الديمقراطية في اليمن.. تحديات تتجاوز المسألة السياسية
بتنظيم الانتخابات الرئاسية، وضع اليمن نفسه مرة اخرى امام تحدي اقامة نظام ديمقراطي يضمن الانتقال السلمي للسلطة كشرط للاستقرار والتنمية والتقدم الاجتماعي.
فرغم الضجيج الذي رافق عملية انتخاب رئيس للجمهورية، فإن كل مكونات الخارطة السياسية، تؤكد ان اليمن حقق تقدما ملموسا في مساره الديمقراطي ووضع نفسه امام امتحان تطوير اجتماعي واقتصادي يوازي ما حققه في الميدان السياسي.
يوم الاربعاء 20 سبتمبر الماضي، توجه اليمنيون الى صناديق الاقتراع في اول عملية جدية لانتخابات رئيس للجمهورية من بين خمسة مرشحين بعد حملة انتخابية شرسة دامت شهرا كاملا، استخدم فيها المرشحون كل اسلحتهم السياسية والاعلامية والدعائية بما فيها سلاح التشهير الذي كان يمكن ان يودي بمن يقوم به الى المحاكم، لو كانت العملية الانتخابية تدور في دولة اخرى.
المنافسة الحادة اقتصرت من بين المرشحين الخمسة على اثنين، الاول علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية منذ 1987 ومرشح المؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم في البلاد والثاني فيصل بن شملان وزير النفط السابق والنائب في البرلمان الحالي مرشحا عن “اللقاء المشترك”، التكتل المعارض القوي الذي ضم أحزابا ذات توجهات اصولية وماركسية وقومية.
ومنذ بدء العملية الانتخابية كان الجميع يدرك ان الرئيس علي عبد الله صالح هو الفائز في هذه الانتخابات، لكن صالح الذي يستند على قدرته في تدبير شؤون البلاد وقيادتها نحو الاستقرار بعد سنوات من القلق عاشته البلاد منذ اقامة النظام الجمهوري 1962، كان يراهن في العملية الانتخابية على ان يسجل التاريخ له على المدى الاستراتيجي تطوير الديمقراطية في نظامه السياسي من خلال رئاسيات تضع بلاده تحت الاضواء والاهتمام في منطقة لا زالت تنظر بغير ارتياح للعملية الديمقراطية.
نسبة الفوز .. هي المهمة
فالرئيس اليمني منذ اعلانه عن رغبته عدم الترشيح في يوليو 2005، ثم إعلانه في يوليو 2006 عن قبوله قرار حزبه بالترشح (وهو ما وصف في حينه بـ”المسرحية”)، ثم تحمله “كرئيس للدولة” قساوة المعارضة واتهاماتها له، أضاف للمسار الديمقراطي اليمني وللحراك السياسي في الاقليم خطوات هامة
فقد أزال بخطوته تلك القدسية عن منصب رئيس الدولة، والغى مبدأ ديمومة الشخص ودفع نحو مبدأ ان الرئاسة حق لكل مواطن يتمتع بمواصفات حددها الدستور ويختاره الشعب بحرية وان الرئيس معرض للمحاسبة الديمقراطية من خلال صناديق الاقتراع وايضا رفع وعي المواطن بحقه في رسم سياسة بلاده من خلال دوره في اختيار رئيس الدولة.
واذا كانت هذه من بديهيات الديمقراطية وكنهها، فإن المقاييس التي يجب أن تعتمد لتقييم ما جرى في العشرين من سبتمبر 2006 يجب ان تكون مقاييس يمنية وإقليمية، أي تأخذ بعين الاعتبار المسار التاريخي لليمن وظروفه السياسية الاقتصادية والاجتماعية وأيضا ما يعرفه محيطه وجواره المباشر والقريب من تطورات.
ورغم الادراك المسبق بأن علي عبد الله صالح هو القادم من صناديق الاقتراع رئيسا للبلاد لولاية جديدة، فإن سخونة المعركة الانتخابية اليمنية تركزت على النسبة التي سيفوز بها وتلك التي سيحصل عليها منافسوه وتحديدا فيصل بن شملان مرشح اللقاء المشترك.
ومع اشتداد الحملة الانتخابية واستهدافه شخصيا وبقساوة من المعارضة، دفع انصار الرئيس الى حصوله على نسبة عالية من الاصوات كرد على المعارضة واظهار “هامشيتها” في المشهد السياسي.
وكانت المعارضة اليمنية التي تمثلت في “اللقاء المشترك”، وهي التجمع اليمني للاصلاح (الاصولي) والحزب الاشتراكي اليمني (اليساري الماركسي) والحزب الوحدوي الناصري، بالاضافة الى تأكيد حضورها الفاعل في المشهد السياسي، تسعى الى الاستفادة من الحملة الانتخابية وتواصلها على مدى شهر كامل مع المواطنين سواء كان ذلك عبر التجمعات واللقاءات المباشرة مع المواطنين او من خلال في وسائل الاعلام العمومية.
كانت المعارضة تدرك ان الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وحساسية دول الاقليم من التنمية السياسية والديمقراطية اليمنية وتجيير هذه الحساسية لصالحها، يساعدها على كسب تعاطف مواطنيها وإسماع صوتها العالي داخل البلاد وخارجها.
