“الدويلات الصغرى”.. النفط بخدمة السياسة
اتفق عدد من الخبراء المتخصصين في السياسة والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس، على بروز ظاهرة الدويلات المتناهية في الصغر في العالم العربي.
كما أوضحوا أن هذه الدويلات تسعى بقوة للبحث عن دور وحجز مكان على الخارطة السياسية، مشيرين إلى أن “وفرة الموارد النفطية لعبت الدور الأكبر في دعمها، تنموياً وسياسياً”، مع ملاحظة أن هذه الدويلات كانت الأكثر نزوعاً ناحية احترام حرية الرأي والتعبير، وهو ما عاد إيجاباً على نزاهة الانتخابات بها”.
يقول الدكتور صلاح عبد المتعال، أستاذ الاجتماع والخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: “هذه الدويلات الصغيرة خرجت من رحِـم الاستعمار بموجب اتفاقية سايكس بيكو، التي استهدفت تفتيت الأمة العربية والإسلامية إلى دويلات صغيرة، كما استعمل الاستعمار حكامها في زرع الخلاف بين الدول العربية، حتى لا تتجمع مرة أخرى، ومن ثم، تظل بحاجة إلى حمايته”، معتبراً أن “تدفق الثروة النفطية، ساعد هذه الدويلات على الظهور على الخارطة السياسية العربية والدولية أيضاً”.
وأوضح عبد المتعال، عضو المكتب السياسي لحزب العمل الإسلامي المصري (المجمد)، أن “هذه الدويلات استطاعت بفضل القوة المالية أن تغيِّـر شكل المنظومة القبلية، التي كانت عليها، لتتحول إلى أشكال من الدولة الحديثة، حيث ذهب أبناؤها لطلب العِـلم في مصر وأوروبا، فارتفع مستواهم التعليمي”، مشيراً إلى أن “الحكّـام أرسلوا أبناءهم في بعثات لأوروبا، للحصول على أعلى الشهادات العلمية”.
قيادات الإخوان
ويُـلفت عبد المتعال إلى أن “الكويت كانت رائدة في الأخذ بنظام الحياة البرلمانية، دون تشكيل أحزاب سياسية، كما أنها كانت منذ الستينيات منفذاً للفكر، وكانت الواحة التي تنظَّـم فيها المؤتمرات، خاصة في عهد الانغلاق المصري في الحِـقبة الناصرية”، مشيراً إلى “الإنشاءات والتعمير والتطوير في مجالات التعليم والصحة والبنية الأساسية” التي شهدتها.
ويشير الدكتور عبد المتعال إلى أن “هناك أمر لابد أن ننتبه إليه، ألا وهو استقبال دول الخليج، وخاصة هذه الدويلات الصغيرة، لعدد كبير من قيادات جماعة الإخوان المسلمين بمصر، الذين فرّوا بحياتهم من مقصلة الإعدام، التي أعدها لهم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر في ستينيات هذا القرن، ففتحت لهم هذه الدويلات أبوابها، بل وبوأتهم أرفع المناصب، فكانوا سببا في نهضة علمية ودينية كبيرة بها”.
ويستطرد عبد المتعال قائلاً: “لعل أوضح مثال على ذلك، تجربة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في قطر. فقد كان قدومه إليها فراراً من اضطهاد عبد الناصر للإخوان، فاتحة خير على هذه الدويلة، التي كانت في طي النسيان، فأضحت اليوم منارة للعلم والإعلام، ومكاناً متميزا لإقامة المعارضة الدولية والمهرجانات والمؤتمرات”، حسب قوله.
ويضيف أيضا: “كما أذكر على سبيل المثال، القياديان عز الدين إبراهيم، والدكتور مرسي عبد الله، اللذين استقر بهما المقام في دولة الإمارات العربية المتحدة، وظلا يتقلدان المناصب بها، حتى صارا مستشارين للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهناك الكثير والكثير منهم لا زال موجودا منذ 40 عاما، ومعظمهم تجنسوا بجنسيات هذه الدويلات التي فتحت ذراعها لهم”.
الثروة النفطية
ويذكر الدكتور عبد المتعال أن من أهم العوامل التي ساعدت هذه الدويلات في الظهور، وحجز مكان لها في الخارطة الدولية: الثروة النفطية الكبيرة والانفتاح على العالم إعلاميا، والاهتمام بعقد واستضافة المؤتمرات والسعي لتحقيق نهضة ثقافية ورصد الجوائز الدولية في الكثير من المجالات العلمية والثقافية، فضلاً عن قيامها بإنشاء مؤسسات علمية وشرعية دولية”.
ويقول عبد المتعال: “عندما تم التفكير في إنشاء قناة الجزيرة القطرية، مثلاً، كان الهدف أن تكون على نسق قناة الـ بي بي سي (مستقلة)، وقد استطاعت هذه القناة، خلال عشر سنوات فقط، أن تصبح أحد أهم أسباب ظهور قطر بروزها على الخارطة السياسية.
ويختتم عبد المتعال حديثه قائلاً: “هذا عن الكويت وقطر، أما الإمارات، فقد انشغلت بالعمل الاقتصادي الهادئ، واليوم أصبحت دُبي من أكبر المدن التجارية في العالم العربي، أما البحرين، فإن الحضارة والأسس الثقافية القديمة بها كانت عاملاً أساسياً من عوامل تقدّمها وبروزها سياسياً”.
الدكتور علي ليله، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس يتفق مع الدكتور عبد المتعال فيما ذهب إليه، ويضيف: “النظام العربي تسوده حالة من الفوضى وفقد تماسكه. فمن 20 عاما فقط، كان العرب أكثر تماسكاً من اليوم، ومصر التي كان يُـراد لها أن تكون قاطرة الدول العربية، انسحبت تقريباً من القضية المركزية في العالم العربي، وهي القضية الفلسطينية منذ أن وقعت اتفاقية كامب ديفيد”، مشيراً إلى أن “قطر اليوم تقدم نفسها كبديل عن مصر في الملف الفلسطيني الإسرائيلي أو ما نطلق عليه ملف الشرق الأوسط”..
ظاهرة غير صحية
ويرى الدكتور ليله أن “الدويلات الصغيرة ظاهرة غير صحية، لأن الدول الكبيرة لن تستطيع أن تمسك البَـوصلة وتوجّـه الأمور كما كانت تفعل أو كما يُـرجى منها، لأن هناك دويلات صغيرة تمسك ببَـوصلة أخرى وتقود لاتِّـجاه آخر ولديها نزعة إلى الاستقلال بنفسها والبحث عن دور خارج السرب العربي”.
ويشير ليله إلى أن “هناك دول عربية كبيرة من حيث عدد السكان أو المساحة، لكنها منكمشة على نفسها ولا ترغب في لعب أدوار مهمّـة، وهناك دويلات صغرى تبحث عن دور”، معتبراً أن “الكِـبَر مرهون بالفاعلية والتأثير، وهو يحتاج إلى عوامل أخرى وأدوات مختلفة، ومن ثم، فمَـهما فعلت هذه الدويلات، ستبقى دويلات صغيرة، خاصة في ميزان التأثير الدولي ومن حيث القرارات الصادرة”.
وينظر الدكتور ليله إلى ظاهرة تبرّع هذه الدويلات النفطية بالمساعدات للفلسطينيين (أو حتى لإسرائيل!)، على أنها نوع من الرغبة في البحث عن دور والبروز في أوقات الأزمات، رافعة شعار “نحن هنا”، مؤكداً على أن “تقدير الوزن الحقيقي للدول، أمر مهم للغاية”.
ويستغرب الدكتور ليله السلوك السياسي للدول العربية، حيث “تعطي كل دولة عربية ظهرها للأخرى، فيما تبحث دول عربية عن ظهر يحميها، فتُـسارع بالارتماء في أحضان الدول الكبرى، التي لا تتورّع عن امتصاص خيراتها، بل وتكاد تبتلعها، فضلاً عن تسخيرها للعب أدوار في منطقتها تصبّ في النهاية في مصلحتها.
ويقول ليله: “تُـطالِـعنا وسائل الإعلام – أحيانا- بأخبار مثيرة عن أثرياء من الخليج، تبرع أحدهم بملايين الدولارات لبناء مستشفى لعلاج الكلاب في أمريكا وآخر يتبرع لفقراء أمريكا بملايين الدولارات، وثالث يتبرع لبناء مدرسة في إسرائيل”.. ويُـعلق على هذا السلوك قائلا: “أعتقد أن هذا السلوك “الإنفاقي”، يعكس الرّغبة في الظهور ولفت الانتباه.
ويختتم الدكتور علي ليله حديثه قائلاً: “العالم العربي بحاجة إلى زعيم قوي يمسك بزمام الأمور ويوحِّـد كلمته، بعدما فشلت الجامعة العربية في لعب هذا الدور، رغم مرور ستة عقود على إنشائها، حيث هي اليوم لا تزيد عن أنها مجرد هيكل وجسد بلا روح، فهي في النهاية ناتج مجموعة من الأصفار”، على حد تعبيره.
