بات الحزب الديمقراطي الاشتراكي مقسوما على نفسه في وجه هذه التطورات.
ويرجع ارتباك الأحزاب السياسية لحقيقة أن هذه الأمور التي تتعلق بالأجانب، والتي كانت ولا تزال من المشاغل الرئيسية للسويسريين منذ عقود، تأتي قبل ثلاثة أشهر تقريبا من موعد الانتخابات العامة لتجديد أعضاء البرلمان الفدرالي في أكتوبر المقبل.
جورج انضوني – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.