الدخـول في صُـلب الموضوع
في الكويت، ترأس الجنرال تومي فرانكس رئيس القيادة المركزية الأمريكية المسؤولة عن العمليات العسكرية في أفغانستان والشرق الاوسط، اجتماعا تنسيقيا لكبار ضباط القيادة.
وكان الجنرال فرانكس التقى يوم الاربعاء في الدوحة، أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لبحث ترتيبات نقل مقر “القيادة المركزية” الأمريكية من ولاية فلوريدا الى قطر.
إن الدلالات المباشرة لقرار الولايات المتحدة نقل “القيادة المركزية” الأمريكية من مقرها في “تامبا” بفلوريدا، إلى قاعدة “العيديد” القطرية واضحة، وهي أن واشنطن قد بدأت فعلا في اتخاذ الخطوات العملية الخاصة بالاستعداد للتدخل العسكري في العراق.
لكن أهمية هذه العملية تتجاوز دلالاتها العسكرية الخاصة بالعراق، إلى ما تشير إليه بشأن تحول في التصورات الأمريكية الخاصة بإدارة العمليات العسكرية في الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة، وبعض عناصر المعادلة التقليدية المتصلة بالتحالفات الدفاعية الأمريكية في منطقة الخليج، والتي تتقلص مع المملكة العربية السعودية، في اتجاه الدول الصغيرة المحيطة بها، كقطر تحديدا، وكذلك عُمان.
كيف يفكر البنتاغون؟
كان التوجه السائد داخل البنتاغون في الفترة الأخيرة، هو أن نقل مقر القيادة المركزية إلى الشرق الأوسط يبدو ضروريا في كل الأحوال، بصرف النظر عن المسألة العراقية. فالحرب الأمريكية ضد الإرهاب تدور في الأساس على ساحة الشرق الأوسط، الذي يشمل – حسب التعريف الأمريكي له – حوالي 25 دولة تقع على المساحة الممتدة بين باكستان شرقا إلى المغرب غربا، والتي تمثل مسرح عمليات قوات القيادة المركزية الأمريكية.
وقد صرح الجنرال تومي فرانكس في نوفمبر 2001، أنه يدرس بالفعل نقل مقر قيادته إلى مكان قريب من أفغانستان، مشيرا وقتها إلى قطر. ولم يكن التصور المسيطر داخل البنتاغون يرتبط في ذلك الوقت بضرب العراق تحديدا، وإنما برد الفعل السريع والمرونة “العملياتية” والتنسيق المباشر، في مواقف الأزمات أيا كان مصدرها، في وقت كان واضحا فيه أن ما لا يقل عن 6 دول في الشرق الأوسط، يمكن أن تصبح ساحة محتملة للحرب ضد الإرهاب.
وقد أتاحت قطر للقوات الأمريكية هذه الفرصة، بعقد الاتفاق الخاص باستخدام “قاعدة العيديد”، والذي كان يتيح للقوات الأمريكية صلاحيات لم تكن تتمتع بها في “قاعدة الأمير سلطان” الجوية، حتى بصرف النظر عن الخلافات التي تفجرت بين واشنطن والرياض إثر أحداث 11 سبتمبر، ثم فيما بعد حول العراق.
فالاتفاق القطري – الأمريكي ينص على وجود أمريكي دائم، على غرار القواعد العسكرية الأمريكية في اليابان وألمانيا وإيطاليا. كما أن القاعدة قد جُهزت بمدرجات إقلاع وحظائر طائرات ومخازن وقود وذخيرة، تجعل منها قاعدة عسكرية قادرة على استيعاب قوة ضخمة متعددة المهام، ونقلت إليها المعدات المتطورة والكوادر الفنية التي كانت تتمركز بالسعودية.
خط الرياض – واشنطن
لكن ما يحدث في قاعدة العيديد الجوية في الوقت الحالي لا يرتبط بالضرورة بما يحدث بين واشنطن والرياض. فقد كان من الواضح بعد أيام قليلة من وقوع أحداث 11 سبتمبر أن منحنى العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية يتجه نحو الهبوط بدرجة لم يتمكن الطرفان من تداركها.
وتفاقم هذا الوضع بفعل المواقف السعودية بشأن حرب أفغانستان وضرب العراق. وبدأت بعض مراكز الدراسات الأمريكية (استشاريو البنتاغون) تطرح نظريات خاصة بضرورة تحول التركيز الأمريكي من الحلفاء التقليديين الكبار في المنطقة (كمصر والسعودية)، إلى حلفاء صغار أكثر طاعة ومرونة، ووصل الأمر إلى ظهور تلك التوصية المثيرة الخاصة باعتبار السعودية عدوا في التقرير الذي قدّمته مؤسسة “راند” إلى البنتاغون.
وعلى الرغم من أن كل ذلك لم يكن يعبر عن توجه رسمي من جانب “المؤسسة” الأمريكية، إلا أن ضررا فادحا قد لحق بعلاقات الجانبين، وانعكس على العلاقات العسكرية بينهما، على نحو أدى إلى الاعتماد على قواعد دول خليجية أخرى في العمليات العسكرية كعُمان وقطر.
وبدء تقليص التواجد العسكري الأمريكي في المملكة. فقد تم نقل حوالي 3 آلاف جندي، ومركز قيادة القوات الجوية، من “قاعدة الأمير سلطان” إلى قاعدة العيديد. وكان طبيعيا أن تتخذ القيادة المركزية قطر مقرا لها في ظل تلك الظروف. فتلك الخطوة تشير فقط إلى اتجاه العلاقات الأمريكية – القطرية نحو مرحلة جديدة، وليس المزيد من التدهور في العلاقات الأمريكية – السعودية.
سهم .. في اتجاه العراق
وإلى ذلك، فإن نقل ما وُصف بأنه معدات وموظفو القيادة المركزية من فلوريدا إلى الخليج، بصرف النظر عن أن ذلك يتم في قطر، يرتبط بالتوجهات العامة لإدارة العمليات العسكرية الأمريكية في الفترة المقبلة، إلا أن توازيه مع التهديدات الأمريكية ضد العراق، قد جعل منه – في أحد أهم أبعاده – أول مؤشر محدد على احتمالات بداية حشد عسكري أمريكي في اتجاه العراق، بما يحرك العملية برمتها من كونها “محتملة نظريا” إلى أن تصبح في وقت قريب “ممكنة عمليا”.
فالتهديدات الأمريكية بضرب العراق والتي لم تترافق مع حشد عسكري حقيقي، لم تكن تعني سوى أن هناك قرارا أمريكيا باستهداف بغداد، وإصرارا من جانب صقور الإدارة على تنفيذ القرار. لكن انتقال قيادة القوات، يعني بدء عملية بناء القوة اللازمة لتنفيذ القرار، دون أن يعني ذلك بالضرورة أنه مقدمة لبدء عمليات عسكرية معينة في وقت محدد، لاسيما بعد ما جاء في خطاب الرئيس بوش أمام الجمعية العامة للامم المتحدة، فلربما يتعلق الأمر بالاعتبارات التالية:
1. دعم مصداقية التهديدات العسكرية الأمريكية ضد العراق، في اتجاه الضغط على بغداد لقبول التفتيش الدولي، الذي خولت واشنطن الأمم المتحدة بمحاولة تنفيذه، وإثبات أن واشنطن لم تتراجع عن خيارها الأصلي، إذ لا يمكن للحكومة العراقية تجاهل أن قيادة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط قد أصبحت في الجوار.
2. تنفيذ سيناريوهات عسكرية محدودة لا ترتبط بتلك العملية الكبرى التي لا تزال تثير الجدل في واشنطن، والمتعلقة بالتدخل العسكري لإسقاط النظام العراقي. وتتصل تلك السيناريوهات بما يسمى الحرب الوقائية التي تستهدف المنشآت النووية، أو تنفيذ ضربة عقابية، أو ضربات إزعاج، لحين الاستقرار على الكيفية التي سيتم بها حسم المسألة العراقية.
إن ذلك قد يفسر نسبيا إصرار الدوحة على أن قطر لن تشارك في العمليات ضد العراق ولن تسمح باستخدام أراضيها في هذا الاتجاه. فاقتصار النشاط العسكري الأمريكي من قطر على إدارة العمليات وليس شنها أو التحرك في مواقف الأزمات، قد يمثل حل هذه المعادلة العويصة والمعقدة بالنسبة لقطر.
لكن حالات الحرب الفعلية تفرض منطقها ويمكن أن يتكفل إعلام الحرب في الوقت المناسب بتصوير “الحقائق” كما يريدها وليس كما هي.
د. محمد عبد السلام – القاهرة
إن ما يحدث حاليا في قاعدة العيديد الجوية في قطر، لا يرتبط بالضرورة بما يجري على مستوى العلاقات السعودية الأمريكية والتواجد العسكري الأمريكي في المملكة. فالمؤكد أن علاقات واشنطن والرياض دخلت إثر أحداث 11 سبتمبر حقبة من الارتباك والغموض، وأن الولايات المتحدة غيّرت الأدوار المناطة بحلفائها وشركائها في المنطقة ومن بينهم قطر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.