الرجل الذي شغل سويسرا!
أثار إصرار حزب الشعب السويسري على ترشيح زعيمه كريستوف بلوخر لعضوية الحكومة الفدرالية أو الانسحاب إلى موقع المعارضة زوبعة ً سياسية.
فإذا كان هناك إجماع سويسري ما حول شخصية بلوخر فلن يزيد عن التأكيد على أنه سياسيٌ … مثيرٌ للجدل.
صعب أن يتحدث كريستوف بلوخر دون أن يثير الانتباه. فزعيم حزب الشعب السويسري، البالغ من العمر 63 عاما، معروفٌ بأسلوبه المباشر في النطق بأرائه وإلى مدىً يمكن وصفه بأنه بعيد عن الدبلوماسية بأشواط.
يكفي أن يتذكر المرء ما قاله بلوخر خلال مرحلة التمهيد للاستفتاء الشعبي على انضمام سويسرا إلى الأمم المتحدة، عندما وصف ما أسماه بـ “حملة الدولة الدعائية” لذلك الانضمام بـ “الدعارة بالديمقراطية”، كي تتحدد ملامح الجدل الشديد الذي يثور دائما ًحول شخصيته في داخل سويسرا وخارجها.
يتخذ هذا العنصر أهمية ملحة هذه الأيام بعد الانتصار الكبير الذي أحرزه حزب الشعب السويسري في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم الأحد الماضي.
فالحزب لم يرشح السيد بلوخر لتولي المقعد المقترح الثاني له في الحكومة الفدرالية فحسب، بل هدد بانسحابه ككتلة يمينية إلى المعارضة في حال رفض البرلمان اعتماد الترشيح.
وكما في كل مرة يدور فيها الحديث عنه، جاءت ردود الفعل المعارضة له صارخة في رفضها. على سبيل المثال، حددت السيدة دومينيك شواب رئيسة فرع الحزب الاشتراكي الديمقراطي في كانتون زيورخ موقفَها من هذا الترشيح بالقول في حديث مع سويس إنفو: “إنه رجل مغرم بذاته وحزبه وكذلك مهووس بنفسه، وهذه خصلة سيئة لشخص يسعى إلى الانضمام إلى هيئةٍ (الحكومة) تقوم على مفهوم التعاون”.
من هو بلوخر إذن ؟
كريستوف بلوخر سياسيٌ مخضرم. هذا أمر لا يشكك فيه أحد. فقد انخرط في العمل السياسي كعضو برلماني منذ 25 عاماً.
وهو أيضا زعيم حزب الشعب السويسري بلا منازع رغم عدم توليه رئاسة الحزب رسمياً (يرأس الحزب السيد أولي ماورر).
وكما قال السيد ماورر نفسه مباشرةً بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية مساء يوم الأحد الماضي، فإن الفضل يعود إلى بلوخر في النجاح الصاروخي الذي يعايشه الحزب هذه الأيام.
فقد أعاد تشكيل حزب الشعب السويسري في بداية التسعينات وحوله من حزب أقلية، لا تزيد حصته من أصوات الناخبين على مستوى سويسرا عن 11% ، إلى حزب رئيسي يتمتع بأعلى نسبة تأييد شعبية وصلت في انتخابات 19 أكتوبر الماضية إلى 27.3% .
كيف نجح في ذلك؟ يقول بلوخر في حديث أجرته معه وكالة الأنباء النمساوية يوم 10 أكتوبر من الشهر الجاري: “إني أدافع عن مبدأي السيادة والحياد السويسريين. ولقد نجحت في منع انضمام الكنفدرالية إلى المجال الاقتصادي الأوروبي في عام 1992، ولو كنت فشلت، لكانت سويسرا اليوم عضوة في الاتحاد الأوروبي”.
ويكمل قائلا: “كما أني أؤمن بقيم ليبرالية محافظة، فلم إذن يطلقون علي أسم
السياسي اليميني الشعوبي؟ هناك إقبال كبير على محاضراتي، ويأتي الناس البسطاء ويفهموني.. لأنني أبذل جهدي قدر المستطاع كي أتحدث بلغة مبسطة”.
رسالة واضحة ومباشرة..
لخص السيد بلوخر بعبارته تلك أسباب نجاحه وشعبية حزبه. فإستراتيجيته تقوم على أسلوب واضح لا لبس فيه ومباشر في طرح المواقف، وتشدد في الحفاظ على “النموذج السويسري” وبالتالي، رفض الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والأهم (وهو العنصر الغائب في عبارته) جعل مشكلة اللاجئين محوراً لا يتجزأ من برنامج الحزب.
وقد يبدو مستغربا أن يتخذ رجل أعمال معروف مثل بلوخر، وهو المليونير وصاحب مجموعة EMS للهندسة الكيميائية التي تدر ربحاً سنويا يتجاوز 190 مليون فرنك سويسري، مواقف تُوصف عادة بالعداء للاتحاد الأوروبي واللاجئين، لكنه يرفض دائماً هذا الاتهام. فموقفه ضد الاتحاد الأوروبي يفسره بالقول إنها كمنظمة تعبر عن تشكل فكري خاطئ وأنها كيان غير ديمقراطي.
وهو مقتنع أن الاتحاد لن يستمر، ويصر أيضاً على خصوصية الديمقراطية السويسرية المباشرة، ومن هذا المنطلق، يفضل إقامة علاقات وثيقة مع أوروبا دون الالتحاق بركبها.
كما يرفض بلوخر تهمة العنصرية الموجهة إليه، ويقول: “أنا لست ضد الأجانب، ولدي الكثير من الأجانب ممن يعملون في مجموعتي المالية. نحن لسنا ضد الأجانب المقيمين شرعيا والحاصلين على عقود عمل في سويسرا، كما أننا لسنا ضد اللاجئين الحقيقيين”.
ويكمل: “لكننا نعاني من تغلغل مهول من الأجانب غير الشرعيين، الذين لا يحق لهم الحصول على اللجوء السياسي، والذين ينتمي إليهم الكثير من المجرمين وتجار المخدرات”.
بلوخر وزير في الحكومة الفدرالية؟
يرفض المحللون السويسريون المقارنة التي تقوم بها وسائل الإعلام الدولية بين بلوخر وشخصيات يمينية متطرفة على شاكلة يورغ هايدر في النمسا أو جون ماري لوبين في فرنسا.
فالسيد كليف تشيرش، الخبير في الشؤون السياسية السويسرية يحذر من هذا الميل بالقول: “صحيح أن بلوخر وحزبه يتخذان موقفاً مضادا للاتحاد الأوروبي، لكنه جوهريا لا يدافع إلا عن النظام السويسري التقليدي”.
ولذلك، ربما قد لا يكون من المستغرب أن تستجيب الأحزاب الرئيسية لطلب حزب الشعب وتوافق على انضمام بلوخر فعلاً إلى الحكومة الفدرالية.
المشكلة الحقيقة تتبدى في التساؤلات التي يثيرها معارضوه حول مقدرته على التعاون مع زملائه الستة الآخرين والعمل معهم بروح توافقية وجماعية.
لكن بلوخر لا يعير تلك التساؤلات اهتماما، فقد قال يوم الأحد: “إنني متزوج منذ ثلاثين عاما، ولذا فأنا أعرف جيدا معنى التوصل إلى حلول وسطى”.
إلهام مانع – سويس إنفو
أجرى الحوار مع كلٍ من دومينيك شواب وكليف تشيرش كل من فانيسا موك ومارك ليدسوم
كريستوف بلوخر:
ولد عام 1940 في كانتون شافهاوزين.
متزوج ولديه ثلاث بنات وولد.
رجل أعمال يملك مجموعة EMS للهندسة الكيميائية.
يعيش في هارليبرج بزيورخ.
1974-1978 عضو في المجلس البلدي بمايلين.
1975-1980 عضو في برلمان كانتون زيورخ.
منذ عام 1977 رئيس فرع حزب الشعب السويسري في كانتون زيورخ.
منذ عام 1979 عضو في البرلمان الفدرالي، وعضو في المفوضية البرلمانية للشؤون الاقتصادية والضرائب.
منذ عام 1986 رئيس حركة الدفاع عن سويسرا مستقلة ومحايدة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.