مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الدول العربية ولجنة حقوق الإنسان: حصيلة مزدوجة

السيد نبيل الرملاوي، السفير الفلسطيني لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف أثناء مداخلته أمام الجلسة الخاصة التي خصصتها لجنة حقوق الإنسان في جنيف يوم 24 مارس 2004 للنظر في الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة Keystone

على الرغم من أن جامعة الدول العربية من أقدم التنظيمات الإقليمية، حيث تأسست قبل قيام منظمة الأمم المتحدة، إلا أنها أخر من اعتمد ميثاقا اقليميا لحقوق الإنسان.

الدول العربية تميزت داخل لجنة حقوق الإنسان بتضامنها لدعم القضية والحقوق الفلسطينية، في حين كانت غالبيتها عرضة لإدانة مستمرة جراء انتهاك الحقوق والحريات في بلدانها.

وقعت الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية وهي مصر والعراق والأردن ولبنان والعربية السعودية وسوريا واليمن في 22 مارس عام 1945 على ميثاق الجامعة، مؤسسة بذلك واحدة من أقدم المنظمات الإقليمية قبل تأسيس منظمة الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو بأشهر.

ولاشك أن هذا التأسيس المبكر لا يشكل السبب (أو التعلة) الوحيد في تجاهل الدول العربية لعشرات السنين تخصيص ميثاق أو آليات واضحة لحماية حقوق الإنسان في بلدانها، التي أصبحت بعد تأسيس منظمة الأمم المتحدة، وبالأخص بعد اعتماد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948، الذي تحول شيئا فشيئا إلى المعيار الدولي للحكم الرشيد.

ولادة عسيرة لميثاق عربي لحقوق الإنسان

محاولات تدارك النقص لدى جامعة الدول العربية فيما يتعلق بآليات احترام حقوق الإنسان ضمن مواثيقها وآليات عملها استغرقت بعض الوقت ولا يمكن القول حتى اليوم أنها أصبحت من بين أولويات كل الدول الأعضاء.

فعلى مستوى المواثيق الدولية، لم تصادق أو توقع كل الدول العربية إلا على معاهدة حقوق الطفل بينما نجد أن دولا خليجية لم تصادق حتى الآن على العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية من جهة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، واللذين يعتبران أساس المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان.

وعلى المستوى العربي، أقرت الجامعة العربية في عام 1968 تأسيس “اللجنة العربية لحقوق الإنسان”. ولكن من بين نقائص هذه اللجنة الخاضعة لمجلس الجامعة (أي للدول الأعضاء)، أن مهامها تقتصر على الترويج لاحترام حقوق الإنسان وليس من حقها رفع تقارير عن انتهاك تلك الحقوق في أي بلد من الدول الأعضاء.

وفي خضم الإحتفال بمرور خمسين عاما على قيام الجامعة، تم اعتماد الصيغة الأولى من ميثاق عربي لحقوق الإنسان في عام 1994. وهي صيغة يصفها الدكتور محمد أمين الميداني، الخبير العربي في ميدان حقوق الإنسان، بأنها “صيغة بدائية تشتمل على آليات تطبيق قليلة”. ونظرا لوجود رغبة في إدماج ما تنص عليه المواثيق الدولية من إعلان عالمي وصكوك دولية، وما نص عليه ميثاق القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام، فإن الصيغة التي تمت بلورتها تضمنت بعض المتناقضات التي جعلتها تبقى مجرد حبر على ورق طوال عدة عقود.

وأمام ضغط منظمات المجتمع المدني التي بدأت تظهر في العالم العربي خلال العقد الأخير، وبفضل دعم المنظمات الحقوقية الدولية، وبالأخص بفضل دعم مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، شرع ابتداء من العام 2003 في مراجعة بنود هذا الميثاق العربي لحقوق الإنسان لكي تعرض صيغته النهائية في 23 مايو 2004 على القمة العربية في تونس وتعتمد من قبل قادة الدول العربية.

ويبقى العنصر السلبي في الميثاق العربي لحقوق الإنسان، في نظر الخبير العربي الدكتور محمد أمين الميداني متمثلا في “عدم تعزيز آليات المراقبة”، بحيث بقيت هذه المهمة بين أيدي اللجنة العربية لحقوق الإنسان المكونة من سبعة خبراء والتي تكتفي بتلقي تقارير من الدول الأعضاء.

يضاف الى ذلك أن الميثاق العربي لحقوق الانسان لم يدخل بعد حيز التطبيق لأنه يحتاج الى مصادقة 7 دول على الأقل، إلا أنه لم توقع عليه إلى حد نهاية عام 2005 سوى ثلاث دول هي مصر وتونس وقطر.