تشتري التكنولوجيا!!
ومن جهته، يرى الدكتور إيهاب الدسوقي، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، أن: “هناك عدداً من المؤشرات قد يحسن أن نحددها عند الحديث عن هذه الظاهرة، وهي: معدل النمو الاقتصادي وتحسين البنية الأساسية وتمتين العلاقات الدولية”، مستدركا بأن “هذا لا يعني أن هذه الدويلات أصبحت دولاً متقدمة أو أنها أصبحت دولاً كبرى”.
ويتفق الدكتور إيهاب مع عبد المتعال وليله في أن هذه الدويلات “تعتمد بالأساس على الموارد النفطية، ولولاها، ما استطاعت تحقيق كل هذه الأشياء”، ويضيف قائلاً: “يحسب لها استثمارها للنفط، ويؤخذ عليها عدم قدرتها على دخول عالم الصناعة بقوة، رغم أن إمكانياتها المادية تسمح لها بذلك”، معتبراً أن المشكلة في “أن هذه الدويلات اكتفت بشراء التقدم ولم تصنعه واكتفت بشراء التكنولوجيا دون محاولة الوصول إلى أسرارها”.
أما عن مسألة تبرع بعض أثرياء هذه الدويلات بأموال هنا وهناك، فيقول الدسوقي: “في تقديري أن هذه حرية شخصية، ولماذا لا نكون صُـرحاء فنقول إن هذه الدويلات تجد في الدول الكبرى (أمريكا – بريطانيا – فرنسا)، القدرة على الحماية. فهذه الدول تفتح لهم ذراعها وتحميهم وقت الشدة، وأبرز مثال على ذلك، مسارعة الكويت لطلب الحماية من أمريكا بعدما احتلّـها الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.
حرية وانتخابات نزيهة
محمد أبو الفضل، الخبير في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بمؤسسة الأهرام، يتفق مع الخبراء في أن هذه الدويلات برزت إلى الساحة السياسية بقوة، وأنها لفتت الانتباه وأنها تسعى – أحيانا – إلى لعب دور واضح عن طريق طَـرح مبادرات أو السعي لحل قضايا، عجَـزت عن حلها دول كبرى، غير أنه يستدرك قائلا: “يجب أن يكون في حساباتنا أن هذا الدور في النهاية له علاقة بالوضع الديموغرافي، والبيئة والظروف المحيطة والقدرات”.
ويوضح أبو الفضل أن “قدرتك على الفعل والحوار، ليست في مجال طرح مبادرات وحسب، فالعرب لا تنقصهم المبادرات ولا الشعارات، ولكن القدرة على الفعل والتأثير، فنحن للأسف، أمّـة تتكلّـم أكثر مما تفعل”، مشيراً إلى أن هذه الدويلات، بالإضافة إلى موريتانيا “تمتاز بدرجة أكبر من حرية الرأي والتعبير والانتخابات النزيهة”.
ويصل أبو الفضل إلى القول بأن “المراقب الراصد لهذه البلدان، يجد أن الانتخابات التشريعية التي جرت فيها – خلال العشرين عاما الماضية – امتازت بدرجة عالية من الشفافية وقلّ فيها التزوير أو الشكوى من وجود تدخّـلات من الدولة لصالح مرشحي الحكومة، وهذا أمر يحسب لها”.
وهذا الرأي يؤكده الخبير والمحلل السياسي الأفغاني، الدكتور عبد الباقي عبد الكبير، مضيفا: “هذه الدويلات الصغيرة في العالم العربي، استطاعت خلال مدة قصيرة أن تظهر على السّـطح وأن تحجز لنفسها مكاناً على الخريطة السياسية، وهو أمر بلا شك مُـلفت للنظر ومثير للدراسة، ولكن معرفة الواقع والاستفادة من معرفة التدافع في العلاقات الدولية، هي التي فتحت لها هذه الساحة السياسية”.
ويقول عبد الكبير: “هذه الدويلات الصغيرة، مثل قطر والبحرين وسلطنة عمان والكويت والإمارات العربية المتحدة، على ضيق مساحتها وقلة سكانها، استطاعت عبر نوافذ أخرى أن تظهر في الكادر من خلال الانفتاح على الإعلام بإنشاء قنوات فضائية وإقامة المؤتمرات والندوات والمهرجانات والمعارض الدولية للكتب ورصد الجوائز القيِّـمة سنوياً”، معتبراً أن “العامل الأساسي المحفِّـز على كل هذا، هو العائدات النفطية الكبيرة ومتوسطات دخول الأفراد العالية”.
القاهرة – همام سرحان
بنية تحتية ممتازة، شبكة طرق وموانئ ومطارات ووسائل نقل واتصالات، وفرة في الموارد النفطية، تفاعل نشط مع الاقتصاديات الإقليمية والعالمية، اتجاه لمزيد من الحرية والإصلاح والتحول الديمقراطي، انتخابات حرة ونزيهة، غير موجودة بالدول العربية الكبيرة.. تلك أهم ملامح الدويلات الصغرى في العالم العربي.
وعلى الرغم من أنها تسعي للعب أدوار متزايدة، وتحاول ما استطاعت حجز مكان لها على الخريطة السياسية للعالم العربي، إلا أن هذا لا يعني أنها أصبحت دولاً كبرى، أو أنه يمكن نعتها بالدول المتقدمة، فمازالت أوزانها السياسية محدودة للغاية، وفي أحيان كثيرة يروق لها أن تغرد خارج “السرب” العربي.
مملكة البحرين: تقع في وسط الخليج العربي، شرق السعودية، وشمال قطر، في جنوب غرب قارة آسيا، يربطها بالسعودية جسر الملك فهد، الذي يمتد لمسافة 25 كم تقريباً، من مدينة الخبر السعودية. والبحرين عبارة عن أرخبيل من الجزر، يتكون من 33 جزيرة، أكبرها البحرين (591 كم2 حوالي 83% من مساحة المملكة). وسميت المملكة بالبحرين، نسبة لمسمى للجزيرة الكبرى، و الذي يعتقد أنها سميت بذلك لسبب وجود ماء الينابيع العذبة و التي تسمى كواكب وسط ماء البحر المالح.
قطر: تقع شرق شبه الجزيرة العربية، جنوب غرب آسيا، وتطل على الخليج العربي، ولها حدود برية مشتركة من الجنوب مع المملكة العربية السعودية وبحرية مع دولة الإمارات العربية المتحدة. وقطر شبه جزيرة تقع في منتصف الساحل الغربي للخليج العربي، تتصل براً بالمملكة العربية السعودية، وتجاور كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين و إيران. تتبع دولة قطر بعض الجزر، أهمها جزر حالول وشراعوه والأسحاط وغيرها، تتكون أراضيها من سطح صخري منبسط مع بعض الهضاب والتلال الكلسية في منطقة دخان في الغرب ومنطقة جبل فويرط في الشمال، ويمتاز هذا السطح بكثرة الأخوار والخلجان والأحواض والمنخفضات، التي يطلق عليها (الرياض) وتتواجد في مناطق الشمال والوسط التي تعتبر بدورها من أخصب المواقع التي تكثر فيها النباتات الطبيعية.
الإمارات العربية المتحدة: تقع شرق شبه الجزيرة العربية، جنوب غرب قارة آسيا، وتطل على الشاطئ الجنوبي للخليج العربي، ولها حدود مشتركة من الشمال الغربي مع دولة قطر، ومن الجنوب و الغرب مع المملكة العربية السعودية، و من الجنوب الشرقي مع سلطنة عُمان. تأتي تسمية الإمارات نسبة إلى الإمارات السبع المشكلة للإتحاد و هي: أبو ظبي ودبي والشارقة وعجمان ورأس الخيمة وأم القيوين و الفجيرة.
سلطنة عمان: تقع في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، في جنوب غرب آسيا، لها حدود مشتركة من الشمال الغربي مع دولة الإمارات العربية المتحدة، و من الغرب مع المملكة العربية السعودية، و من الجنوب الشرقي مع اليمن. ولديها شاطئ يبلغ طوله حوالي 3200 كم مطل على بحر العرب و الخليج العربي.
الكويت: تقع شرق شبه الجزيرة العربية، في جنوب غرب القارة الآسيوية على الخليج العربي، يحدها من الشمال العراق، ومن الجنوب السعودية. سميت بالكويت نسبة إلى الكوت، والكويت هو تصغير للفظ الكوت باللغة العامية والكوت عبارة عن بناء يخزن فيه الأسلحة. تأسست في أواسط القرن الثامن عشر. وأول من بنى الكوت هو براك أمير بني خالد، وذلك في آخر سنة 1110هـ ليستخدمه في وضع الزاد والمتاع، تم إصدار الدستور الكويتي عام 1961.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.