كيف سيتصرف الرئيس؟
واذا كان الاتفاق بين مكونات المشهد السياسي اليمني على الحراك السياسي الايجابي الذي شهدته البلاد طوال شهر كامل، بما يضيف للتنمية السياسية وبناء الديمقراطية في بلاد تصل نسبة انتشار الامية فيها الى اكثر من 45 بالمائة، والفقر واضح المعالم في شوارع مدنها، فإن تقييماتها تتباين في المرحلة التي تلت ذلك ان لجهة عملية الاقتراع او لدى إجراءات فرز الأصوات واحتسابها التي يؤكد المؤتمر الشعبي الحاكم نزاهتها وتدفع المعارضة في خروقات شابتها دون أن تشكك في مصداقية العملية برمتها.
هذه التباينات لم تتمحور حول مصداقية فوز الرئيس علي عبد الله صالح بل حول نسبة الاصوات التي اهلته لهذا الفوز، لان النسبة اعتبرت مقياسا للقوة والتأثير. وأن كانت الاصوات ليست المقياس الدقيق في الحالة اليمنية، نظرا للمكانة الخاصة للرئيس صالح بعيدا عن حزبه المؤتمر الشعبي.
أما السؤال الذي كان مطروحا وقبل اعلان النتائج فيتعلق بكيفية تصريف الرئيس علي عبد الله صالح فوزه خلال المرحلة القادمة، وما الذي سيقدمه خلال ولايته الجديدة.
على الصعيد السياسي يبدو الحرص واضحا على ازالة غبار الحملة الانتخابية وما يمكن ان تكون قد تركته قساوتها وشراستها في النفوس. خاصة وان اللقاء المشترك شخصن الحملة وركزها على الرئيس صالح وتجاهل فيها كل ما عرفته البلاد خلال سنوات حكمه من منجزات على صعيد استقرار البلاد واعادة الوحدة بين شطري اليمن والانفتاح السياسي وتطويره، وأن المؤتمر الشعبي كال للمعارضة واحزابها ومرشحها فيصل بن شملان اتهامات قاسية وصلت الى حد التشكيك في انتمائها لليمن.
آنيا سيكون على الرئيس علي عبد الله صالح، إعادة الحوار السياسي مع المعارضة لاعادة ادماجها في النظام السياسي على اسس الاحترام والتفاعل بين اطراف كلها معنية بالتحديات التي تواجه البلاد من فقر وامية وتخلف اقتصادي واجتماعي وفساد اداري. وهي التحديات التي تمحورت حولها البرامج الانتخابية لكل المرشحين.
إن الفشل في تذليل هذه التحديات سيهدد استقرار البلاد وامنها، ولن يكون ما حققته البلاد خلال العقود الماضية من مكاسب سياسية كافيا لصد تداعيات هذه التحديات وهو ما اشار اليه الرئيس اليمني في كل ما صرح به وقاله خلال الحملة الانتخابية او بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات.
محمود معروف – صنعاء
أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء يوم السبت 23 سبتمبر 2006 في صنعاء عن فوز مرشح المؤتمر الشعبي العام الرئيس على عبدالله صالح بولاية رئاسية جديدة وفقاً للنتائج النهائية التالية:
إجمالي من أدلوا بأصواتهم : 6.025.818
الأصوات الصحيحة : 5.377.238
الأصوات الباطلة : 648.580
الفائز بانتخابات رئيس الجمهورية: علي عبد الله صالح مرشح المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) حصل على 4.149.673 صوت (أي بنسبة 77.17% من إجمالي أصوات الناخبين)
أما الدكتور فيصل بن شملان، مرشح أحزاب اللقاء المشترك المعارضة فحصل على 1.173.025 صوت (أي بنسبة 24.52% من أصوات الناخبين)
ملاحظة: المديريات التي لم يتم الاقتراع فيها: 5 من 330
الدوائر المحلية لم يتم فيها الاقتراع أو توقف الفرز فيها:147 من 5620
في بيان صادر يوم 24 سبتمبر، أكد اللقاء المشترك أن النسبة الحقيقية التي حصل عليها مرشح المؤتمر الشعبي العام علي عبد الله صالح هي 68.86% من إجمالي المقترعين فيما حصل المهندس فيصل بن شملان على 19.47%.
اعتبر اللقاء المشترك في بيانه أن اللجنة العليا للإنتخابات بإعلانها عن حصول مرشح المؤتمر للرئاسة على 77% مخالف للدستور حيث ألغت اللجنة الأصوات الباطلة من إجمالي عدد المقترعين, مؤكدا بأن نص المادة (108) الفقرة (و) تؤكد على أنه: “يعتبر رئيسا للجمهورية من يحصل على الأغلبية المطلقة للذين شاركوا في الانتخابات، واذا لم يحصل أي من المرشحين على هذه الأغلبية أعيد الانتخاب بنفس الإجراءات السابقة للمرشحين الذين حصلا على أكثر عدد من أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم”. لذلك، ووفقا للمادة المذكورة أعلاه، يرى “اللقاء المشترك” أنه يجب احتساب نسب أصوات مرشحي رئاسة الجمهورية طبقا لعدد من ادلوا بأصواتهم.
وبعد أن أشار بلاغ “اللقاء المشترك” إلى الأرقام التي أعلنتها اللجنة العليا، اعتبر أن النسب الصحيحة لما حصل عليه المرشحون للرئاسة تصبح كالآتي:
علي عبد الله صالح: عدد الاصوات 4149673 ونسبته ممن ادلوا بأصواتهم 68.86%
مصطفى بن شملان: عدد الاصوات 1173075 ونسبته ممن ادلوا بأصواتهم 19.47%
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.