تجند عربي حول المسألة الفلسطينية

على صعيد دولي، يتضح من متابعة نشاطات الدول العربية داخل لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة (مقرها جنيف) خلال العقود الأخيرة أن الدول العربية تبدي تجندا كبيرا عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ويصمت صوتها عندما يتعلق الأمر باحترام الحريات داخل حدودها. بل إن العديد من الدول العربية أصبحت خلال السنوات الأخيرة، إما عن حق أو خطأ، محط مراقبة مستمرة من قبل آليات لجنة حقوق الإنسان ومحط إدانة في بعض الأحيان من قبلها.

لقد نجحت الدول العربية في إبقاء القضية الفلسطينية بندا قارا ضمن جدول أعمال لجنة حقوق الإنسان رغم محاولات إسرائيل والولايات المتحدة وبعض من حلفائهما إقصاء الموضوع عن النقاش تارة بدعوى “تجنب المساس بالمسارات السلامية” المتتالية، وتارة أخرى بحجة “تجنب تسييس لجنة من المفروض أن تبقى مهتمة بحقوق الإنسان”.

وعلى مدى العشريات الماضية، لم تخلُ دورة من دورات لجنة حقوق الإنسان من استصدار جملة من اللوائح المنددة بالانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين والأراضي العربية المحتلة سواء في سوريا أو لبنان.

وقد أظهر ممثلو الدول العربية كثيرا من اللباقة أتاحت لهم فرض عقد جلستين خاصتين للجنة حقوق الإنسان الأولى عند بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أكتوبر 2000 والثانية عقب الحصار الذي فرضته قوات الإحتلال الإسرائيلي على مقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ابتداء من يونيو 2002.

وعلى الرغم من أن الإلحاح العربي على طرح الموضوع الفلسطيني للنقاش داخل لجنة حقوق الإنسان لم يغير الشيء الكثير بالنسبة للمواطن الفلسطيني، إلا أن بعض الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، اتخذت من ذلك ذريعة لاتهام لجنة حقوق الإنسان بـ “الانزلاق نحو التسييس”، وهي اتهامات وردت أيضا على لسان بعض الدول الأوروبية.

فشل مـزدوج

إذا كانت الدول العربية قد أفلحت نسبيا في الإبقاء على قدر من الإهتمام بالملف الفلسطيني، إلا أنها لم تنجح في طرح مسألة انتهاك حقوق المواطن العراقي عقب الغزو الأمريكي البريطاني للبلاد. فقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها عدد من الدول (بما في ذلك فرنسا وألمانيا اللتان عارضتا غزو العراق خارج نطاق ترخيص من مجلس الأمن الدولي)، تبرير الرفض بأن الموضوع مطروح للنقاش داخل مجلس الأمن وبالتالي ليس من حق لجنة حقوق الإنسان أن تتطرق إليه.

ومع أن ذلك التوجه يعكس قرار غالبية الدول الأعضاء إلا أنه تم إقراره في ظل رئاسة ليبية (أثارت الكثير من الجدل حينها) للجنة حقوق الإنسان، وهي المرة الأولى التي تولت فيها سيدة عربية ومسلمة رئاسة محفل أممي من هذا النوع.

وتبعا لذلك، لا زالت لجنة حقوق الإنسان حتى يوم الناس هذا مستمرة في معالجة ملف حقوق الإنسان في العراق مكتفية برصد الانتهاكات التي تمت في عهد نظام الرئيس المخلوع صدام حسين دون ان تجرؤ على التطرق للانتهاكات الخطيرة التي تم الكشف عنها بعد الغزو. وهو ما زاد في إضعاف مصداقية لجنة تفتقر أساسا إلى المصداقية.

وإذا كانت قلة من الدول العربية قد أصبحت خاضعة لمراقبة مقرر أممي خاص، بل حتى إلى إدانة مزمنة داخل لجنة حقوق الإنسان منذ سنوات (مثل العراق والسودان)، فليس معنى ذلك أن البقية تحظى بسجل مشرف في مجال حقوق الإنسان. بل كل ما في الأمر هو أن هذه الدول العربية استفادت من التكتلات الظرفية التي عرفتها لجنة حقوق الإنسان، وأنها استطاعت – بفضل انتماءها الجغرافي المزدوج الى كل من القارة الإفريقية والآسيوية – الحصول على دعم غالبية أعضاء اللجنة مما سمح لها بتجنب أية إدانة.

يُضاف إلى ذلك أن الرئاسة الليبية للدورة التاسعة والخمسين للجنة حقوق الإنسان، قد استغلت من طرف البعض (على الرغم من حسن إدارتها) للتشكيك في حق بعض الدول في عضوية محفل دولي لحقوق الإنسان من هذا القبيل بدون تحسين سجها في هذا المجال. ومن المؤكد أن هذا الجدل ستكون له تأثيراته عند حسم موضوع إقامة مجلس حقوق الإنسان الذي تقرر أن يحل محل اللجنة.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية